لخص تقرير لجاكي حوجي في المونيتور شباط 2013
"كنت أنتظر هذا النداء" يقول روني سومك، الشاعر الإسرائيلي المولود في بغداد الذي سمع بسرور أقوال الزعيم الشيعي مقتدى الصدر التي دعا فيها يهود العراق إلى العودة إلى بيتهم والمساعدة على بناء الوطن الجديد.
لقد ظل روني سومك البالغ من العمر 61 عاما يغازل مسقط رأسه، علما بان حالة من العداء تسود بين بغداد وأورشليم القدس، ولم يمنح اليهود بعد حق العودة. ورغم ذلك، فقد كان لتصريح الزعيم العراقي الموالي لإيران أثر في قلوب العديد من يهود العراق. إن أحدا منهم ليس ساذجا بما يجعله يعتقد بأنه بالذات، وهو رئيس الميليشيا المسلحة المسماة ب"جيش المهدي" سيستقبلهم بالزهور والرياحين في مطار بغداد الدولي، بل ليس بينهم أحد يفكر في التوجه إلى هناك صباح غد، ولكن من الواضح للجميع أن مثل هذا التصريح يضع الأسس لتصريحات مماثلة ستأتي مستقبلا، وهي التصريحات التي ستمهد الطريق أمام التقارب بين يهود بابل ووطنهم أو بلد مهجرهم الذي عاشوا فيه 2700 سنة.
يقول سومك: "كنت أعلم بأن زعيما عراقيا سيأتي ليقول ‘هيا بنا نعيد بناء العلاقة‘، ورغم أن كلامه ليس له تعبير عملي حاليا، إلا أنه يمثل مجازا للعلاقات التي كانت تسود بين اليهود والمسلمين والمسيحيين".
كانت الجالية اليهودية العراقية قد بلغ تعدادها وهي في أوجها 140 ألف نسمة. وقد هاجرت الأغلبية الساحقة منها في سنوات ما بعد إقامة دولة إسرائيل، وبقيت أقلية هاجرت منها تدريجيا خلال العقود التالية. أما اليوم فلم يبق فيها سوى عشرة أفراد. وخلف اليهود وراءهم ذكريات شديدة الوقع وحياة من الشراكة مع جيرانهم وأملاكا كثيرة. ويعيش معظمهم في إسرائيل، والقليل منهم في الدول الغربية.
ولد روني سومك في 28 ديسمبر كانون الأول 1951 لعبد الله وديزي سوميخ، من اليهود سكان محلة بستان الخس في بغداد. وحين بلغ من العمر سنة ونصفا هاجر والداه إلى إسرائيل، حيث لا يزال يملك شهادة الميلاد التي أصدرتها له الحكومة العراقية، ومعها جواز السفر الذي تلقاه والداه حين غادرا العراق. وقد كانت هذه الوثائق تسمح له بالتصويت في الشتات، مثله مثل أي مواطن عراقي، في الانتخابات البرلمانية العراقية التي تجري منذ سنة 2005. ولكنه يقول: "لم أذهب لأصوت، فأنا ساكن في شارع هكبائيم رقم 5، ولست مستعدا لأن ينضم أحد سكان شارع هكبائيم رقم 3 إلى اجتماع سكان عمارتنا ليقرر عني كيف يجب أن تدور حياتي. فإذا كان يريد أن يكون شريكا في اتخاذ القرارات، عليه أن يسكن معنا في نفس العمارة".
"بنفس الطبشورة التي يرسم بها شرطي ملامح جثة في مشهد الجريمة
أرسم أنا حدود المدينة التي أطلق فيها النار على حياتي.
أحقق مع الشهود، وأعصر من شفاههم
قطرات المشروب وأقلد بتردد خطوات رقصة الرغيف على صحن حمص.
وحين يقبض علي يخصم ثلث من محكوميتي لحسن سلوكي
ويتم حبسي في دهليز حنجرة سليمة مراد".
(مقطع من قصيدة "بغداد" لروني سومك)
وظل يغازل مسقط رأسه العراقي طوال حياته، من خلال اعتزازه بمنشئه واتصالاته بالشعراء العراقيين والحكايات التي تربى عليها، وبشكل خاص من خلال إبداعه.
"إن اليهود الذين أقاموا هناك لم يعتبروا العراق وطنا يوما، فقد كانوا يشعرون بالمهجر، ولكن مغادرتهم، أقله بالنسبة لبعضهم، كادت تكون إهانة. يقال إن مرتكبي المذابح بحق اليهود في كيشينيف في مطلع القرن العشرين كانوا يصرخون: ‘اضرب اليهود لتنقذ روسيا‘. ولكنني لا أظن أن ثمة عربيا شعر بأنه ينقذ العراق بضربه لليهود".
"وإذا فتح العراق أبوابه بوجهك، ستعود؟"
"أتيت إلى هنا رضيعا وكان دماغي خاليا من الذكريات. لن أستقر فيه".

