كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة يونس من الآية( 36) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

36 - (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ ) أمرَ أبي سفيان (إِلاَّ ظَنًّا ) منهم أنّه على حقّ (إنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) فيجب على الإنسان أن يُفكّر ويتحرّى عن الحقيقة فلا يبقى مُقلّداً لدين آبائهِ وإن كان باطلاً بل يجب عليه أن يعرض عقائدهُ على القرآن فإن طابقت مع القرآن وأحكامه فهو على حقّ ، وإن خالفت عقائده أحكام القرآن فهو على باطل ، فيجب عليه أن يُغيّر عقائده ويسير على نهج القرآن (إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ) فيعاقبهم على أفعالهم في الآخرة .

37 - (وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ ) كما تتوهّمون بل مُنزلٌ من ربّ العالَمين ، يعني لم يأتِ محمّد بالقرآن من نفسهِ مُدّعياً أنّهُ من الله (وَلَـكِن) أنزلهُ جبرائيل بأمرٍ من ربّهِ ( تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) يعني أنزل القرآن مُصدّقاً لمحمّد الّذي بين يديهِ القرآن (وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ ) يعني فيهِ تفصيل ما في الكتُب السماويّة السالفة (لاَ رَيْبَ فِيهِ ) أي لا شكّ في أنّ القرآن (مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) لأنّهُ يُخبر بالمغيّبات والغيب لا يعلمهُ إلاّ الله .

38 - (أَمْ يَقُولُونَ ) المشركون (افْتَرَاهُ) أي جاء محمّد بالقرآن من عندهِ وقال هو من عند الله (قُلْ) لهم يا محمّد (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ ) واحدة (مِّثْلِهِ) أي مثل القرآن فصاحةً وبلاغة فأنتم عرب ومحمّد عربي وكلّكم من قبيلة واحدة ولسان واحد فإن عجزتم عن ذلك فاعلموا أنّه من الله وليس من محمّد كما تزعمون (وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم ) إقناعه برأيكم وعقائدكم من رؤسائكم الّذينَ اتّخذتموهم أولياء (مِّن دُونِ اللّهِ ) ليساعدوكم على إتيان سورة مثل سور القرآن (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) في قولكم بأنّ محمّداً افتراه . وذلك لأنّ بعض المشركين اُعجِبوا بالقرآن وأرادوا أن يُسلموا وينقادوا لدين الإسلام فتصدّى لهم بعض أصحابهم وكلّموهم وأقنعوهم بأنّ محمّداً ساحرٌ والقرآن سحرٌ ولذلك يكون وقعُه على القلوب ، وبذلك استطاعوا إرجاعهم إلى دين الشرك . ومِثل هذهِ الآية في سورة البقرة قوله تعالى {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } .

39 - (بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ ) من كلام الله ، أي كذّبوا بالآيات المتشابهة التي لم يفهموها ولم يُحيطوا عِلماً بمعناها (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ) في زمن المهدي أيضاً يُكذّبون ، يعني : ولَمّا يأتهم تأويل الآيات المتشابهة من القرآن أيضاً يكذّبون . وهذا تقدير محذوف ، والشاهد على ذلك قوله تعالى (كَذَلِكَ كَذَّبَ الّذينَ مِن قَبْلِهِمْ ) أي أسلافهم أيضاً كذّبوا رُسُلهم (فَانظُرْ) يا محمّد (كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) أليس الهلاك والدمار ؟

40 - (وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ ) أي بالقرآن لأنّه يتّبع المحكم منهُ ويترك المتشابه (وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ ) لأنّه مُفسد يتّبع المتشابه من القرآن ليفتن الناس ويصدّهم عن الإيمان بهِ (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ ) فيعاقبهم على فسادهم في الآخرة .

41 - (وَإِن كَذَّبُوكَ ) يا محمّد فيما تدعوهم إليهِ (فَقُل لِّي عَمَلِي ) أي لي جزاء عملي (وَلَكُمْ) جزاء (عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ) ، والمعنى : أنتم لا تؤاخَذون بذنبي إن كنتُ مُذنباً كما تزعمون وأنا لا اُؤاخذُ بذنبكم فكلّ واحد يؤاخذ بذنبهِ . ومِثلها في سورة سبأ قوله تعالى {قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي } .

42 - (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ) ولكن بآذانٍ صمّاء (أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ ) كلاّ لا تقدر أن تُسمعهم .

43 - (وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ) ولكن بأعينٍ عمياء (أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ ) فلا تقدر أن تهدي إلاّ من أحبّهُ الله ولا تُسمعُ إلاّ من هداهُ الله .

44 - (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .

45 - (وَيَوْمَ) مماتهم (يَحْشُرُهُمْ) أي يجمعهم في عالم البرزخ وهم نفوس أثيريّة (كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ ) في الدنيا (إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ ) لأنّ الماضي كأن لم يكن فيحسبهُ الإنسان كالرؤيا مهما طال الزمن ، وفي ذلك قال الشاعر :

                              قُضِيَتْ سُنُونٌ بِالوِصالِ وبِالهَنا      فكأنَّها مِنْ قُصْرِها أيّامُ
                                   ثُمّ انْقَضَتْ أيّامُ هَجْرٍ بَعْدَهَا      فَكَأَنَّها مِنْ طُوْلِهَا أَعْوَامُ
                              ثُمّ انْقَضَتْ تِلْكَ السُّنُونُ وأهْلُهَا      فكأنَّها وكأنَّهم أحْلامُ

(يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ) وهذا في عالم النفوس يعني بعد الموت تتعارف الأرواح فيما بينها ، وقد رُوِيَ عن النبيّ (ع) أنّهُ قال : "النفوس جُندٌ مُجنّدة ما تعارفَ منها ائتلف وما تناكرَ منها اختلف" ، (قَدْ خَسِرَ الّذينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ ) يعني الّذينَ كذّبوا بالآخرة والحساب والعقاب ، لأنّهم لم يستعدّوا لها ولم يتزوّدوا من الزاد والمتاع لأجلها (وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ) إلى طريق الحقّ .

46 - (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ ) يا محمّد (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ) من العذاب في الدنيا (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ) فنريك تعذيبهم في الآخرة (فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ) بعد موتهم ولا يفوتوننا إن كانوا في الدنيا أو في الآخرة (ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ ) بعد وفاتك فلا يَخفَى عليهِ شيء من أفعالهم .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم