على مدى العقود القليلة الماضية، ظهرت الكثير من الأبحاث والدراسات التي تناقش ما يسمى بتجربة الاقتراب من الموت، وهي تجربة غامضة تعرض لها الكثيرون ممن أصيبوا بالسكتة القلبية، أو ماتوا سريرياً، أو تعرضوا للغرق أو الاختناق إلى آخره من الحوادث التي كادت أن تنهي حياتهم.وتحدث هذه التجربة بموت الدماغ وتوقفه عن العمل، ومن ثم خروج الجسد الأثيري وتحرره من الجسد الفيزيائي، بمعنى أن يخرج المريض من جسده الفيزيائي ويحلق كطيف غير مرئي أو كما يعرف بجسده الأثيري لينتقل إلى عالم ذو أبعاد أخرى، يرى فيه ما لا يمكن أن يراه في حياته، فيمر في بداية رحلته بنفق مظلم للغاية ينتهي بنور ساطع شديد، وقد يلتقي خلال رحلته بأشخاص متوفين ويتحدث إليهم.وبالرغم من موت الدماغ وتوقفه عن العمل، إلا أن المريض يظل واعياً يسمع ويرى كل ما يحدث حوله، وهو الأمر الذي أدهش العلماء، فمظعم من عاشوا هذه التجربة كانوا يشاهدون ويسمعون كل ما يحدث حولهم بالرغم من موت أدمغتهم.ولا تخرج هذه الرحلة الغامضة عن هذا النمط، حيث تشترك في مجموعة من الرؤى التي لا تتغير؛ النفق المظلم الذي ينتهي بنور ساطع، مقابلة الموتى والتحدث إليهم، مشاهدة حيوانات ونباتات وكائنات حية مختلفة، حالة كاملة من الوعي، القدرة على رؤية الأشياء بأبعاد مختلفة تتجاوز قدرتنا نحن البشر، وأيضاً مشاهدة حياتهم كاملة في لقطات سريعة وبشكل بانورامي، وما نلاحظه هنا هو أن العناصر واحدة في كافة التجارب باختلاف ثقافة أصحابها وديانتهم.






قصص تجارب الموت لا تحصى، قد تختلف في طريقة السرد وتفسير كل شخص لما مر به، لكن تبقى عناصر التجربة واحدة والدلائل واحدة، هنا سأضع بين أيديكم بعض القصص التي خضعت للدراسات والأبحاث المتخصصة في كشف سر هذه الظاهرة الغامضة ..– في عام 2011 نشرت صحيفة “راشيل نوير” العلمية تقريراً عن تجربة الاقتراب من الموت، يتضمن عدداً من القصص الخاضعة للبحث، أحد أبرز هذه التجارب تجربة تعود لرجل يبلغ من العمر 57 عاماً، تم نقله إلى المستشفى إثر إصابته بسكتة قلبية مفاجئة، وبينما يحاول الأطباء إسعافه بدا وكأنه فارق الحياة، توقف قلبه ودماغه تماماً، مما دفع الأطباء لاستخدام الكهرباء لإنعاش القلب، وبعد إفاقته من الغيبوبة حدث الأطباء بما رأى، حتى أنه شرح ما كان يحدث في غرفة الإنعاش خلال غيبوبته، وروى تفاصيل دقيقة للغاية، وسط دهشة وذهول من الأطباء.ويروي تجربته في مقاربة الموت قائلاً:

” نظرت فوجدت امرأة غريبة أمامي لم أكن أعرفها، لكنني شعرت بأنها تعرفني، وشعرت بأنني يمكنني الوثوق بها، فرافقتها وتركت جسدي المريض ملقى على السرير، وشاهدت الأطباء وطاقم التمريض، وكنت أسمعهم وهم يتحدثون إلى بعضهم، حيث قال أحدهم “اصدم المريض” مرتين، وكنت حينها أنظر إلى نفسي .. إلى جسدى الممد على السرير، وإلى الممرض الجالس بجواري، وإلى رجل آخر أصلع الرأس.”
وبالفعل تحقق الأطباء من التفاصيل التي وصفها عن الغرفة وطاقم التمريض، وصدور الأمر الذي كان يقول “اصدم المريض” مرتين، ليجدوا أن كل ما رواه الرجل صحيح تماماً، ووصفه كان دقيقاً للغاية، الأمر الذي أثار دهشتهم هو أن هذه الأحداث التي شهدها وسمعها المريض تجاوزت الـ 3 دقائق، ومن المفروض أن المريض يفقد وعيه تماماً بمجرد موت الدماغ، والدماغ مات بالفعل بعد موت القلب بـ 20 إلى 30 ثانية، فكيف حدث هذا؟!







