.....بسم الله الرحمن الرحيم ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً غ– قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْيُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ غ– قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) لآية ( 30) البقرة. # ـ السؤال الأول الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو أنه مالذي يريده الله تعالى من الملائكة ومن وراء إبلاغهم أو إخبارهم أو إعلامهم بقراره وقضائه الغير قابل للتراجع عنه , (هل حاجة أم ضرورة أم واجب ) والذي تجلى هذا في كلمة ( جاعل ) بأنه جاعل في الأرض خليفة , فالله تعالى لم يأتِ هنا على ذكرٍ لآدم أو لأي إنسانٍ حتى , مكتفياً بكلمة ( خليفة ) كلمة نكرة غير معرفة وأخفى عنهم كل مفردات التعريف والتوضيح ولم يجعلها قاطعة التبيان والوضوح ,إنه الإختبار ولكن ماهي المادة التي سيختبر الله بها هذا النوع من خلقه . # ـ فإذا كان إختبارالله للأنسان في أن يؤمن به أو لايؤمن وفي أن يفعل أو لايفعل . فإن إختبارالله للملائكة كان في أن يدركوا الغيب أو لايدركوه , في أن يستشرفوا الغيب أو لا يستشرفوه , في أن يعلموا الغيب أو لايعلموه . # ـ فكان أن طرح الله عليهم قضية (إني جاعل في الأرض خليفة ) فكان طرحها نكرة ولم يطرحها معرفة ولم يقدم ولم يرفقها بأي من مفردات التعريف إلى جانبها لتكون مادة الإختبار التي تختبر الملائكة فيها , في أن تعلم الغيب من عدمه , فكان أن الملائكة لم تنجح في الإختبار عندما تسرعت وأعطت وقطعت بنتيجة مستقبلية تتعلق في علم الغيب الذي اختص الله به وحده حين قال في الآية ـ 65 النمل (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ غڑ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) , بل كان عليها أن تستعلم وتستفسر ولاتتقدم بأي معلومة بأي قضية تتعلق في علم الغيب الذي اختص الله به وحده , فكان وقع كلمة إني جاعل في الأرض خليفة على مسامعهم وعلى لسانهم , ما عبروا عنه بشكل متسرع وأبدوه على لسان حالهم (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ) , الأمر الذي أوقع الملائكة مع ربهم في مطب الإختبار , وليس لم ينجحوا فيه فحسب وإنما أوقعوا أنفسهم في مطب آخر ومن نوع آخر , وهو أن كتموا أمراً ولم يخرجوه إلى العلن . # ـ وكأن الملائكة فهمت فهماً وليس علماً من خلال كلمة ( إني جاعل في الأرض خليفة ) أن هذه الخليفة سيكون( منها من يفسد ومنها من يسفك الدماء ) . # ـ والأمر الذي لم يذكروه ولم يأتوا على ذكره , هو ومنها من يسبح بحمدك ويقدس لك فلماذا ركزت الملائكة الإهتمام بقضية من سيفسد ويسفك الماء , ولم تهتم أو تأتِ على ذكرمن يسبح ويقدس لك , وكتمت هذه القضية , فالذي يعلم أن هناك من سيفسد ويسفك الدماء كان عليه أيضاً أن يعلم أن هناك من سيسبح بحمد ربه ويقدس له , بل حصروا هذه القضية بهم وحدهم دون غيرهم من الكائنات , وكأنه في نفسهم أمراً . # ـ فأكد الله أنها إنما هي عملية فهمية استنتاجية , لا حقيقة يقينية علمية , ولا علماً بالغيب فأجابهم ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) . # ـ فيجب علينا أن نميز هنا مابين ما فهمته الملائكة استنتاجاً وبين ما علمته يقيناً . # ـ فكأنهم فهموا من طبيعة إظهار وإبرازهذا النوع الجديد من المخلوقات إلى عالم الوجود بطريقة الخليفة , وفهم نتائجها من فساد وسفك للدماء في الأرض , بعد ظهورهم على مسرح الوجود وعلى أجمل الكواكب فيه وهو كوكب الأرض حامل عبق الحياة , لما سيرونه من جلال وجمال للحياة عليه والتمسك والتعلق بالحياة على ظهر هذه الأرض , وما سيفضي إلى التقاتل والإقتتال من أجل الإستئثار في هذا الملك , وخاصة أن الملائكة لم يظهرها الله تعالى إلى عالم الوجود والتواجد بطريقة الخليفة بالإيفاد والتوافد ذرية بعضها من بعض إنما أظهرها خليقة كن فيكون . # ـ ولكن مشييئة الله اقتضت أن يخرجهم من باطن الأرض ( فيها ) إلى ظاهرها ( عليها ) بطريقة دورية أي وفوداً خارجة من الأرض إلى ظاهر الأرض إحياءً فهم يخلفون بعضهم مجيئاً إلى ظاهر الأرض في الحياة , ووفوداِ عائدة من ظاهرالأرض إلى باطنها موتاً فهم يخلفون