ورد في القران الكريم الكثير من الايات التي تتكلم عن شفاعة الانبياء للناس يوم القيامة وان الملائكة تدعو وتستغفر لاهل الارض وفي ما يلي بعض التفصيل وتوضيح لمفهوم الشفاعة وفق المنظور القرآني ولتوضيح بعض المفاهيم الخاطئة عن الشفاعة :
من المعروف ان الملائكة يستغفرون للمؤمنين كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر:7]، وبعضهم يطلب الخير لجميع أهل الأرض ويستغفرون لهم كما قال تعالى: ﴿ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشورى:5]، ولكن هذا الاستغفار والشفاعة بحق أهل الأرض لن ينفع جميع الناس بل لن ينتفع منه إلا الذين رضي الله عنهم كما قال تعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم:26].
ونلاحظ في آية استغفارالملائكة للمؤمنين تصريحاً واضحاً بأن الذين سيستحقون النجاة هم الذين آمنوا وتابوا واتبعوا سبيل الله وصلحوا هم وآبائهم وأزواجهم وذرياتهم فالمدار أولاً وآخراً على الإيمان والتوبة والصلاح: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [غافر:7-8].
ومن الجدير بالذكر أنه كما أُمر النبي بالشفاعة لأمته أي أن يستغفر لهم ويطلب الرحمة لهم فإن الملائكة أيضاً تستغفر للنبي لأنها تستغفر لجميع المؤمنين بل لجميع أهل الأرض وهو منهم،
إذن الشفاعة وطلب الرحمة والغفران الذي تقوم به الملائكة لعامة أهل الأرض لا يشمل إلا من كان قابلاً للشفاعة ومستحقاً للغفران ومثل هذه القابلية والاستعداد إنما تحصل لدى الأفراد من كل جيل لكل من يطوي مقامات القرب من الله وهذا الأمر يتكرر على الدوام لذا جاء التعبير في الآية المذكورة سابقاً بصيغة المضارع ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم:26].
فهذه هي حقيقة الشفاعة : أنها ذلك الاستغفار والدعاء ذاته الذي تقوم به الملائكة ويقوم به النبي للمؤمنين أو يقوم به المؤمنون لبعضهم بعضاً وكل ذلك منوط بإذن الله: ﴿ يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ [طه:109].
فالشرط المهم لقبول الشفاعة أن يكون الله قد أذن بها سابقاً في الدنيا للملائكة والنبي والمؤمنين، لذا جاء الإذن بصيغة الماضي، وهو الإذن الذي أذنه الله للملائكة وأشار إليه الله تعالى بقوله: ﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾، كما أذن به للنبي وهو ما أشار إليه في مواضع عديدة من كتابه كقوله تعالى:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد:19].
وقوله سبحانه: ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور:62]
وقوله تعالى: ﴿ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الممتحنة:12]
وهو ما قام به خليل الله إبراهيم عليه السلام عندما دعا قائلاً: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم:41]
وكذلك ما قام به نوح عليه السلام من دعائه لنفسه ووالديه والمؤمنين كما في قوله تعالى عنه: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا ﴾ [نوح:28]
فكل هذه الأدعية وطلب الغفران الذي يقوم به الأنبياء هو نفس الشفاعة التي أذن بها الله والتي ستنفع المؤمنين الذين يرتضيهم الله، أما غير المؤمنين فلن ينتفعوا منها بشيء، وهو معنى أكدته عديد من الآيات التي بينت أن استغفار الملائكة والأنبياء لمن كانوا من المنافقين أو من كانوا من العصاة المصرين على آثامهم الظالمين لأنفسهم لن تنفعهم شيئاً، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [المنافقون:6]، وقوله سبحانه: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة:80].
ولهذا نجد أن شفاعة إبراهيم لقوم لوط لم تُقبَل، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ * يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ [هود:74-76].
وشفاعة نوح لابنه لم تُقبل، قال تعالى: ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍيَابُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِعِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود:42-47].
فهذا يؤكد تلك الحقيقة القرآنية أنه لدى مقام العزة والجلال الإلهي لا يوجد نسبٌ ولا قرابةٌ ولا وساطةٌ بل كما قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [الزمر:44]، فلا يوجد إلا الإيمان والتقوى، ولا مكان للأنساب ولا ينفع نبيٌّ ابنَه ولا زوجَتَه.
وخلاصة الكلام أنه بمعزل عن عدم وجود دليل على الشفاعة الأخروية المتجددة بالمعنى المشهور وإن كانت توجد فليس هناك أي آية تدل صراحةً أو كنايةً على أن النبيَّ والأئمةَ سيقومون بها يوم القيامة، أما إذا قلنا بالمعنى الذي طرحناه أي الشفاعة بمعنى الاستغفار والدعاء بالغفران والرحمة فهذه واقعة وصحيحة ولن ينتفع منها سوى المؤمنين الموحِّدين الذين ارتضاهم الله.
منقول بتصرف