تفسير سورة التوبة

32 – (يُرِيدُونَ) يعني اليهود والنصارى والمشركون من قريش (أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) اي بأقوالهم الكاذبة وبصدّ الناس عن دين الإسلام ، ويريد بالنور القرآن (وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ) على المسلمين بواسطة محمّد (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) .

33 – (هُوَ) الله (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) محمّداً (بِالْهُدَى)  أي بالقرآن الذي هو هداية إلى الطريق المستقيم (وَدِينِ الْحَقِّ) الذي لا يخالطه باطل كما خالط دين اليهودية والنصرانية حيث جاءهم ملوك بدّلوا دينهم وغيّروا نهجهم فعبدوا البعليم وعشتاروث وغيرها ، وكذلك النصرانية عبدوا المسيح والصليب فخلطوا الحقّ بالباطل .

   ثمّ أخبر سبحانه بأنّ الحقّ سيعلو ودين الإسلام يسود الأديان في المستقبل فقال (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) يعني ليظهر الله دين الإسلام في المستقبل على سائر الأديان ويُعلي شأنه فوق الجميع ، وذلك وقت ظهور المهدي (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) دين الإسلام .

   جاء في مجمع البيان للطبرسي في الجزء الخامس صفحة 25 قال : "إنّ ذلك يكون عند نزول المسيح عيسى بن مريم لا يبقى أهل دين إلاّ أسلم أو أدّى الجزية ، عن الضحّاك ، وقال أبو جعفر (ع) إنّ ذلك يكون عند خروج المهدي فلا يبقى أحد إلاّ أقرّ بمحمّد وهو قول السدي ، وقال الكلبي لا يبقى دين إلاّ ظهر عليه الإسلام وسيكون ذلك ولم يكن بعد ولا تقوم الساعة حتّى يكون ذلك ، وقال المقداد بن الأسود سمعت رسول الله يقول لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلاّ أدخله الله كلمة الإسلام إمّا بعزّ عزيز وإمّا بذلّ ذليل ."
-----------------------------------------

1 قال المصطفى لن يبقى دينان في أرض العرب –                                      المراجع

  

41 – (انْفِرُواْ) إلى الحرب وقتال المشركين ، ومعنى إنفروا : هيجوا أو ثوروا وقوموا ، يقال نفرت الدجاجة ، أي قامت من مكانها ، وقوله (خِفَافًا وَثِقَالاً) أي خفافاً عن الحديد أو مثقلين بالحديد ، وهو ما كان يستعمل للحرب كالدروع والخوذ والتروس وغير ذلك ، والمعنى لا يمنعكم قلّة السلاح عن الخروج للقتال فإنّ الله ينصركم على أعدائكم ولو قاتلتم بالحجارة دون السلاح (وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ) الجهاد (خَيْرٌ لَّكُمْ) عند الله من القعود عن الجهاد (إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ما لكم من الأجر عند الله في الآخرة .

42 –  ثمّ أخبر الله تعالى عن سبب تثاقلهم وقعودهم عن الجهاد فقال (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا) يريد بالعرض المال ، والمعنى لو كان ما دعوتهم إليه غنيمة قريبة تنالها أيديهم (وَسَفَرًا قَاصِدًا) أي ذا قصد فيه مطامع وأرباح مادّية (لاَّتَّبَعُوكَ) فيما دعوتهم إليه طمعاً في المال (وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) أي المسافة ، وهي غزوة تبوك أُمِروا فيها بالخروج إلى الشام (وَسَيَحْلِفُونَ) لكم (بِاللّهِ) قائلين (لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ) إلى القتال . ثمّ أخبر الله تعالى عنهم بأنّهم كاذبون في يمينهم (يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ) في جهنّم بسبب اليمين الكاذبة والعذر الباطل وما اعتادوه من النفاق (وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) في عذرهم .

   قال بعض المفسّرين أنّ آية (انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً) منسوخة بآية {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى} يعني ليس عليهم حرج في التأخير عن القتال .

