بسم الله الرحمن الرحيم
يتميز اﻷنسان بحسه العاطفي الذي يمكنه من اﻷحساس واﻷستمتاع باﻷشياء التي حوله، وعاطفة اﻷنسان هي في الحقيقة المحرك اﻷكبر لعمله ونشاطه وهي الهدف اﻷول الذي يسعى الأنسان الى تحقيقه. على سبيل المثال أن الطالب يقرأ بجد سنين طويلة، أما ﻷنه يحب أن يصل الى منصب أو وظيفة أو ﻷنه يستمتع بالعلم والتعلم، وفي الحالتين يكون ارضاء العاطفة هو الهدف أولاً وآخراً... وتستطيع عزيزي القاريء أن تعمم هذا المثال على كل عمل أو تصرف يقوم به أي شخص في هذه الدنيا.
أين دور العقل في هذا السياق؟
يستخدم اﻷنسان العقل لتجنب الوقوع في المشاكل التي تجعله غير راضي وغير مرتاح وأيضاً للحصول على رضا وراحة أفضل ... وذلك يصب أيضاً في هدف أرضاء العاطفة كهدف نهائي . ولكن عند أستخدام العقل يجب تجميد العاطفة والأ فأن القرار سيكون خاطيء. وكمثال بسيط على ذلك ، لنفترض أن شخصاً قد رأى قطعة من حلوى يحبها وهو يعلم أنها ملوثة..العاظفة ستخبره أن عليه أن يأكلها، لكن العقل يخبره أن اكلها اﻵن سيؤدي به الى المرض في النهاية والمرض يؤدي الى مشاعر سيئة...الأنسان العاقل يفكر بتلك اللحظة بغض النظر عن عاطفته الحالية، لكن الطفل قد يقوم بأكل قطعة الحلوى الملوثة ويمرض.
لا عاطفة في الواقع.
العاطفة هي أمرنسبي يوجد في داخل الأنسان فقط، أما الواقع فتحكمه قوانين وضعها الخالق وهذه القوانين لاتتغير بعاطفة اﻷنسان. مثلاً، الطفل الذي يسقط من مكان مرتفع سيتحطم جسمه كما يتحطم أي جسم آخر حي أو غير حي. تحطم جسم الطفل هو أمر مريع بالنسبة ﻷهل الطفل ولكن هذا لن يغير شيء، وكذلك عاطفة الطفل التي ربما قادته الى السقوط مثل الرغبة في الطيران أو اﻷستكشاف هي لن تغير من قوانين الفيزياء في شيء . هنا كلنا متفقين على أن على اﻷهل التفكير بعقولهم لحماية أطفالهم.
العاطفة والدين.
عندما يتعلق اﻷمر بالدين، فالغريب أن أكثر الناس تحكم عقولها للبحث عن دين يوالم العاطفة وليس ان تبحث عن الدين الصحيح الذي يوالم الواقع. وأكثر الناس تجعل العاطفة هي الحكم على الأمور الدينية.
على سبيل المثال يعتقد النصارى أن الله هو رحمة مطلقة، وهذا اﻷعتقاد يتفق تماماً مع العاطفة ولايتفق مع أي شي سوى ذلك، حيث أنه لايتفق مع الواقع الذي نراه في كل يوم.
كذلك يعتقد النصارى أن المسيح قد صلب ليحمل خطاياهم، وهذا أيضاً يتفق تماما مع الشهوات والعواطف، ولايتفق مع سواه.
ومن ذلك يدخل الشيطان دائماً من باب العاطفة ليرسم صورة وردية وهمية للأنسان ويجعله يعطل العقل في الحكم. وقد نجح الشيطان في أضلال جميع الديانات السماوية من هذا الباب وبما فيها اﻷسلام. مثلاً يعتقد بعض طوائف الأسلام بأن الأمام الحسين هو سيشفع ﻷتباعه الذين يذرفون الدموع على المصيبة التي حلت عليه، والدليل المتبع في تبرير هذا اﻷفتراض أن الحسين قد تعرض مع أهل بيته الى حادثة مريعة ادت الى مقتله وأهله. والنتيجة أن الناس قامت بتقديس الحسين وعمل العبادات من اجله وفي سبيله ومن ثم الدعاء منه والنذر له واﻷستعانة به في القيام والقعود. والعاطفة التي أدت الى هذه اﻷمور هي لاتتفق مع الواقع وستؤدي بأصحابها الى الهلاك، ﻷن الخالق لايرضى أن يكون معه شريك تدعو منه الناس وتنذر له وتقوم له بالعبادات.
واذا أعدنا التفكير بهذه الحادثة بالعقل فقط فسنرى أن الحسين(عليه السلام) قد قتل شهيداً، والموت مكتوب على اي بشر من الرسل واﻷنبياء الى باقي الناس من الصالحين أو غير الصالحين. ولو لم يمت الحسين شهيداً فكان سيموت على فراشه بكل اﻷحوال. اذن هذه الحادثة هي ذات قيمة للحسين نفسه، ولكنها بالنسبة للأخرين ليست ذات قيمة واقعية اكثر من كونها تثير عواطف وهمية في نفوس الناس ويستغلها الشيطان للوصول ﻷهدافه في اضلالهم عن عبادة الله وحده.
وكما أن أصحاب الطوائف الدينية قد جعلوا من عواطفهم اساساً للحكم على الأمور الدينية وعما يرضاه الله وعما لايرضاه، فأن الملحدين واللادينين ، قدغيروا قواعد العاطفة التي يحكمون عليها ، وجعلوا من عاطفتهم البشرية في الدنيا فقط أساساً للحكم على الأمور.
مثلاً عندما يتحدث شخص لاديني عن عقوبة قطع اليد للسارق، تراه يقول أنها عقوبة سيئة... فما الذي يجعله يعتقد أنها عقوبة سيئة؟ هو يستند في ذلك على عاطفته الشخصية التي يعتبر فيها أن قطع اليد للسارق أمر سيء.
ما هو الحل؟
على اﻷنسان أن يفكر بالدين كما يفكر بأي شيء آخر في حياته، وعليه أن يعطي لهذا التفكير حصة أكبر من أولويات تفكيره في امور الدنيا. واﻷمر المهم أن يجمد العاطفة في لحظات التفكير ...فكم من فعل نقوم به بدون منطق أو سند عقلي أو فكري؟؟ والمصيبة هي أن اكثر الناس لايحب أن يغير شيء في دينه فقط ﻷنه يحب دينه ويحب أن يكون الدين صحيح ، تماما كما أن الطفل يحب الطيران ويحب أن لايسقط الى اﻷرض.
قال تعالى :" أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ"