المعروف من علم الأحياء ان هناك تشابه وتطور جيني بين الكائنات الحية ، فمثلا الجهاز العصبي في الثديات يشابه الجهاز العصبي في الطيور ولكنه اعقد ويستمر هذا التعقد بأزدياد الى ان يصل الى الأنسان . وهذا ما جعل البعض يستدل على وجود علاقة تطورية بين الكائنات والا لكان كل كائن مختلف تماما عن الكائن الأخر ، وعندما ننفي وجود تطور تلقائي بسبب استحالته تبقى العلاقة التطورية بدون تفسير ، ولكن بالأمكان القاء الضوء عليها في ضوء وصف عملية الخلق في القرآن والتفسير:
من كتاب الكون والقرآن لمؤلفه محمد علي حسن الحلي:
إعلم أنّ بذرة الحياة لم يكن منشؤها من الأرض حيث أنّها مع باقي السيّارات كانت شمساً ملتهبة ، ولا يمكن أن تنشأ الحياة من النار ولكنّ الحياة انتقلت إلى أرضِنا من السيّارات القديمة الّتي تمزّقت وصارت نيازك ؛ فإنّ بعضها سقطت على الأرض فصارت جبالاً، ولَمّا كانت تلك السيّارات مسكونة وفيها من النبات والأشجار والحيوان بقيت بذورها في تلك القطع التي صارت جبالاً على أرضنا ، ولَمّا نزلت عليها مياه الأمطار أخذت تلك البذور وبقايا الأشجار تنمو وتكبر بسبب المياه ، قال الله تعالى في سورة الأنبياء {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} ، ثمّ خلقَ الله تعالى من تلك الرمم البالية حيوانات وطيوراً وبشراً ، وبعد ذلك نزلت هذه المخلوقات من تلك وتفرّقت في الأرض وأخذت تتناسل وتتكاثر حتّى ملأت الأرض ، فالحياة إذاً انتقاليّة من سيّار إلى سيّار آخر .
[خلق آدم ]
فإنّ الله تعالى خلقَ آدم وحوّاء على جبلٍ من تلك الجبال التي كانت سيّارات وتمزّقت ، ثمّ نزلا من الجبل إلى الأرض المستوية فتناسلوا وتكاثروا وانتشروا في ألأرض . قال الله تعالى في سورة البقرة {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ}، فالجنّة هي البستان والمزرعة ، قال الشاعر :
كانت لهم جنّةٌ إذ ذاكَ ظاهرةٌ فيها الفراريس والفومان والبصلُ
وقال الله تعالى في سورة المؤمنون {فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} بعني بساتين من نخيلٍ وأعناب ، فالجنّة التي كان آدم يسكنها كانت فوق جبلٍ من تلك الجبال التي سبق الكلام عنها . والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة طه {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ..إلخ } يعني اهبطا من الجبل إلى الأرض المستوية ، فالهبوط معناه النزول من محلٍّ مرتفع إلى محلٍّ منخفض ، كقوله تعالى في قصّة نوح في سورة هود {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ} فهبوط نوح كان من الجبل إلى الأرض المستوية لأنّ السفينة رسَتْ على جبل الجودي .
فإنّ الله تعالى خلقَ آدم وحوّاء من تلك الرمم البالية التي في ذلك الجبل ، قال الله تعالى في سورة الحجر {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ}، فالصلصال هو الطين ، والحمأ معناه الأسود ، والمسنون معناه المنتنّ ، أي من طين أسود منتنّ ، وذلك لأنّ مياه الأمطار لَمّا نزلَتْ على تلك الأتربة التي هي من بقايا الرمم البالية صارت طيناً وانتنّتْ ، فخلَقَ الله تعالى من ذلك الطين آدم وحوّاء . وقال تعالى في سورة ص {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ}
فان الله تعالى قد خلق الأنسان من بقايا و رفات كائنات ميتة تفسخت فصارت ترابا ثم نزل عليها الماء فصارت ماء آسن فخلق الله منها آدم ،وكذلك خلق باقي الحيوانات من جثث اخرى ..والسؤال هو ما الذي يوجد في جثة انسان متفسخة ؟ صحيح انها تتحول الى تراب بعد مدة من الزمن ولكن الأجزاء الباقية منها لا تزال تحمل الصبغة الوراثية(جميع المعلومات الوراثية مخزنة في DNA في اي خلية من خلايا الكائن الحي) .
