تفسير سورة الأنفال

بسم الله الرحمن الرحيم

18 – (ذَلِكُمْ) النصر لكم من الله (وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ) أي مشتّت (كَيْدِ الْكَافِرِينَ) .

19 – (إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ) الفتح معناه النصر ، والمعنى إن تسألوا النصر من الله فقد جاءكم النصر بالملائكة إذ نصرناكم على المشركين (وَإِن تَنتَهُواْ) عن معصية النبيّ في المستقبل وتمتثلوا أوامره وتلازموا أماكنكم (فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) من العمل بهوى أنفسكم لأنّ العاقبة تكون الهزيمة كما في يوم أحد (وَإِن تَعُودُواْ) لمثلها فتتركوا أماكنكم وتذهبوا وراء النهب والسلب (نَعُدْ) لخذلانكم ونخلّي بينكم وبين أعدائكم (وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ) حينئذٍ (فِئَتُكُمْ) أي جماعتكم (شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ) لأنّ اختلاف الآراء والعمل بِها يسبّب الفشل (وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصرة ، يعني أنّ الله مع الذين يؤمنون بأنّ الله سينصرهم ويثبتون لقتال أعدائهم .

39 – (وَقَاتِلُوهُمْ) أي وقاتلوا المشركين إن أصرّوا على قتالكم (حَتَّى) معناها كي (لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ) منهم في الناس ، يعني كي لا يفتنوا الناس بإغوائهم وبصدّهم عن دين الإسلام (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه) في المستقبل بأن ينصر المسلمين فيزداد عددهم ويهلك المشركين فتخلو الأرض منهم (فَإِنِ انتَهَوْاْ) عن قتالكم وعن إشراكهم (فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيجازيهم على أعمالهم .

40 – (وَإِن تَوَلَّوْاْ) عن الإسلام ولم ينقادوا له وأصرّوا على قتالكم (فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ) أي متولّي أموركم (نِعْمَ الْمَوْلَى) لكم أيّها المسلمون (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) .

41 – (وَاعْلَمُواْ) أيّها المسلمون (أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ) من أموال المشركين في الحرب . ويدخل في هذه الآية كلّ غنيمة من الأموال إذا كان كثيراً ومقداره من خمسين ديناراً فما أكثر من ذلك ، ويشمل كلّ ربح ليس فيه تعب ، مثلاً إذا اشتريت سلعة بمائتي دينار ثمّ بعتها بعد أيام بمائتين وخمسين ديناراً فقد ربحت فيها خمسين ديناراً فيجب عليك أن تخرج من هذه الخمسين عشرة دنانير وتنفقها ، أو وجدت آثاراً وبعتها بمائة دينار فيجب أن تخرج منها عشرين ديناراً ، أو وجدت منجماً لأحد المعادن وأخذت امتيازاً من الحكومة باستخراج المعدن منه أو استأجرته ثم استخرجت المعادن من المنجم وربحت بذلك أرباحاً كثيرة فيجب عليك أن تخرج خمس الأرباح وتنفقها ، أو كان لك معمل لبعض المصنوعات وربحت فيه أرباحاً كثيرة فيجب عليك أن تخرج خمس تلك الأرباح وتنفقها ، أو كانت لك أملاك كثيرة وتربح من إيجارها كثيراً فلك أن تخرج من النقود ما يكفيك معاش ثلاثة أشهر وما زاد من النقود تخرج خمسها وتنفقها ، وهكذا كلّ مال تحصل عليه بلا تعب ولا مشقّة فعليك تأدية خمسه .