"وما هو أول مكان ستتوجه إليه؟"

"سوق الشورجة التي سمعت الحكايات عنها، ويرجح أنها لم تعد قائمة".
"لقد أضرمت النيران فيها خلال الحرب، ولكنها ما زالت قائمة".
"إن حكايات هذه السوق جزء من مناظر طفولتي، وقد تعاظمت بوصول شقيقات والدي وجدي من العراق في أوائل الستينات. فكلما كنت أمسك بفاكهة، كانوا يقولون لي إنها فاكهة ممتازة، ولكن ليست مثل ما تجده في السوق".

"والمكان الثاني الذي ستقصده؟"

"مطاعم الأسماك عند دجلة، فقد سمعت الحكايات عن الأسماك ورائحة النهر وأجهزة الجرامافون الكبيرة التي كانت تنبعث منها أصوات كبار المطربين الذين تربيت على أغانيهم".
"لم تذكر بيتك ولا الكنيس المجاور"

"لست متأكدا بأن بيتي قائم، وأعرف أن معظم الكنس قد أصبحت مساجد، فقد تلقيت بالإيميل قبل بضع سنوات عرضا تقديميا غاضبا، ظهر فيه ما حل بالكنس العراقية، فأرسلته إلى أمي، وكان ردها أنه من المفضل أن تكون قد تحولت إلى مساجد وليس إلى صالونات للفساتين، فما الفرق ما داموا يصلون فيها إلى نفس الإله".
وفي إسرائيل يسكن في مدينة رامات غان وهو متزوج من ليئورا وأب لشيرلي البالغة من العمر 21 عاما. ويحوز على دبلوم تعليم ومرشد لجماعات الشارع. ويعمل لكسب رزقه مدرسا في مدرسة " هزدمنون شنياه" (فرصة ثانية) الثانوية بتل أبيب التي تستقبل الطلاب المتسربين من الجهاز التعليمي وتمكنهم من فتح صفحة جديدة والتقدم لامتحانات الثانوية العامة.

ويتميز إبداعه بالحداثة واللغة المتعرجة الملامح (يصفها بما يشبه الأرابيسك) وتنوع مواضيعها، حيث يجد فيها المرء بغداد إلى جانب الكينونة الإسرائيلية، وأم كلثوم إلى جانب كرة القدم. وقد ترجمت قصائده إلى 41 لغة، منها الألبانية والمقدونية والكتالونية والنيبالية والعربية.
لم يشعر يوما بالدونية في إسرائيل، باعتباره يهوديا عراقي المنشأ داخل مجتمع كان قادة الرأي والثقافة فيه من اليهود الغربيين، وقد يكون ذلك سبب اندماجه في الإسرائيلية. يقول: "أنا لا أبحث عن جذور، لأنني لم أفقدها قط. فقط في اليوم الأول لدراستي في الصف الأول قالت لي المعلمة إنه يقال ‘بجداد‘ وليس ‘بغداد‘(بال -غين) كما كنا نقول في البيت. وبعد سنين سمعت من أصدقائي أنهم كانوا يشعرون بالحياء حين كان أهاليهم يستمعون إلى الموسيقى العربية في البيت. أما أنا فكنت أزيد صوت الراديو ارتفاعا".
"ورغم ذلك قبلت بتغيير اسم عائلتك والذي فرض عليك فرضا. أليس لأنك أدركت بأن

الاندماج في إسرائيل يستلزم الابتعاد عن العروبة بعض الشيء؟"

"كلا. بدأت في تنظيم الشعر واشتهرت بهذا الاسم، فتبين لي أنه التصق به".
يشعر بالأسف لأن أحدا في أورشليم القدس لم يعلق على تصريح الشيخ مقتدى الصدر، حيث يقول: "إنه نداء شجاع، كان يجب استقباله بالتصفيق". يتسم سومك بالواقعية ويعلم بأنه بوصوله إلى بغداد لن يجد الإخوان فقط، بل سيكون هناك من يضمر له السوء. "ولكن سيكون هناك أيضا من هم أقل تشددا، وسوف يحمونني، إذ سآتي كصديق، لا كمن يريد أن يسلب منهم شيئا".
"هل تركتم هناك ممتلكات كثيرة؟"
"تركنا ممتلكات كثيرة، ولو تم تعويض اليهود عما تركوه خلفهم، سيسرني تسلم التعويض، ولكن بادئ ذي بدء، إذا تقدم أحدهم لمصافحتك، فصافحه. ولدت في دولة عربية وأنا منتمٍ إلى ثقافتها، ولكنني إسرائيلي، ويمكنني تفهم (الكاتب) سامي ميخائيل و(باحث الأدب العربي) ساسون سوميخ اللذين عرّفا نفسيهما باليهود العرب، لأن مرحلة تكوينهما كلها قد أمضياها هناك. أما أنا فمرحلة تكويني أمضيتها هنا، ولأن معظم الشعراء العراقيين نزحوا عن وطنهم، يعتبرني زملائي العراقيون شاعرا عراقيا في المهجر، ولكنني أعيش في دولتي".



المصدر