ضيف جديد
رقم العضوية : 463
تاريخ التسجيل : Nov 2011
المشاركات : 5
التقييم: 10
العمل : إداريـــــــــــــــة
عظمة التناظر في القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
عظمة التناظر في القرآن الكريم
نحن نعلم أن واحدات الوصف والتسمية هي الكلمات، ونعلم أيضا أن واحدات الكلام الأولي التي تتكون منها هذه الكلمات هي الحروف.
إن الكلمة هي صورة لشيء ما داخل ذاكرة الإنسان، ولا يوجد للكلمة معنى إذا لم ترسم في ذاكرة المستمع صورة لشيء ما.
وأول ما تعلمه آدم عليه السلام هو أسماء الأشياء:
(وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة) (2 - 31)
لأنه إذا لم تكن للكلمة التي يسمعها صورة في ذاكرته، فإنه لا يستطيع أن يفهم ما يقال، وبالتالي لا يستطيع أن يملك متطلبات الخلافة التي خلق من أجلها.
إن الكلمات هي ألفاظ ترسم في خيال المستمع صورا لظواهر حسية ومعنوية، في مساحة ما يستطيع العقل تصوره وتخيله، وبشكل يرسم حدود العلاقة ما بين المكان والزمان الذي يحيط بهذه الظواهر. وتكون هذه الكلمات بعيدة أو قريبة من حقيقة الشيء الذي تريد وصفه وتصويره؛ بمقدار ما يكون القائل عالما بهذا الشيء، وبمقدار ما يملك من قدرة التعبير عن هذا الواقع.
فالذي يربط الكلمة بما تعنيه، هو رابط يتعلق بالقائل وبصفاته التي يتصف بها، وبعلمه حول الشيء الذي تصفه وتسميه هذه الكلمة. والذي يربط الكلمة بما تصوره في خيال المستمع، هو رابط يتعلق بما تحويه ذاكرة هذا المستمع، من صور للشيء الذي تصفه وتسميه هذه الكلمة.
إن الكلمة القرآنية التي تصف وتسمي مسألة ما، ترسم - وبشكل مطلق يتناسب وعظمة القائل سبحانه وتعالى - حقيقة هذه المسألة، وبحيث تنقل صورة هذه المسألة لجميع الأجيال بشكل مجرد عن الزمن. وبما أن هذه التسمية وهذا الوصف يكون مطلقا - في القرآن الكريم - ومصورا تماما لحقيقة المسألة التي تصفها وتسميها هذه الكلمة، وبشكل مجرد من الزمن يعطي لكل جيل صورة لهذه المسألة تناسب علمه وحضارته، لذلك يطلق على هذه الكلمة واحدة وصف وتسمية.
وفي القرآن الكريم لا توجد كلمة مرادفة لكلمة أخرى بالمعنى الذي يتصوره البشر، ربما توجد كلمة - أو أكثر - تصف وتسمي مسألة قريبة - حسب تصور البشر - من المسألة التي تصفها وتسميها هذه الكلمة، ولكن لكل كلمة من الكلمات القرآنية خاصتها، لأنها تصف وتسمي مسألة لها خاصيتها التي تميزها عن غيرها من المسائل.
وفي القرآن الكريم لا يمكن استبدال كلمة بكلمة من مرادفاتها - هذه المرادفات التي يتصورها جيل معين حسب ما يملك من علم وحضارة حول المسألة التي تصفها وتسميها هذه الكلمة -، لأنه لا يمكن للمخلوقات أن تحيط بجميع معاني وصور وحقائق المسائل التي تحمله هذه الكلمة.
والأعظم من ذلك، أن الكلمة القرآنية نفسها، تعطي في كل عبارة قرآنية تأتي بها صورة لها خاصيتها التي تميزها.
والأعظم من ذلك، أن هذه الكلمة ترسم في العبارة القرآنية الواحدة، أكثر من صورة, وتحمل أكثر من معنى، لأنها تخاطب أجيالاً عديدة لكل منها مفهومه الحضاري، وإرثه العلمي الخاص به. بل وتخاطب في الجيل نفسه جميع الناس على اختلاف مفاهيمهم وعلومهم. ومن تخيل أن الكلمة القرآنية والعبارة القرآنية، لا تحمل إلا صورة معنى واحد، وأن هذه الكلمة لا تصف ولا تصور إلا هذا المعنى، إنما تخيل ذلك لأنه لا يدرك عظمة القرآن الكريم، التي تتناسب مع عظمة قائله سبحانه وتعالى، ولا يدرك أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى لجميع الأجيال، وأنه صفة من صفاته، وبالتالي لا يحده زمان ولا مكان.
لننظر في الآية الكريمة التالية:
(إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) (17 - 7) .
إن من يتصور أن كلمة الآخرة في هذه الآية الكريمة, تحمل معنى محددا هو الإفسادة الثانية، يتخيل أن كلمة ثانيهما من الممكن أن تنوب عن كلمة الآخرة، ولا فارق عنده في ذلك، لأنه يتخيلها بهذا المعنى المحدد. وخصوصاً أنه في الآيات الكريمة التي تسبق هذه الآية، والتي تصور الإفسادة الأولى، جاءت كلمة أولاهما لتصف لنا الإفسادة الأولى المناظرة تماما لهذه الإفسادة.
ومن تصور أن كلمة الآخرة في هذه الآية الكريمة، تحمل معنى محددا، وصورة محددة، هي أنها آخر إفسادة لبني إسرائيل في الأرض، يتخيل أن كلمة النهاية أو الأخيرة، تنوب عن كلمة الآخرة في هذه العبارة القرآنية، ولا فارق عنده في ذلك.
ومن تصور أن كلمة الآخرة في هذه الآية الكريمة، تعني اقتراب الساعة، يتخيل أن كلمة الساعة تنوب مكان كلمة الآخرة في هذه العبارة القرآنية، ولا فارق عنده في ذلك.
والواقع أنه لا توجد كلمة تنوب عن كلمة الآخرة في هذه الآية الكريمة، لأنها تحمل - ضمن هذه العبارة القرآنية - معاني وصوراً لا يعلم حدودها إلا الله تعالى، ومنها الصور الثلاث التي رأيناها.
ولا يمكن استبدال هذه الكلمة بكلمة أخرى، لأن عدد حروف هذه الكلمة - الآخرة - يدخل في معادلات التصوير المطلق المتعلقة بمجموع حروف العبارات القرآنية ( وسترى معادلة من معادلات هذه العبارة في رابط آخر بهذا الموقع).
ولا يمكن استبدال هذه الكلمة بكلمة أخرى، لأن مجموع هذه الكلمة عبر القرآن الكريم معدود بحكمة ووفق معادلة توازن مطلق.
وهكذا نرى أن الكلمة في القرآن الكريم، تحمل الكثير من المعاني والصور، وأنه يستحيل استبدال كلمة بأخرى، وأن للكلمة في كل عبارة قرآنية، خصوصيتها المستقلة التي تصور معاني هذه العبارة.
وفوق ذلك، إن مجموع ورود هذه الكلمة - بخصوصية الرسم القرآني الذي جاءت به - عبر القرآن الكريم، هو معجزة، ومحسوب بدقة، وبحيث يصور هذا المجموع جوهر وحقيقة الشيء الذي تسميه وتصفه هذه الكلمة, تصويراً مطلقاً، مطابقا تماما لحقيقة وجوده في هذا الكون.
فــسـبـحانك ربـــي تـــباركت و تــــعاليــت, لاإلاه إلا أنت ســـبحــانــــك إنــي كــــنـت مــن الــظــالــمــــين