بعضهم عودة إلى باطن الأرض أمواتاً , فلذلك قال الله تعالى فيهم للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة . # ـ فهم خليقة الله من حيث الإيجاد والخلق . وخليفة بعضهم لبعض من حيث الوفود والتوافد في الوجود والتواجد على الأرض وفي الأرض . # ـ فكل الذرية ممن سبقونا بالموت سنخلفهم موتاً , وكل الذين هم أمواتاً في الأرض ولم يأتِ ميقات وفادتهم على الأرض سيخلفوننا حياةً . # ـ ولكن هل تصح عليهم كلمة خليفة في حال أتى الله تعالى بهذه الذرية الإنسانية كلها إلى الأرض دفعة واحدة وأخرجهم منها دفعة واحدة ,بالتأكيد لا يصح عليهم الوصف بأنهم( خليفة )ولكن يصح عليه وصف ( خليقة ) . # ـ ففي هذا المقام وبعد أن أنهى الله تعالى مرحلة الخلق الأولى وإعداد ذرية آدم من حيث العدد كماً والمعدود صفاتاً ونوعاً , جاءت المرحلة الثانية التي أعقبت مرحلة الخلق وهي مرحلة الجعل , ليجعل الله هذه الذرية ويضعها في مستودعاتها في الأرض هي وأرزاقها بعد أن قدر الله أقواتهم في الأرض في أربعة أيام ,(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِأَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِين الآية(10)فصلت. # ـ ولما كانت عملية تقدير الأقوات هي من مهام المسؤولية الربوبية في المدد والإمداد وليست من مهام الألوهية المختصة في التوجيه والإرشاد وإيجاد المنهج , قال الله تعالى وإذ قال ربك للملائكة ولم يقل وإذ قال الله للملائكة . # ـ في هذه الساعة عندما أبلغ وأعلم وأخبر الله فيها ملائكته بما أراد فعله , وما فهمته من مراد الله أين كانت السلالة الأنسانية ..؟ , إنها في باطن الأرض ,لذالك قال الله تعالى إني جاعل في الأرض ولم يقل إني جاعل على الأرض , وهم في هذه الساعة وهذه الحالة كلهم أموات في عالم الذر فكل ذرات أجسادهم هي في الأرض ولكن مادة خام لم يتم خلقها وتصنيعها وتجميعها بعد , لذلك قال الله في هذه الحالة في ( 22 ) البقرة : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ غ– ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجعون # ـ فهم خليفة لبعضهم البعض على مدار الساعة مجيئاً وعودة . فكانت المرحلة الثالثة من الله تعالى أن علم آدم الأسماء كلها ,( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَظ°ؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) ـ 31 البقرة , ومن ثم بعد ذلك عرض الله هذه الأسماء ذاتها على الملائكة فقال لهم أنبؤوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ( قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا غ– إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) , ـ 32 ، البقرة . وكأن الله يقول لهم إذا كنتم قد أعطيتم نتيجة مسبقة تتعلق بعلم الغيب الذي هو من اختصاصي وحدي , لابد وأن تكونوا قادرين على معرفة وعلم بالذي أعددتة ما بيني وبين ذاتي وما جرى بيني وبين هذا المخلوق الجديد من تعليمي له الأسماء كلها , فلا بد وأن تكونوا مطلعين على هذا الأمر إن كنتم صادقين في علمكم للغيب. # ـ فكانت المرحلة الرابعة أن أخرج الله آدم إلى الملائكة (قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ غ– فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُون) ـ33 البقرة ـ . # ـ فالأمر الذي أبدته الملائكة أن تكلموا في علم الغيب في قضية ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) ولكن ما هو الأمر الذي كتمته الملائكة والذي لم تبده وكان من المفترض أن تبديه كما أبدت الأمر الأول . # ـ هو أنه أيضاً ( وفيها أيضاً من يسبح بحمدك ويقدس لك ) هذا الأمر أرادت الملائكة ألا تبديه أمام الله تعالى فأرادت أن يكون خالصاً لهم من دون غيرهم من المخلوقات , وكأن الملائكة تقول بينها وبين نفسها إذا كنا نحن نسبح بحمد ربنا ونقدس له ولم يكن هناك من المؤثرات الشهوانية ما تعيقنا وتحد من تسبيح ربنا وقد أخذنا عند ربنا وتبوئنا عنده مكانا علياً , فكيف بهذ المخلوق والكائن الجديد من منهم من يؤثر تسبيح وتقديس ربنا على شهواته وملذاته فسوف يتبوأ عند الله مكانة عظيمة فنكون نحن بمكانتنا العظيمة خدماً له في جنان ربنا .