الختان من اهم الفرائض اليهودية. فهو يمثّل، لاجيال من المؤمنين، رمز عهد توراتي مع الله. غير انه في اسرائيل، يزداد اليوم اكثر فاكثر الآباء اليهود الذين يقولون "لا" للشفرة. "الامر بمثابة "تابو" في اسرائيل واليهودية"، تقول غالي عن قرارها بعدم ختان صغيرها البالغ 6 اسابيع، وهي ترضعه. وتتدارك: "كأن يكون المرء مكشوفا على الملأ". للتعريف بها، تطلب استخدام اسمها الاول فقط ، لانها لم تخبر بعد اقرباءها بقرارها.
تقريبا كل الاطفال الذكور يُختَنون في اسرائيل. الختان اليهودي يتم عندما يبلغ الرضيع يومه الثامن، ويجريه الـ"موهل"، وهو رجل دين تدرب على إجراء هذه العملية، في مراسم احتفالية دينية تسمى "بريت"، العهد، بالعبرية. غير ان ثمة اقلية متزايدة تبدي خشية ان يكون الختان شكلا من الايذاء الجسدي.
"لا يختلف الامر اطلاقا عن ان يقول لي احدهم ان ثقافتنا تقتضي بان نقطع اصبعا عند الولادة"، تقول راكيفيت كوفمان، التي لم تخضع هي ايضا وليدها للختان. "على الناس ان يدركوا انه استغلال، لانه يُجرَى على طفل، من دون أن يُسأل".
"الظاهرة تكبر"، ترى رونيت تامير، التي اسست فريق دعم للعائلات التي اختارت عدم ختان ابنائها. "عندما شكلنا الفريق قبل 12 عاما، جهدنا لايجاد 40 عائلة... كان الاهل يبقون الامر سرّاً، وكان علينا ان نعدهم بان نحافظ على السر. ثم صرنا نتلقى اتصالا او اتصالين كل شهر. اليوم، اتلقى شهريا عشرات الرسائل الالكترونية والاتصالات الهاتفية، ومئات منها سنويا".
تعتقد تامير ان اليهود في اسرائيل يجدون اليوم انه من الاسهل كسر التابوهات الدينية. "الناس يتساءلون عن معنى ان يكون المرء يهوديا هذه الايام"، مما يقود الى تساؤلات عن القواعد من كل الانواع، بما فيها الختان.
في المجتمعات التي يتم فيها ختان الصبيان لاسباب غير دينية، اكانت عادات ام تقاليد ام فوائد صحية، يمكن ان تكون تلك الممارسة خلافية. في اوروبا، تنخفض نسبة الختان الى اقل من 20%، بينما يستمر في الولايات المتحدة ختان اكثر من نصف المواليد الذكور، وفقا لاحصاءات مركز مكافحة الامراض العام 2010.
في آب 2012، أصدرت الاكاديمية الاميركية لطب الاطفال خطوطا ارشادية جديدة، تقول ان الفوائد الصحية لختان الاطفال الذكور تفوق اخطار هذه الجراحة، وانه لا بد من ان يكون للوالدين الرأي النهائي.
غير انه حيث يكون هذا القرار مسألة اختيار شخصي للعديد من العائلات في العالم، فان الامر اكثر تعقيدا بالنسبة الى اليهود الذين يتساءلون عن التقليد.
"انه العهد بيننا وبين الله، علامة لا يمكن انكارها، وقد حافظ عليها اليهود حتى خلال ازمنة الاضطهاد"، يقول "موهل" معروف جدا يمارس الختان في اسرائيل من اكثر من 30 عاما، وقد طلب عدم ذكر اسمه، بتجنب الارتباط باي جدل خلافي. ويستند الى سفر التكوين، حيث قال الله لابرهيم: "هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك: ان يُختن كل ذكر منكم" (تك17/9). وهو العهد الذي يبقي، في رأيه، "شعب اسرائيل معا".
في السفر عينه، يقول الله ايضا: "اي ذكر لا يختن يُقطع من شعبه لانه نقض عهدي". على مرّ الاعوام، اختلف الباحثون في تفسير معنى ذلك عمليا... اما تامير، فلا تتأثر بهذه الآيات القديمة. "هذا أمر (الهي) مؤلم، نهائي، ومشلّ". الانترنت ساعد في نشر الخبر، تفيد، بما اتاح للاهل ايجاد معلومات عن الختان وطلب المشورة في شكل مجهول.
في الولايات المتحدة، يقدّم عدد من المجموعات اليهودية المعارضة للختان بدائل لاحتفالات "بريت" دينية، لا تتضمن ختانا فعليا. "بالتأكيد هناك عدد متنام من العائلات اليهودية في الولايات المتحدة التي تختار عدم الختان"، تقول ريبيكا وولد في فلوريدا.
العام 2010، اطلقت موقعا الكترونيا للتواصل مع الاهالي المترددين، ومنذ ذلك الوقت، اتصلت عبر الهاتف والرسائل الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعية، "بمئات اليهود في الولايات المتحدة الذين يشككون في الختان. العديد منهم لديهم ابناء غير مختونين، او يخططون لترك اولاد مستقبليين من دون ختان". ابن وولد ليس مختونا بدوره.
في اسرائيل حيث الأغلبية العظمى من الصبيان مختونة، قد تكون المعضلة صعبة للغاية. فمع ان غالي واثقة من الاختيار الذي قامت به وزوجها، فانها لا تزال قلقة من امر واحد: الجانب الاجتماعي. "المسألة الاساسية التي تكدرني هي ان يأتي يوم يسألني فيه ابني: لماذا فعلت هذا بي؟ لقد سخروا مني اليوم".
لا تحتفظ وزارة الصحة الاسرائيلية بتقارير عن الختان، لكنها تقدر ان بين 60 و70 الف عملية ختان تتم سنوياً في اسرائيل، بما يتطابق تقريبا مع عدد الأولاد المولودين العام 2010، وفقا لمكتب الإحصاء المركزي. وتفيد الوزارة انها تتعامل سنويا مع نحو 70 حالة من عمليات ختان غير موفقة، ومضاعفات طفيفة مثل النزف المفرط.
النهار