روي عن رسول الله انه قال " انما الأعمال بالنيات وان لكل امرىء ما نوى" ، و في الحديث معنى واضح على اهمية النية و ارتباطها بوقوع العمل على ارض الواقع ، فأن نوى رجل ان يتصدق بمبلغ من المال ثم توفاه الله قبل ان يصل الى مكان الصدقة فله عند الله الكريم اجر النية ، والعكس ايضا صحيح فأن وقع عمل بدون نية او كانت النية على خلاف العمل لم يقبل العمل الا على نيته الأصلية.
والى هذه النقطة يقف تأويل الحديث ، والمرحلة الخطرة عندما يأول الحديث ابعد من ذلك بالقول "ان النية الأيجابية من العمل كافية حتى لو عمل الأنسان عملا خاطئا بدافع الجهل ولكن نيته السليمة تكفيه" ، وهذا الكلام هو في اصله من فعل الشيطان ليجعل الأنسان مطمأناً بخطيئته طالما انه لا يقصد السوء تعمدا ، وهذا ما يخالف القرآن الكريم ، قال تعالى :"قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" والمعنى من الأية الكريمة واضح جدا فمن يحسب ويظن انه يحسن صنعا بينما عمله كان سيئاً هو الأخسر حالاً بين الناس . وهذا يدل على ان الحق هو واحد وليس نسبي ، فأذا تقاطعت العقائد فأما ان يكون احدها صائب والباقي خاطيء او تكون جميعها خاطئة لأن الحق وحيد لايقبل القسمة.
فلا يوجد عندنا وعندهم ، ولا ما نريد و ما يريدون ، وانما الحق هو ما يريده الله من عباده . وهنا يكون واجب الأنسان ان يحكم عقله ليجد ما يريده الله ، وليس ان يحكم عقله ليجد الحق كما يراه او كما يحبه ان يكون او كما تحبه الناس.
فأنتبه عزيزي القاريء وتفكر دائما لأن الله تعالى لا يغفر الغفلة ما لم يتبعها انتباه وتوبة ، قال تعالى "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَـٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚأُولَـٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" .
فلا حجة لمن غفل عن استخدام عقله وسمعه وبصره ليجد الحق الذي يريده الله ظناً منه أن نيته سليمة و انه لايقصد السوء او الشرك بالله.
ومن كتاب المتشابه من القرآن (لمفسر القرآن محمد علي حسن الحلي) نقرأ عن اصعب الأمور التي يطمأن اليها أبن ادم ظناً منه ان يحسن عملاً:
– لَمّا نزلت هذه الآية في سورة الزمر : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ...الخ } تلاها النبيّ على المنبر فقام إليه رجل فقال والشرك بالله ؟ فنزلت هذه الآية(إنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) والمعنى إنّ الله لا يغفر للمشركين ذنوبهم ولو كانت من الصغائر ، وذلك لأنّ الإشراك بالله أكبر الكبائر (وَيَغْفِرُ) للموحّدين (مَا دُونَ ذَلِكَ) أي ما دون الإشراك ، والمعنى ويغفر ذنوب الموحّدين وإن كانت من الكبائر ولكن بشروط ، وهي التي ذكرناها في تفسير قوله تعالى [في هذه السورة] {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} ، (لِمَن يَشَاء) يعني لمن يحبّ ، فإنّ الله تعالى يحبّ الموحّدين والصالحين والمترحّمين على الناس ، ولا يحبّ المشركين والمنافقين والكافرين والظالمين الذين يظلمون الناس (وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى) أي كذب بادّعائه أنّ هؤلاء شفعاؤه عند الله وأثم على ذلك (إِثْمًا عَظِيمًا) غير مغفور له .
وهنا أوجّه سؤالاً إليك أيّها القارئ الكريم وهو : هل أنت من الموحّدين فتفوز بالغفران أم أنت من المشركين فتحرم من الجنان ؟
أقول إنّ أكثر الناس اليوم مشركون ولكن لا يعلمون أنّهم على منهج الإشراك بل يحسبون أنّهم مهتدون وعلى طريق الحقّ سائرون ، وقد قال الله تعالى فيهم وفي أمثالهم [ في سورة الكهف ]{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}، والمعنى أنّ هؤلاء يصلّون ويصومون ويتعبّدون وينفقون ولكن يشركون بعبادتِهم غير الله فلذلك خسروا أعمالهم فضلّت أي ضاعت وذهبت أدراج الرياح فلا يجزون عليها وذلك لأنّهم أشركوا بِها المخلوقين مع الخالق .
وإذا سألت أحداً من هؤلاء لماذا تشرك ؟ فيجيبك قائلاً : أنا لم أشرك بربّي أحداً ، فإن قلت له لماذا تعبد الصنم أو البقرة أو غير ذلك ؟ فيقول هؤلاء شفعاؤنا عند الله . وبذلك يعتقد أنه موحّد غير مشرك وإنّما يقدّس هذا المخلوق ويحترمه ليشفع له عند الله ، ولذلك لَمّا يسألون يوم القيامة يقولون : والله ربِّنا ما كنّا مشركين .
ولقد قال لي أحد الخدم في كربلاء أنه سافر إلى الهند فرأى قوماً يعبدون البقر فقال لأحدهم هل تعتقد أنّ هذه البقرة إلاهك فتعبدها ؟ فقال : كلاّ إنّ ربّي الله الذي خلقني ورزقني ، قال : إذاً لماذا تعبد هذه البقرة ؟ قال : أصغِ إليّ لأفهمك ، قلت أنا صاغٍ إلى قولك ، قال إننا بشر وهل في البشر أحد لا يذنب ، قلت كلاّ كلّنا مذنبون ، قال هل لهذه البقرة ذنب ؟ قلت كلاّ إنّها حيوان وليس على الحيوان واجبات دينية ، قال إذاً هذه البقرة أقرب عند الله منّي لأنّها لم تذنب وأنا أذنبت فأنا أجعلها شفيعة عند الله .
فهذه عقائد وجدوا آباءهم سائرين عليها فساروا خلفهم وقالوا : إنًا وجدنا آباءنا على أمّةٍ وإنّا على آثارهم مقتدون .
و التي تليها هي أسئلة و اختبار من نفس الكتاب ليمتحن الأنسان نفسه ويتفكر هل هو من الموحدين ام شاب عمله الشرك.
دائماً ما يغوي الشيطان الأنسان لأرتكاب الخطيئة الكبرى التي هي الشرك ويزينها له حتى يقنعه انه يحسن صنعا و عملا و يتقرب الى الله بعمله ، وعندما يمر الزمن والأنسان قد اشرك في جميع اعماله، ياتي وقت يفكر في عمله، يأتيه الشيطان مرة اخرى ليعظم له كل اعماله السابقة و يصور له ان لو كان عمله السابق شركا فلا سبيل لتغييره و لا لغفرانه. بينما طريق التوبة للأنسان مفتوح طالما بقي يتنفس وطالما انه عرف الحق وعرف التوحيد وندم على ما فعل من شرك فأن الله غفور رحيم. اما الأصرار و عدم استعمال العقل فهو لن يؤذي الا صاحبه.