بسم الله الرحمن الرحيم ..
إن امر تقديم العقل على النقل والعكس امر شائك وله تشعبات كثيرة جداً والجدل فيه لن ينتهي أذا ضنّ كل طرف إن العقل يتقدم مطلقاً او النقل يتقدم مطلقاً .. لان العقل والنقل امرين متسقان ايما اتساق ويسريان على التوازي. فلكل امر منهما موقفة ومنزلته .. لكن سنتكلم عن الدين بشكل خاص .. بهذه الحالة يكون تقديم العقل على النقل تقديم ترتيب لا مفاضلة . لأن الايمان مرتبط ارتباطاً كليا بالعقل , بمعنى اخر كيف أؤمن بدين دون أن احتكم الى العقل!! ومما يجدر بنا ذكره هنا ما قاله الالباني رحمه الله: طالب الحق يكفيه دليل ، و صاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل . فالايمان يا اخوة مقترن بالعقل ومن ذلك قوله تعالى .( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) مثلاً كيف ساعرف إن القران الكريم من الله او من غيره اذا ما تدبرت وفكرت بعقلي ... مثال : اعطاني القران الكريم تحدي وهو (((أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .))) تبدأ الاية بالتسأؤل والانكار على من لا يُعمل عقله بقوله ( أفلا يتدبرون القران ) ؟؟ وهذا دليل واضح على إن البشر يجب أن يحكموا عقولهم في النقل بل وإنهم يستطيعون الحكم عليه والتمييز بين ما اذا كان في هذا النقل خلل ام لا.. وبما انهم لم يجدوا فيه خلل فسيعلمون إنه من الله مع هذه الادلة الاعجازية والدقة المتناهية التي تدخل العقول بدون ان تطرق بيبانه .. فإثبات انه من عند الله سبحانه وتعالى بعد البحث نتيجة لا مقدمة ’ وإثبات خلو القران من الخلل مبني على إعمال العقل .
ومن الادلة على تقديم العقل في الايمان هو .. رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ.. إن وجه الشبه بين المجنون والصبي الذي لا يدرك والنائم هو عدم وجود العقل أي عدم أكتمال النمو العقلي فلذلك من عدل الله سبحانه وتعالى إنه لا يحاسب شخص غير مكتمل عقلياً ....
بعد هذه المرحلة الاولى يأتي دور النقل اي بعدما أيقنت إن هذا الكتاب او الرسول هو من عند الله تبارك وتعالى يأتي دور النقل ومن هذا قوله تعالى ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ( 36 ) )
وواضح جداً إن الخطاب في الاية الكريمة موجهة للمؤمنين إذ بدأ بقوله تعالى ( ما كان لمؤمن ولا مؤمنة ) فخذ مثلاً معركة بدر كان تعداد المسلمين أنذاك ما يزيد على ثلاث مئة رجل بالمقابل جيش الكفار كان ما يربو على ألف رجل !! عقلياً يجب ان يهرب المسلمين بأقصى سرعة لأنهم مهزومين لا محالة .. لكن يعد الامر من الله سبحانه وتعالى ورسوله عليه السلام ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ( 5 ) يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ( 6 ) وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ( 7 ) ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ( 8 ) )) وجبت الطاعة. ولم يكن للعقل مكانْ. فبعد الايمان بأن هذا الكتاب حق وإن هذا الرسول حق من الله وجبت الطاعة بالنقل .. وهذا لا ينطبق على الاحاديث الموجودة الآن في الكتب بأي حال من الاحوال لأننا لو طبقنا عليها الاية الاولى ( لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا ) لنكرناها بمجرد البحث في كتاب واحد . إنما تنطبق على من عاصر الرسول عليه السلام واما ما نُقل عنه من أحاديث ما كان منها متواتراً موافقاً لكلام الله القران الكريم ( الذي ثبت لدينا بالدليل العقلي إنه حق ) فبالضرورة ان يكون هو ايضاً حق لأن الحق واحد.
الخلاصة: من وجوب الايمان هو العقل أولاً , ومن وجوب الطاعة بعد الايمان هو النقل ’ والنقل لا يُفهم بدون عقل’ والعقل لا يَفهم بدون نقل .
هذا والله سبحانه وتعالى أعلم ولا علم لنا الا ما علمنا . وما كتبته مجرد رأي شخصي لا افرضه على أحد ولا أدعي انه غير قابل للنقاش .
ابو عبد الله العراقي.