-التجربة الثانية والتي لا تقل غرابة عن سابقتها، ترويها لنا الدكتورة بيني سارتوري خبيرة وباحثة في تجارب الاقتراب من الموت، حيث قضت أكثر من 15 سنة في البحث في هذه الظاهرة، كما أنها حاصلة على درجة الدكتوراه في تجربة الاقتراب من الموت من جامعة ويلز.
بطلة التجربة هذه المرة امرأة تدعى راستي 59 عاماً، هى إحدى الحالات التي تضمنها بحث الدكتورة سارتوري في مستشفى مورستون في سوانسي، أدخلت السيدة راستي المستشفى قسم الطوارئ إثر أزمة ربو ألمت بها، وبعد إفاقتها من الغيبوبة تحدثت إلى الممرضة وروت لها ما مرت به، وهي لا تدرك ما هذا الذي حدث، قائلة أنها شاهدت الغرفة بشكل كامل من الأعلى، ورأت جسدها ممداً على سرير المستشفى، ثم غمرها ظلام حالك تبعه ظهور ضوء شديد ظل يسحبها نحوه، كما أنها التقت بأشخاص لا تعرفهم لكنها شعرت بالأمان معهم، تماماً كما لو كانت تعرفهم من قبل، لقد غمرها شعور بالسعادة والارتياح لا يمكن وصفه، إلى ان أمرت بالعودة لأنه لم يحن وقت موتها بعد، فعادت في ضيق.قد تبدو الحكاية مجرد هلاوس وخرافات حتى الآن، لكن ثمة ما يثبت حقيقة تجربتها، فمن ضمن التفاصيل التي ذكرتها المريضة عن رؤيتها للغرفة بشكل كامل، أنها شاهدت “مصيدة فئران” أعلى الدولاب الموجود بالغرفة، لاحقاً تحققت الممرضة من الأمر لتجد أن هناك مصيدة فئران أعلى الدولاب بالفعل، فكيف شاهدته؟ وهي مذ أدخلت الغرفة وهي ممدة على السرير تصارع المرض !





– أرفين جيبسون هو مهندس نووي متقاعد، ويعتبر من أكثر الباحثين المتعطشين لمعرفة حقيقة تجربة مقارب الموت، في عام 1996 أجرى مقابلة مع أحد الذين خاضوا هذه التجربة، وهو رجل إطفاء يدعى جيك كان يعمل ضمن أحد فرق مكافحة الحرائق الشهيرة المختصة بحرائق الغابات، ويروي جيك حكايته أنه في عام 1989 كان يعمل مع فريقه على إطفاء حريق اندلعت بأعلى إحدى الجبال، وفجأة تغيرت الرياح وتوجهت النيران باتجاههم وبدأت في التهامهم واحداً تلو الآخر كما التهمت الأشجار، لم يكن هناك لا الوقت ولا الإمكانية للهرب أو الخلاص بأي طريقة، يقول جيك:

” بدأ الأوكسيجن يتناقص تدريجياً حتى أدركت بأني أموت ورددت في نفسي: أنا ذاهب للموت، لا أتذكر شيئاً بعد تلك اللحظة، حيث وجدت نفسي فجأة أطفو فوق جسدي الملقى على الأرض، وبدأ الشعور بالألم والاختناق يتلاشى، ليحل محله الشعور بالسكينة والسلام، لقد كنت أنظر إلى جسدي وأتأمل جثث زملائي، حتى وجدت أطيافهم تحلق فوق أجسادهم مثلي!الشيء الأكثر غرابة هو أن أحد زملائي لديه عيب في قدمه، شاهدت طيفه وهو يطير فوق جثته بقدم سليمة وصرخت فيه “انظر ياخوسيه إلى قدمك .. إنها سليمة، ليظهر بعدها ضوء شديد كان أكثر إشراقاً من ضوء الشمس وهي تشرق على حقل من الثلج، كانت ساطعة وشديدة لكني كنت أنظر إليها دون أن تؤذي عيني، لمحت بعدها جدي المتوفي وتحدثت إليه.عندما كنت هناك، كان كل شيء يبدو رائعاً، وروحي كانت حرة تماماً، شعرت وكأن كل شيء بلا حدود، وعندما عدت لجسدي الفيزيائي شعرت بضيق وحزن وعدم ارتياح، وددت لو أخرج من هذا الجسد ولا أعود له، أنا اشعر أني مقيد داخل هذا الجسد، لقد أخذت وقتاً طويلاً حتى اعتدت عليه من جديد!”
بعد الحادث تواصل جيك مع زملائه واكتشف أن عدداً كبيراً منهم عاش التجربة ذاتها، وسط ذهول ودهشة بالغة، فقد كان يعتقد ككل من مر بهذه التجربة؛ أنه الوحيد الذي عاش هذا الحدث الغريب العصي على الإدراك والتفسير.