   أقول لا تناسخ بالأحكام في الآيتين وإنّما أراد بالأولى جميع من يستطيع القتال ، وخصّ بالثانية الضعفاء والمرضى ، فقد اباح لهم القعود عن القتال .

46 – (وَلَوْ أَرَادُواْ) أي المنافقون (الْخُرُوجَ)  مع النبيّ للقتال (لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً)  أي لهيّأوا له أسباب الحرب ولكنّهم لم يتهيّئوا لذلك (وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ) مع المؤمنين إلى القتال لِما علم في قلوبهم من نفاق وخيانة (فَثَبَّطَهُمْ) أي وقّفهم عن الخروج ، والمعنى جعل في نفوسهم الكسل فتوقّفوا عن الخروج (وَقِيلَ) لهم (اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ) في بيوتكم ، أي اقعدوا مع الصبيان والنساء .

47 – (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً) أي إلاّ شرّاً وفساداً (ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ) أي لنشروا وبثّوا بينكم أخباراً كاذبة ، يقال هذا حديث موضوع ، أي كاذب لا صحّة له (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) أي يريدون أن يفتنوكم ويلقوا بينكم العداوة بتلك الأحاديث الموضوعة (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) أي وفيكم من يصغي لقولهم ويظنّ أنّهم صادقون في قولهم وذلك لجهله بهم وبما يضمرون في قلوبهم (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) فلا تخفى عليه أعمالهم ولا أسرارهم .   

آراء المفسّرين

   قال المفسّرون في كلمة {ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ} أنّ معناها أسرعوا فيكم قال النسفي معناها " ولسعوا بينكم بالتضريب والنمائم وإفساد ذات البين. يقال: وضع البعير وضعاً إذا أسرع. وأوضعته أنا. والمعنى ولأوضعوا ركائبهم بينكم، والمراد الإسراع بالنمائم لأن الراكب أسرع من الماشي."

وجاء في تفسير الجلالين أنّ معناها :" أسرعوا بينكم بالمشي بالنميمة" .

وقال الطبرسي معناها : " لأسرعوا في الدخول بينكم بالتضريب والإفساد والنميمة يريد ولَسَعوا فيما بينكم بالتفريق بين المسلمين ويكون تقديره ولأعدوا الإبل وسطكم. وقيل: معناه لا وضعوا إبلهم خلالكم يتخلل الراكب الرجلين حتى يدخل بينهما فيقول ما لا ينبغي."

   فانظر ايّها القارئ الكريم وتأمّل في هذه العبارات واحكم أيّها هو الصحيح .

48 – (لَقَدِ ابْتَغَوُاْ) لأصحابك (الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ) أي من قبل غزوة تبوك ، والفتنة هي إغواء الناس بالأكاذيب والأضاليل وصدّهم عن الإيمان وعن الجهاد وإلقاء الشبهة في قلوب ضعفاء المسلمين (وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ) أي أجالوا الفكر في كيدك وإبطال دينك (حَتَّى جَاء الْحَقُّ) أي حتّى جاءك النصر الذي وعدك الله به ، فالحقّ هو وعد الله بالنصر لرسوله (وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ) أي وغلب دينه وعلت كلمته (وَهُمْ كَارِهُونَ) نصرنا إيّاك ، والمعنى كان ذلك على رغمٍ منهم .

60 – (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ) الفقير هو العامل ولكنّه محتاج لأنّ أجرة عمله لا تكفيه أو لا يجد عملاً يكسب به قوته ، والمسكين  هو المحتاج ولا عمل له أو لا يتمكّن على عمل ليحصل على قوته وقوت عياله (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) وهم سعاة الزكاة أي جباتها (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) وهؤلاء قوم من الأشراف في زمن النبيّ وكان يعطيهم سهماً من الزكاة ليتألّفهم به على الإسلام ويستعين بهم على قتال العدوّ (وَفِي الرِّقَابِ) يعني وفي فكّ الرقاب من الأسْر (وَالْغَارِمِينَ) أي المديونين في غير معصية ولا إسراف يقضى عنهم دَينهم (وَفِي سَبِيلِ اللّهِ)  وهو الجهاد (وَابْنِ السَّبِيلِ) أي المسافر المنقطع (فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ) فرضها لهم (وَاللّهُ عَلِيمٌ) بحوائج خلقه (حَكِيمٌ) فيما فرض عليهم وأوجب لهم .

