بسم الله الرحمن الرحيم..
عندما نراجع واقعة اتخاذ بني اسرائيل العجل نجد فيها ظاهرة تختلف عن باقي حالات الكفر اوالشرك الأخرى، لنقرأ معا الأية الكريمة:
(فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ . أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا)
ولنقرأ تفسير الأية كما ورد في كتاب الخلاف بين التوراة و القرآن لمؤلفه محمد علي حسن الحلي:
نجد ان قسما من بني اسرائيل قد ظنوا ان العجل هو الله تعالى ، ففرحوا به وقاموا اليه يعبدوه وعندها قال لهم هارون عليه السلام:فانظرْ أيُّها القارئ فإنّ الله تعالى قال بأنّ السّامريّ صنع لَهم العجل، وهو من السّحرة الذينَ آمَنوا بموسى وكانت مهنته الصياغة ، وقد وجد آثاراً قدِيْمة مسكوكات ذهبيّة مدفونة في الأرض ووجد معها تمثال عجل صغير من الذهب يرجع تاريخها إلى زمن النبيّ صالح ، فجاء إليه الشيطان فوسوس له وقال انظر هذا التمثال فإنّه جميل المنظر هل يمكنك أن تصنع مثله فلو صنعتَ واحداً أكبر منه وتركته في بني إسرائيل لصار تذكاراً لك وتخليداً لاسمك مدى الأعوام ، وسوّلت له نفسه حتّى صمّم على صناعة عجلٍ أكبر من الّذي وجده .ولَمّا كان بنو إسرائيل يعرفون أنّه صائغ قالوا له إصنع لنا تمثالاً من الذهب ، فوجدها فرصة لرغبته فقال لَهم اأْتوني بالذهب الّذي أخذتموه من الأقباط استعارةً ليلة خروجكم من مصر لكي نلقيَه في النّار لتطهّرَه النار فإنّه نجس ، فأتَوه بالحليّ الّتي استعاروها من الأقباط فألقاها في النار في بودقةٍ كبيرة وفي اليوم الثاني أخرج لَهم عجلاً من الذهب وقال هذا إلَهكم جاء إليكم وقد قال لموسى لا تأتِ إلى الجبل وأنا آتي إليك ولكنّ موسى نسِيَ فذهب إلى الجبل .
وهذا معنى قوله تعالى (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ . قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)
"وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَـٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي".
ولكنهم قالوا "قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ" ظنا منهم انهم يحسنون صنعا بالتعبد لهذا العجل الذي يرونه بأعينهم ويلمسوه بأيديهم.
وكان جزاءهم هو ان قام من لم يعبد العجل من قوم موسى بقتل من عبده.
والواضح من الأيات الكريمات و تفسيرها ان بني اسرائيل لم يتخذوا العجل الها مع الله بل ظنوا ان هذا الشيء المادي هو الله تعالى ، وذلك انهم لم يؤمنوا ان الله تعالى ليس كمثله شيء فهو اعلى من ان تدركه عقول البشر او ابصارهم ولا نعلم عنه اكثر من صفاته الحسنى المطلقة التي أخبرنا عنه في كتابه ، بل ارادوا إلها يرونه بأعينهم وتلمسه ايديهم وعندما مروا على اهل قرية وشاهدوا أصنامهم تاقت نفوسهم الى هكذا آلهة . قال تعالى "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ" .
فمن يظن ان الله تعالى يمكن ان تراه او تبصره العين فهو يجهل عظمة الله ، ومن يجهل هذه العظمة يمكن ان يفتتن كما افتتنت بنو اسرائيل فأخطأوا الله رب العالمين. وقال تعالى واصفا حقيقة ثابتة عنه تعالى " لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ "
فأعلم ان الذي يمكن ان تبصره النفس هو ليس الله تعالى والذي يتصف بصفات البشر هو ليس الله تعالى ، وانما صفة الله انه ليس كمثله شيء ، هذه صفة الرب. وله باقي الأسماء والصفات الحسنى المطلقة.
وفي وقنا هذا نسمع المسلمين يؤمنون بأمور عن الله تعالى ويجعلون له صفات مادية وبشرية و البعض منهم يعتقد ان الله تعالى هو على هيئة وجسم البشر ، ويتمادى البعض اكثر من ذلك ليظن انه سوف يرى الله جهرة يوم القيامة ويدعو الله بذلك. قال تعالى :" يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُّبِينًا". فكان هذا السؤال ظلما لأنفسهم ، وما ذلك الا لعظمة الله وتعاليه عن البشر من عباده ، فكيف يظن البعض ان الله سيغير هذه العظمة يوم القيامة ، وهو الصمد الثابت على صفاته وجبروته وعلوه.
قال تعالى :" فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"