رأي العلم






تعددت الآراء في المجتمع العملي حول حقيقة هذه الظاهرة، ما بين إنكار وتأييد، ففريق يؤكد أن الأمر محض هلاوس بسببها التخدير ونقص الأوكسيجن بالدماغ، وأن هذه الرؤى سببها الخليفة الدينية للذين مروا بهذه التجربة متغاضياً عن أن هناك ملحدين مروا بنفس التجربة، أي أن الأمر لا علاقة له بأفكار دينية مخزنة بالعقل الباطن أو ما شابه.
فريق آخر يرى أن التجربة أكثر تعقيداً من أن تكون مجرد هلاوس، فكيف يمكن أن تتشابه الرؤى إلى هذه الدرجة بالرغم من اختلاف هويات وديانات وثقافات من عاشوها، فالأمر يحتاج للمزيد من الأبحاث والدراسات المتعمقة لفك غموض هذه الظاهرة.والمفارقة الأغرب في الموضوع هو أن المكفوفين الذين مروا بهذه التجربة تمكنوا من الرؤية خلال هذه التجارب، وهو ما يزيد من غموض وغرابة الأمر.أحد أهم الابحاث التي أجريت حول هذه الظاهرة، بحث قام به الدكتور الإيراني سام بارانيا، مدير بحوث الإنعاش في مركز ستوني بروك الطبي بجامعة نيويورك، وتعتبر دراسته الأشمل والأكبر في تجربة الاقتراب من الموت حتى اليوم، والتي قام بها بهدف فهم هذه التجربة الذهنية وعلاقتها بالموت، وكيف يمكن للإنسان أن يكون على وعي ويسمع ويبصر بالرغم من توقف قلبه ودماغه.قام الدكتور سام مع زملاء له من 17 مؤسسة في الولايات المتحدة وبريطانيا، بتحليل أكثر من 2000 حالة أصيبت بالسكتة القلبية، وذلك على مدى 4 سنوات من الدراسة والبحث، فتبين الآتي :– بالرغم من أن الدماغ يتوقف عن العمل بعد توقف القلب بمدة تتراوح ما بين الـ 20 – 30 ثانية، إلا أن في حالة تجربة مقاربة الموت يظل الوعي موجوداً ويمتد لمدة قد تصل إلى 3 دقائق، بالرغم من توقف الدماغ عن العمل !– التقديرات تشير إلى أن ملايين الأشخاص عاشوا هذه التجربة، لكن بسبب غموضها اعتبرها البعض تجربة فردية أو هلوسات ولم يصرح بها، خشية أن يتهم بالجنون ويقابل بالسخرية، هذا فضلاً عن قلة الدراسات والأبحاث حول هذه الظاهرة، وعدم توفر جهات مختصة تأخذها مأخذ الجد وتشرع في دراستها.– جميع من مروا بالتجربة شهدوا مواقف حياتهم تمر بشكل بانورامي، كما شاهدوا أيضاً الضوء ذاته الذي سحبهم باتجاهه، وأيضاً مروا جميعهم بالنفق المظلم، مع اختلاف في الانطباعات والمشاعر، فالبعض وصف مشاهد تبدو مرعبة كتعرضهم للتعذيب أو إغراقهم في مياه عميقة، والبعض الآخر عاش مشاعر إيجابية لدرجة أنه لم يكن يريد العودة وعاد مجبراً.

***************
تكاد تكون تجربة الاقتراب من الموت الظاهرة الأكثر غموضاً، والتي لا زالت قيد الدراسة والبحث، حيث يسعى الباحثون إلى تحريرها من الصبغة الدينية والعقائدية وإخضاعها للبحث العلمي الخالص، لفهم ماهيتها وأسباب حدوثها، وهل هي مقاربة للموت بالفعل أم لا.


المصادر:1 , 2 , 3 , 4 , 5 , 6 , 7




منقول من اراجيك