82 – (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) الضحك كناية عن الفرح ، والبكاء كناية عن الحزن ، واللام من قوله (فَلْيَضْحَكُواْ) لام العاقبة ، والمعنى سنجعل حياتهم في الدنيا قليلة الأفراح وكثيرة الأحزان وبذلك يقلّ ضحكهم ويكثر بكاؤهم وذلك جزاءً بما كانوا يكسبون من الآثام .

 90 أخبر الله تعالى عن المتخلّفين عن القتال بأنّهم كانوا صنفين صنف ضعفاء ومرضى وشيوخ لا يستطيعون القتال جاؤوا إلى النبيّ يعتذرون فأذن لهم في القعود ، وصنف منافقون كاذبون على الله ورسوله بادّعائهم الإيمان قعدوا عن الجهاد دون أن يستأذنوا فقال تعالى (وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ)أي المعتذرون ، فأسقطت التاء للإدغام (لِيُؤْذَنَ لَهُمْ) في القعود فأذِن لهم النبيّ في ذلك (وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ) أي قعدوا عن الخروج للقتال لأنّهم منافقون غير مؤمنين (سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ) أي المتخلّفين (عَذَابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة .

 99 – (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ) في سبيل الله (قُرُبَاتٍ) تقرّبه (عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ) وأصلها صِلات بلا واو ولكن الكتابة التركية يضعون لها واواً زائدةً كما يكتبون زكواة  يعني زكاة ، وربوا يعني ربا , والصِلات بكسر الصاد معناها الهدايا والعطايا التي يقدّمونها للنبيّ يتّخذونها قربة لهم أيضاً ، والصِلات جمع ومفردها صِلة ، والواو حرف عطف والتقدير يتّخذ ما ينفق قربات عند الله ويتّخذ ما يصل به الرسول من الهدايا قربات أيضاً . ثمّ أيّد الله تعالى حسن نيّاتهم فقال (أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ) كما يعتقدون (سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ) يوم القيامة ، أي في الجنّة (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ) يغفر لهم ما سبق من ذنوبهم (رَّحِيمٌ) بهم .

103 – مات أحد الصحابة فأوصى النبيّ بأن يؤخذ ثلث ماله وينفقه على الفقراء كي يغفر الله له ، فقال النبيّ في نفسه لا أنفق من ماله شيئاً بل أتركه لابنته ، فنزلت (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) يعني تطهّرهم بالماء وهو غسل الميّت وتزكّيهم بِها من الذنوب (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) صلاة الميّت (إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ) أي سكون وطمأنينة لأهل الميّت ، فإنّ الله تعالى أمره أن يصلّي على موتى المؤمنين ولا يصلّي على موتى المنافقين وذلك قوله تعالى [في هذه السورة] {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} . وليس الصلاة هي الدعاء كما ذهب إليه المفسّرون فلو أراد الدعاء لقال تعالى : وصلّ لهم ولم يقل (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) ، (وَاللّهُ سَمِيعٌ) لصلاتك (عَلِيمٌ) بنفقاتك .

 

تمّ بعون الله تفسير سورة التوبة في 25 رمضان سنة 1383 هجرية

المصادف 8 شباط سنة 1964 ميلادية ، ويليها تفسير سورة يونس

 

الصفحة الرئيسية

الصفحة الأولى

سورة الفاتحة

سورة البقرة 1

سورة البقرة 2

سورة آل عمران

سورة النساء

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة يونس

سورة هود

 

    Man after Death   An Hour with Ghosts   The Universe and the Quran   The Conflict between the Torah and the Quran   الخلاف بين التوراة و القرآن     الكون والقرآن   المتشابه من القرآن   ساعة قضيتها مع الأرواح