   ثمّ بيّن سبحانه لِمن يقسم هذا الخمس فقال (فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) يعني إذا كان الخمس الذي استخرجته من مالك ستّة دنانير فتقسمها ستّ حصص فحصّة منها لله ، فتنفق على الجوامع والمستشفيات الخيرية (وَلِلرَّسُولِ) وحصّة الرسول تنفق على الأئمّة والخطباء والوعّاظ الذين في الجوامع وعلى المدارس الدينية ومدرّسيهم (وَلِذِي الْقُرْبَى) يعني الفقراء من أقربائك تنفق عليهم حصّة من الخمس (وَالْيَتَامَى) يعني كلّ يتيم تعرفه مستحقّ لتلك الحصّة سواء كان من أقربائك أو من جيرانك أو غيرهم إن لم يوجد في جيرانك يتيم (وَالْمَسَاكِينِ) أي الفقراء المحتاجين الذين تعرفهم (وَابْنِ السَّبِيلِ) أي المسافر المنقطع ويدخل في ذلك الضيف لأنّه مسافر عن أهله ، فهذه ستّ حصص . ولا يصحّ أن تعطي الخمس كلّه لواحد من هؤلاء بل يجب أن توزّعه على الستّة الذين ذكرهم الله ولا يصحّ أيضاً أن تعطيها بيد رجل ليوزّعها هو فربّما يأخذها لنفسه ولا يوزّعها على الفقراء إلاّ إذا تأكّدت من أمانته ، وقوله (إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ) يعني إن كنتم مؤمنين بالله فيجب عليكم أداء الخمس من كلّ غنيمة تحصلون عليها (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) محمّد من الآيات والظفر يوم بدر (يَوْمَ الْفُرْقَانِ) يعني يوم أنزل فيه الفرقان ، وهي الآيات المتفرّقة (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ) للقتال ، جمع المسلمين وجمع الكافرين (وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو قادر على نصركم إن أطعتم وقادر على خذلانكم إن عصيتم .

67 – أسر المسلمون سبعين رجلاً من المشركين يوم بدر فقال النبيّ لأصحابه إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم ، فقالوا بل نأخذ الفداء فنستمتع به ونتقوّى به على عدوّنا ، فأخذوا الفداء وأطلقوهم . فعاتبهم الله على ذلك بهذه الآية (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى) من المشركين ليفديهم (حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ) أي حتّى يثخن في قتلهم وتكون له القوّة والسيطرة في الأرض عليهم ، وبعد ذلك إن أراد الفداء فلا بأس به (تُرِيدُونَ) أيّها المسلمون بأخذ الفداء (عَرَضَ الدُّنْيَا) أي المال الذي هو عرض زائل ولا تفكّرون في العاقبة لأنّكم إن أطلقتموهم استقوَوا عليكم وقاوموكم وقتلوكم وأسروكم وعذّبوكم وهذا أكبر خطأ ارتكبتموه في فكّ الأسرى فكان يجب أن تطلقوا من يسلم منهم فقط وتقتلوا كلّ عنيد (وَاللّهُ يُرِيدُ) لكم (الآخِرَةَ) أي العاقبة ، يعني يريد لكم حسن العاقبة بقتلهم لأنّهم يضعفون وتنكسر شوكتهم ويقلّ عددهم فتنتصرون عليهم في المستقبل في كلّ حرب وقتال (وَاللّهُ عَزِيزٌ) حيث أخذهم وأذلّهم وسلّطكم عليهم (حَكِيمٌ) في أفعاله .

68 – (لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ) يعني لولا أن كتب الله لكم النصر وسبق أن وعدكم به (لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ) من الفداء وإطلاق الأسرى (عَذَابٌ عَظِيمٌ) من أعدائكم وذلك لأنّهم ينتصرون عليكم ويقتلونكم ويأسرونكم ويعذّبونكم ولكنّ الله لا يريد ذلك لأنّه وعدكم بالنصر .

