إنّ الملائكة هي مخلوقات روحانية أثيرية ذات أجسام خفيفة شفّافة ، والملائكة يمكنها أن تصعد إلى السماء بلا جناح وتنزل إلى الأرض بسرعة ، ويمكنها أن ترينا أنفسها ، ويمكنها أن تتكلّم معنا فتسمعنا أصواتها ، ود جاء بعض الملائكة إلى بعض الأنبياء فكلّمتهم وأخبرتهم بأشياء فسمعت الأنبياء كلام الملائكة ورأتها كما في قصة إبراهيم ونوح وداود ومريم بنت عمران . قال تعالى في سورة الذاريات {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} وضيف إبراهيم هم ملائكة ظهروا له بصورة بشر . وقال تعالى في سورة مريم {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} ، فالذي تمثّل لَها بصورة بشر هو جبريل . وقال تعالى في سورة ص {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} ، فالذين تسوّروا المحراب كانوا من الملائكة .
فالملائكة يمكنها أن تسمعنا أصواتها إلاّ أنه لا يكون بوضوح بل يكون كصوت الصدى أي كما يتكلّم الإنسان في الحمّام أو على جرف بحيرة فيسمع تكرار صوته من الهواء فيكون سمعه أقلّ وضوحاً من كلامه الذي تكلّم به . وكذلك المخلوقات الروحانية يكون كلامها أقلّ وضوحاً في أذن السامع مِمّا لو سمع من فم الإنسان . وهنا أذكر بعض الحوادث بمناسبة شاهد فأقول :
تعوّدتُ أن أنتبه كلّ صباح للصلاة ، فإذا صادف يوم لم أنتبه فيه أيقظتني أمّي إلى الصلاة ، فيتّفق أن أسافر إلى بعض البلدان وأنام في أحد الفنادق فلمّا يكون وقت صلاة الصبح أسمع أحداً يوقظني من نومي قائلاً : "محمّد علي أقعد صلّي" ، فأنتبه من نومي فلم أرَ من أيقظني ، ثمّ إنّ النائمين في الفندق لا يعرفونني ولا يعرفون اسمي فأتعجّب من ذلك وأقول في نفسي : "لا شكّ أنه ملكٌ من الملائكة جاء ليوقظني إلى الصلاة فحينئذٍ أقوم وأصلّي .
والملائكة بعضها بلا جناح ، ومنها من له جناحان مثل الطيور .
والملائكة كانوا بشراً في مبدأ خلقتها ولما توفّيت صارت نفوساً ، ثمّ ألبسها الله جلوداً أثيرية فصارت ملائكةً ، لأنّهم كانوا من الصالحين المتقين في دار الدنيا ، ولمّا انتقلوا إلى عالم الأثير جعلهم الله من الملائكة وأسكنهم جنّاته ، وكذلك الصالحون والمتقون منّا سوف يجعلهم الله من الملائكة ويسكنهم جنّاته . قال تعالى في سورة الزخرف {وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} فالآية تدلّ على أنّ الإنسان يمكن أن يكون من الملائكة .
والملائكة كانت تسكن السيارات القديمة أي كانت تسكن الأراضي القديمة التي تمزّقت في قديم الزمان وأصبحت نيازك ، هذا لمّا كانت في دار الدنيا ، أمّا اليوم فهي تسكن السماوات الأثيرية أي تسكن الجنان .
والملائكة تشبه النفوس في أكثر صفاتها فكما أنّ النفوس تأكل وتشرب وتجامع ولكن أكلها أثيري ، فكذلك الملائكة تأكل وتشرب وتجامع أزواجها ولكن كلّ ذلك أثيري ، وكما أن النفوس لا يكون لها أولاد ونساؤها لا تحيض فكذلك الملائكة ، وكما أنّ النفوس لا تنام كذلك الملائكة لا تنام ، والخلاصة أن الملائكة تشبه النفوس في أكثر صفاتها إلاّ في بعض الصفات فإنها تخالفها ، مثلاً إنّ الملائكة يمكنها أن تسمعنا أصواتها وترينا أنفسها ويمكنها نقل الأشياء الخفيفة ولكن النفوس لا يمكنها ذلك لأنّ الملائكة تغلفها جلود أثيرية ولكن النفوس ليس لها غلاف فلذلك لا يمكنها أن ترينا أنفسها أو تسمعنا أصواتها إلاّ في المنام , والنفوس لا يمكنها نقل الماديات ولوكانت ريشة طائر ، فإذا صار يوم القيامة فإنّ الله تعالى يلبسها جلوداً أثيرية فتكون كالملائكة فحينئذٍ يمكنها أن ترينا أنفسها أو تسمعنا أصواتها أمّا اليوم فلا .
قال الله تعالى في سورة الزخرف {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} فقوله تعالى {هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ} يعني هم ذكور لا إناث كما يزعمون ، وكانوا بشراً مثلهم ثمّ صاروا ملائكة وذلك لتقواهم وصلاحهم ،كقوله تعالى في سورة ص{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} ، ويدلّ على ذلك تذكير أسمائهم كلفظة جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وغير ذلك فهذه كلها أسماء رجال لا أسماء نساء . وقال تعالى في سورة النجم {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى . وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} .
والملائكة هم جند الله ورسله يرسلهم لتعليم الناس ولحفظ الأنبياء من شرّ الشياطين ولإحصاء أعمال الناس وليكونوا شهوداً عليهم يوم القيامة . قال الله تعالى في سورة فاطر {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ، فالملائكة كانوا بشراً في قديم الزمان وكان لهم أجنحة وكانوا من الصالحين ولما انفصلت نفوسهم عن الأجسام صاروا ملائكة . وقال تعالى في سورة الحـج {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} .
فالإنسان إذا انفصل عن جسمه المادي عند الموت حينئذٍ يرى الملائكة ويمكنه أن يتكلّم معهم لأنه أصبح روحانياً مثلهم . قال تعالى في سورة الفرقان {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا} .