فسير سورة الأنعام من الآية( 33) من كتاب المتشابه من القرآن بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : http://quran-ayat.com/huda/
33 - (
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ) قولهم (
الَّذِي يَقُولُونَ) إنّه مجنون وساحر وشاعر (
فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ) في قلوبهم لأنّهم يعرفونك صادقاً (
وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ) منهم ، أي رؤساءهم (
بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ) تكبّراً منهم وعناداً . روي أنّه التقى أخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام فقال له :"يا أبا الحكم أخبرني عن محمّد أصادق هو أم كاذب فإنّه ليس هاهنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا ؟" فقال أبو جهل : "ويحك والله إنّ محمّداً لصادق وما كذب قطّ ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والندوة والنبوّة فماذا يكون لسائر قريش ؟"
35 - لَمّا جاء النبيّ إلى قريش ودعاهم إلى الإسلام قالوا : "ائتنا بمعجزة فنؤمن بك ونصدّقك ." فسأل النبيّ من الله أن يعطيه معجزة فنزل قوله تعالى في سورة العنكبوت {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} ، فعاد النبيّ يدعو قومه للإسلام ، فقالوا نريد معجزة ، فقال هذا القرآن معجزة ، فقالوا : لو نشاء لقلنا مثل هذا ، فنزل قوله تعالى في سورة الطور {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ } . فقالوا نريد معجزة كما جاء بِها موسى وعيسى وغيرهم من المعاجز المادّية . فسأل الله أن يعطيه معجزة فنزل قوله تعالى في سورة النحل {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} ومعناه لقد أعطيناك معجزة علمية وهي القرآن فادعُ قومك بِها ، أمّا المعجزة المادّية كالعصا والناقة وغيرها لا فائدة فيها لأنّنا لو أعطيناك معجزة مادّية كما اقترحوا عليك ورأوها بأعينهم لقالوا هذا سحر مبين ، فحينئذٍ وجب علينا إهلاكهم ونحن لا نريد إهلاكهم .
ثمّ عاد النبيّ يدعو قومه إلى الإسلام فكرّروا عليه القول وطلبوا منه المعجزة ، فقال ربِّ إنّ قومي يريدون معجزة مادّية فنزلت هذه الآية :
(
وَإِن كَانَ كَبُرَ) أي عظم واشتدّ (
عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ) وانصرافهم عن الإيمان (
فَإِنِ اسْتَطَعْتَ) أي قدرت وتمكّنت (
أَن تَبْتَغِيَ) أي تطلب وتتّخذ (
نَفَقًا فِي الأَرْضِ) أي نقباً ومنفذاً في جوف الأرض فانزل إليه وأخرِجْ لهم معجزة إن أمكنك ذلك (
أَوْ) اتّخذْ لك (
سُلَّمًا) أي مصعداً (
فِي السَّمَاء) فاصعدْ فيه إلى السماء وائتهم بمعجزة إن كان ذلك باستطاعتك وإرادة قومك ، وذلك قوله تعالى (
فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ) أي بمعجزة ، ولكنّ الأمر بأيدينا فإنّنا لا نرى فائدة في المعاجز المادّية والأحسن منها أدعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة (
وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى) ولكنّ الله يهدي من يشاء ، أي يهدي من يستحقّ الهداية (
فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) بتكرارك طلب المعجزة .