72 – (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ) من مكّة إلى المدينة (وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ) الرسول (وَّنَصَرُواْ) وهم أهل المدينة (أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) بالنصرة والمساعدة والوراثة (وَالَّذِينَ آمَنُواْ) من أهل مكّة (وَلَمْ يُهَاجِرُواْ) إلى المدينة (مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ) إلى المدينة ، أي ما لكم من نصرتهم لكم ولا من إرثهم شيء لأنّهم بعيدون عنكم لا يقدرون على نصرتكم (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) أي وإن طلبوا نصرتكم لهم ومساعدتكم فانصروهم وساعدوهم وقاتلوا المشركين من أعدائهم ، وذلك قوله تعالى (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) ثمّ استثنى سبحانه من كان له عهد وميثاق مع المسلمين على المهادنة وترك القتال فقال (إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ) على المهادنة فلا تقاتلوهم 1 ولا تنقضوا الميثاق معهم (وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) .

--------------------------------------------

1 وهكذا يستبين عدل الإسلام مع غيره من أهل الكتب السماوية الذين يهادنونه –       المراجع  

 

73 – (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) أي بعضهم يساعد بعضاً على قتالكم وأذاكم ، فأنتم أولى بالمساعدة والمناصرة بعضكم لبعض لأنّكم تؤجرون على أعمالكم ولكنّ المشركين يخسرون ولا يؤجرون . ثمّ نهى سبحانه عن نقض العهود والمواثيق فقال (إِلاَّ تَفْعَلُوهُ) وضمير الهاء يعود إلى الميثاق من قوله (إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ) والمعنى لا تنقضوا الميثاق مع من واثقتموهم وتعاهدتم معهم على شيء ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} ، (تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ) بسبب نقض الميثاق لأنّ ذلك يؤدّي إلى القتال وسوء الحال (وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) في دينكم ، لأنّكم تتعوّدون على نقض المواثيق ، ولأنّهم يستحقرون دينكم فيعتقدون حينئذِ ببطلانه إذا نقضتم المواثيق معهم .

   وقد قال أكثر المفسّرين أنّ هذه الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة الأحزاب {وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} يعني بعضهم أَولى ببعض في الميراث . وقد قال تعالى في الآية السابقة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) .

   أقول لا منسوخ في القرآن كلّه ولا تبديل لكلمات الله ولكنّ جهلهم بالحقيقة وعدم إدراكهم بمعانيه يجعلهم ينطقون بهذه الكلمة التي هي إثم لقائلها وزور على الله بادّعائهم الناسخ والمنسوخ في القرآن مِمّا جعل اليهود والنصارى ينتقدوننا في ذلك ويقولون إنّ كتابكم فيه منسوخ أمّا كتابنا فمحكم مثبت ليس فيه ناسخ ولا منسوخ ، وذلك مِمّا جعلهم يعتقدون ببطلان القرآن لأنّ المسلمين يقولون فيه ناسخ ومنسوخ .

   فقد نسبوا لله الجهل بعواقب الأمور وعدم الإدراك بمصيرها بقولهم هذا ، فتعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً .

   وإنّ مغزى الآية واضح بيّن ، أمّا قوله تعالى في الآية السالفة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) لأنّهم مسلمون والمسلم لا يرثه أهله إن كانوا مشركين بل المسلمون أولى به . أمّا قوله تعالى{وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} يعني إن كان جميعهم مسلمين ، فالمسلم يرثه أهله وأقاربه إن كانوا مسلمين فالآية واضحة بيّنة ليس فيها ناسخ ومنسوخ كما يدّعون . {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

 

تمّ بعون الله تعالى تفسير سورة الأنفال ويليها تفسير سورة التوبة

في 22 رمضان 1383 هجرية المصادف 5 شباط سنة 1964 ميلادية

 

الصفحة الرئيسية

الصفحة الأولى

 سورة الفاتحة

سورة البقرة 1

سورة البقرة 2

سورة آل عمران

سورة النساء

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

    Man after Death   An Hour with Ghosts   The Universe and the Quran   The Conflict between the Torah and the Quran   الخلاف بين التوراة و القرآن     الكون والقرآن   المتشابه من القرآن   ساعة قضيتها مع الأرواح