الشرك بين الماضي والحاضر
إذا ما تتبعنا الجذور الأولى لظاهرة الشرك والميل عن فطرة الله التي فطر الناس عليها فسنجد أن تقديس الشخوص ومن ثم قبورهم
وأضرحتهم مثَّل خطوة أولى على طريق الانحراف نحو الشرك وعلى هذا فأنه لا يوجد انحراف في الفكر والدين إلا وهو يرجع إذا دققت النظر فيه إلى افتتان برمز حي أو ميت من زمن ودّ وسواع ويغوث ويعوق، ومرورا بافتتان اليهود بعزير والنصارى بالمسيح إلى ما لا يطاله حصر من الأمثلة
فالبشرية كانت في أول أمرها مؤمنة بربها، موحدة له، ثم طرأ الشرك عليها، فأرسل الله الرسل يعيدونهم إلى الفطرة، ويردونهم إلى جادة الصواب، ويذودونهم عن حياض الشرك.
أن تقديس الشخوص ومن ثم قبورهم وأضرحتهم مثَّل خطوة أولى على طريق الانحراف نحو الشرك فقد كان قوم نوح منهم القبوريون المنصرفون بقلوبهم إلى الموتى من صلحائهم فكان نوح رسول من الله لمقاومة الشرك وإقامة الحجة على المشركين
ثم تطور الشرك عند قوم ابراهيم فبعد أن كان بسيطا مستمدّاً من حسن الظن ببعض العباد والمبالغة في تعظيمهم أصبح مستمدّاً من الخيال والفلسفة
فإذا كان شرك قوم نوح يرجع إلى مظاهر الصلاح في الناس فإن شرك قوم إبراهيم ناشئ عن أسرار الطبيعة وخفايا الكون.
أمّا شرك الحاضر فيكاد ان يكون ممزوجا بين النظريتين وهو الاعظم
ولعل مرجع ذلك في الأساس إلى أن العقل البشري مولع بتجسيد الأفكار في الرموز من ناحية
ومن ناحية أخرى يستمتع بمنافسة كل جيل سبقه في إضفاء رونق القداسة على رموزه، وإحاطتهم بهالة من التقديس
إما باتباع منهج مما سبق أو بالمزج بين نظريتين أو أكثر
وهكذا يظل الإنسان يتذبذب في هذا التيه عن كل ما هو بعيد عن منهج الله تعالى فتارة يستعظم كل ماحوله من حجر وشجر وأجرام سماوية
وتارة اخرى يأله شخصا من بني جنسه يعتقد بألوهيته عليه وأنه يتحكم فيه ويملك القدرة على اسعاده او شقاءه
فبعد هذا الكلام عن ماهية الشرك واسبابه وتطوره
لا بد ان اذكر ما هو مضاده الا وهو التوحيد
فالتوحيد أساس الدين فغيره يبنى عليه ولا يبنى هو على غيره ومن مات على التوحيد فقد مات على الدين يكون له من الفضل وما يؤهله لدخول الجنة والفوز برضوان الله، ومعنى التوحيد لا يقتصر على قول كلمته دون العلم بمعناها والعمل بمقتضاها فالدين عقيدة وشريعة ولا تتم النجاة في الآخرة إلا بالإتيان بهما معا.
اللهم نسألك الثبات