لماذا قال تعالى لأيوب (ع) : {أركضْ بِرِجلِكَ هذا مُغتَسَلٌ بارِدٌ وشراب} ؟
السبب هو أنّ العين فيها أملاح الكبريت ، وهو يترسّب بعد قليل من خروجه من العين ، بينما إذا ذهب بنفسه إلى العين ، فهناك الكبريت جديد ونشط ولم يترسّب بعد ، وإنّ ترسّبه يبطل فعاليته .
وهذا ما جاء في تفسير (المتشابه من القرآن) للمفسّر الراحل محمد علي حسن الحلي :
سورة ص الآيات 41-44
41 - (وَاذْكُرْ) لهم (عَبْدَنَا أَيُّوبَ) وقصته (إِذْ نَادَى رَبَّهُ) حين مسّه الضرُّ قائلاً (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ) فقتل أولادي بها (وَعَذَابٍ) فرماني سقيماً . والنصب جمع ومفردها منصبة ، وهي أحجار كبيرة ، وكان المشركون يذبحون القرابين للأصنام على النُصُب ، ولذلك حرّم الله تعالى أكل ما ذبح على النصب من أنعام . وذلك قوله تعالى في سورة المائدة { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ } ، وفي البلاد الحجرية يبنون بيوتهم من أحجار الجبال ، والمعنى إنّ الشيطان قتل أولادي بأحجار الجدار الذي أسقطه عليهم إذ كانوا جالسين بأجمعهم يأكلون في وليمة لبعضهم فجاء الشيطان وأوعز إلى بعض أتباعه من الجنّ أن اقلبوا الجدار على أولاد أيوب فاقتلوهم ، ففعلوا وسقط الجدار عليهم فماتوا بأجمعهم تحت الجدار، وعذّبني بالمرض والهموم التي تراكمت على قلبي .
42 - فقلنا له (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) إلى العين المعدنية واغتسل فيها. وقد أظهر الله له ينبوعاً من ماء الكبريت البارد (هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) ، وكان فيه أمراض جلدية فاغتسل فيها وشرب من مائها فبرئ من مرضه ، وكلمة "أركض" تستعمل في حادث شرّ وقع أو خير متوقّع ، فترى تلاميذ المدرسة يركضون ليبشرّوا أهلهم وذوييهم بالنجاح إذا حصلوا على ورقة نجاح ، وكذلك كلّ من سمع بخبر هام فيه سرور يركض ليرى الحقيقة من شدة فرحه .
فقوله تعالى (ارْكُضْ)هذه بشارة له بالخير ،
وقوله (بِرِجْلِكَ) أي إذهب بنفسك إلى العين واغتسل فيها ولا تأمر زوجتك لتأتيك بماءٍ منها لتغتسل . وإنّما أمَره الله أن يذهب بنفسه إلى العين ويغتسل فيها لأنّ الماء يحتوي على كبريتات المغنيسيوم وبعد خروجه من الينبوع يتّحد مع غاز ثاني أوكسيد الكاربون الموجود في الهواء أو مع كاربونات الكالسيوم الموجودة في الصخور فتتكون كاربونات المغنيسيوم وكبيرتات الكالسيوم وتترسب على الأرض وبذلك تذهب فائدة تلك المياه المنقولة من العين إلى مكان آخر حيث تترسب الأملاح ويبقى الماء خالصاً .
وتوجد في مدينة الموصل ينابيع كبيرتية منها باردة وهي على نهر دجلة يخرج منها ماء بارد مذاب فيه كبريتات المغنيسيوم "ملح افرنجي" طعمه مرّ فيه رائحة كريهة سامة هي غاز كبريتيد الهيدروجين . تظهر العين في الصيف حيث تنخفض مياه النهر فتظهر العين ، ولكن في الشتاء تغمرها مياه النهر ، يغتسل فيها من في جسمه أمراض جلدية مثل "الأكَزما والحكّة والدمامل وغير ذلك" ، ولايحصل الشفاء إلا بالاغتسال عشرين يوماً أو أكثر من ذلك .
وفي حمّام العليل قرب الموصل ينابيع ساخنة من مياه الكبريت يغتسل فيها من في جسمه روماتيزم أو شلل أو تشنج أعصاب .http://quran-ayat.com/tafseer.php?v=42&s=38
44 -(وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ) في الدنيا (وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ) في الآخرة (رَحْمَةً مِّنَّا) أي نعمة مِنّا عليه (وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ) أي موعظة لذوي القلوب الواعية يتعظون بقصته .http://quran-ayat.com/tafseer.php?v=43&s=38