فلهذا عندما يخلق الله بشرا من جثة بالية لم يبقى منها الا هذه الصبغة الوراثية والباقي مجرد مكونات كيميائية متواجدة في اي تربة اخرى ، فمن الطبيعي ان تبقى كثير من صفات الجثة القديمة في الخلق الجديد لحكمة من الله تعالى ، اي ان الله يغير في معلومات الشفرة الوراثية بما يشاء ويبقي ما يشاء .
ما نراه من تشابه في الكائنات الحية يدل على ان الله قد يغير تغييرات بأتجاه معين عندما يخلق نوعا جديدا ولكن تبقى العلاقة الوراثية قائمة ، وقد يكون قرد الشمبانزي في الأصل مخلوق من جثة انسان كما قال تعالى:
"قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ "
التفسير من كتاب المتشابه من القرآن لمفسر القرآن محمد علي حسن الحلي:
وهذا تصريح واضح من كتاب الله انه تعالى قد خلق من بقايا اجسام اليهود نوعا من القردة وهو ما يفسر التقارب الجيني الواضح بين الأنسان والقرد ، ولكن قد تتسائل ايها القاريء العزيز وتستغرب ماذا عن الخنزير؟وما دخل الخنزير في هذا السياق؟ ولكن هل تعلم ان الخنزير من اقرب الحيوانات جينيا الى الأنسان لهذا تجرى عليه دائما تجارب نقل الأعضاء الى البشر وهذا معروف علميا . وهذا يدل على صدق القرآن الكريم الذي اشار الى خلق خنزير تحديدا من جثة بشر وكذلك قرد من جثة بشر وهما الأقرب جينيا الى البشر.– (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء اليهود الذين استهزؤوا بصلاتكم ونقموا منكم (هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ) أي بشرّ مِمّا نقمتم مِنّا ومن إيماننا فإنّنا آمَنّا بالله وحده ولم نشرك به شيئاً فلنا (مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ) أي ثواباً عند الله ، وليس لنا شرّ كما تزعمون ولكنّ الشرّ لكم ولأسلافكم الذين أشركوا وعبدوا العجل والبعليم وعشتاروث وهؤلاء (مَن لَّعَنَهُ اللّهُ) أي أبعده الله عن رحمته وأخزاه (وَغَضِبَ عَلَيْهِ) بسبب كفره وعبادته للأوثان (وَجَعَلَ مِنْهُمُ) أي من أجسامهم البالية (الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ) الموجودة اليوم ، يعني خلقها من تراب أجسامهم وذلك بعد موتهم ، وهذا تحقير لهم والدليل على ذلك الألف واللام من قوله تعالى (الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ) يعني القردة الموجودة اليوم في قارة آسيا خلقها من تراب أجسامهم . ولو أنّه تعالى مسخهم قرَدة وخنازير كما ذهب إليه المفسّرون لقال مسخناهم قرَدة وخنازير . ويعتقد اليهود بتناسخ الأرواح 1، فيقولون أنّ أرواح الأشرار تدخل في جسم قرد أو خنزير أو جسم حمار فتتعذّب عقاباً على أعمالها السيّئة ، وأنّ أرواح الصالحين تدخل في أجسام أطفال الأغنياء والملوك فيتنعّموا ويعيشوا عيشة سعيدة جزاءً لأعمالهم الصالحة 2 . وقوله (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) أي وجعل منهم عبيداً للطاغوت ، ويريد بالطاغوت نبوخذنصّر فإنّه استعبدهم سبعين سنة كما استعبدهم فرعون سنين عديدة هذا في الدنيا أمّا أرواح المشركين منهم فيخدمون الشياطين في عالم البرزخ (أُوْلَـئِكَ) الذين عبدوا البعليم وعشتاروث (شَرٌّ مَّكَاناً) مكانهم اليوم (وَأَضَلُّ) من غيرهم (عن سَوَاء السَّبِيلِ) أي عن الطريق السويّ .
----------------------------------------------
1 وهذه عقائد وهميّة لا صحّة لها .
من هذا نجد ان عملية الخلق الرباني تبدأ من جثة(معلومات وراثية) الى خلق أخر جديد(بمعلومات وراثية تحمل اثار المعلومات القديمة) وهذا يفسر التشابه الوراثي بين اصناف الكائنات الحية.
والله اعلم.
المصادر:
كتاب الكون والقرآن الطبعة الرابعة بغداد 1987
كتاب المتشابه من القرآن الطبعة الأولى بيروت 1965