لم يعرف المصريون الطباعة إلا في فترة الاحتلال الفرنسي 1798-1801، فأتيح للمرة الأولى نشر الكتب بآلة، وأمكن الاستغناء عن النُساخ، ولذلك كانت صناعة الطباعة من الأشياء التي أثارت دهشة الشعب المصري وأعجب بها الكثيرون من المشايخ وأعضاء الديوان والمثقفين، منهم الشيخ المهدي والفيومي والصاوي والشيخ البكري. ورحلت المطبعة مع الحملة وظلت مصر لا تعرف الطباعة حتى العام 1822 حينما أراد محمد علي باشا النهوض بالبلد في التخصصات والمجالات المتنوعة، فاستحق عن جدارة لقب صانع النهضة المصرية الحديثة. وكان التعليم أول ما اهتم به محمد علي لثقته بأن العلم هو الوسيلة القوية لتحقيق أهدافه التنموية، ولذلك اهتم بشدة بالنهوض بالطباعة باعتبارها أهم وسيلة لنقل الحضارة والثقافة الأوروبيتين، فأرسل بعثات علمية إلى إيطاليا للتخصص في فن الطباعة؛ وعلى رأسها نيقولا مسابكي أفندي الذي عاد إلى مصر عام 1233هـ/ 1819، ومعه ثلاث طابعات وتولى إدارة المطبعة وعاونه أربعة من خريجي الأزهر. وكانت المطبعة تطبع الكتب المدرسية ودفاتر الديوان واستمر التطوير فيها في عهود خلفاء محمد علي وأصبح اسمها المطبعة السنية ثم الأميرية.
أما فكرة طبع القرآن الكريم فلم تخطر ببال محمد علي باشا منذ البداية وعندما فكر في ذلك وجد معارضة من علماء الأزهر وظل الأمر محرماً بمقتضى فتوى، وكذلك جرى تحريم طبع الكتب الدينية؛ بناء على حجج واهية، منها أن مواد الطباعة منافية للطهارة، وعدم جواز ضغط آيات الله بالآلات الحديدية، واحتمال وقوع خطأ في طبع القرآن. وهذه المعارضة كانت أمراً طبيعياً أقرته ظروف وطبيعة الحياة في ذلك العصر، فالطباعة فن جديد، ولم يكن العلماء عرفوا ماهيته بالضبط، إضافة إلى أنهم اعتادوا كسب قوتهم من نسخ الكتب. ولكن في العام 1832 أمر بطبع أجزاء من المصحف لتلاميذ المدارس، ثم صدر أمر إلى مدير مطبعة بولاق بطبع المصحف، وأمر الشيخ التميمي؛ مفتي الديار المصرية بوضع خاتمه على المصحف ليكون بيعه وتداوله أمراً مشروعاً، وتم توزيع المصحف المطبوع على المدارس والأزهر الشريف واستمر ذلك حتى وفاة محمد علي. ولذا يُعتبر مصحف محمد علي أول مصحف مصري مطبوع. وبلغت عنايته بالمصحف أن خصص جزءاً من مطبعة بولاق عُرف باسم مطبعة المصحف الشريف واختار لها رئيساً مستقلاً وشغل تلك الوظيفة عبد الرحمن أفندي عام 1260هـ/ 1845م. ولكن في عهد الخديوي عباس حلمي الأول وجد علماء الأزهر أخطاء في مصحف محمد علي، واستغلوا ضعف الخديوي وعدم رغبته في النهضة والتطور فلم يهتموا بتصحيح المصحف واستطاعوا إقناعه بمصادرة تلك المصاحف ومنع تداولها، فأصدر العام 1853 منشوراً بجمع المصاحف المطبوعة وتحريم تداولها ومعاقبة من يخالف ذلك الأمر، كما أصدر أمراً لمحافظ الإسكندرية في العام التالي بإعدام المطبوع من المصاحف.
ولكن تلك المصاحف تم تخزينها في مخازن ديوان الجهادية، وكان عددها 296 مصحفاً، وعندما أراد الخديوي سعيد أن يوزع بعض المصاحف على تلاميذ المدرس