كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
77 - ولَمّا انتهت قصّة إبراهيم أخذَ سُبحانهُ يُبيّن قِصّة لوط وقومه فقال (وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا ) يعني ولَمّا ذهبت الملائكة من عند إبراهيم وجاؤوا إلى لوط (سِيءَ) لوط (بِهِمْ) أي ساءهُ مجيئهم لِما رأى من حُسنِ جمالهم ولم يجد سبيلاً لحفظهم من قومهِ (وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا ) أي ضاق صدرهُ بسببهم حيث لم يجد مخلصاً من شرّ قومهِ ، ومن ذلك قول حسّان :
وَلا ضِقْتُ ذَرْعاً بِالْهَوَى إذْ ضَمِنْتُهُ وَلا كُظَّ صَدْرِي بِالحَدِيثِ الْمُكَتَّمِ
(وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ) أي يوم شرير كثير الشرّ يعصبُ الإنسان رأسهُ بعصابةٍ لِما يُصيبهُ من صداع ، وهذا مثَل يُضرَب عند العرب ، والشاهد على ذلك قول الأعشى يصفُ يوماً شديدَ الحرّ فيقول :
ويومٌ مِنَ الشِّعْرَى كَأَنَّ ظِباءَهُ كَوَاعِبُ مَقْصُورٌ عَلَيْها سُتُورُهَا
عَصَبتُ لهُ رَأسِي وكَلَّفْتُ قَطْعَهُ هُنَالِكَ حُرْجُوجاً بَطِيئاً فُتُورُهَا
وقالت الخنساء :
يَطْعَنُ الطّعْنَة َ لا يُرْقِئُها رقية ُ الرَّاقي ولا عصبُ الخُمُرْ
فالخُمُر جمع خِمار ، وإنّما قال لوط ذلك لأنّهُ لم يعلم أنّهم ملائكة وخافَ عليهم من قومهِ أن يفضحوهم .
78 - (وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ ) أي يُسرعون في المشي لطلب الفاحشة بهم ، ومن ذلك قول مُهلهل:
فَجَاءُوا يُهْرَعُونَ وَهُمْ أُسَارَى نَقُودُهُمُ عَلَى رَغْمِ الانُوفِ
(وَمِن قَبْلُ ) أي قبل مجيء الملائكة (كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ) أي كانوا يعملون الفاحشة مع الذكور (قَالَ) لوط لقومهِ (يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) من اللّواط بالذكور ، وأراد بذلك بنات أهل القرية إذ أنّ النبيّ يقوم مقام الأب لقومه ، والدليل على ذلك قوله تعالى (هَـؤُلاء بَنَاتِي ) ولم يقل هاتان إبنتاي . وكلمة هؤلاء تشير إلى البعيد [بنات أهل القرية أبعد من إبنتيه الإثنتين – المراجِع .]
(فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ) أي لا تُلحقوا بي العار بسبب أذيّتكم لضيفي (أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ) يعني أليس فيكم رجل عاقل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويزجر هؤلاء عن قبيح فِعلهم ؟
79 - (قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ ) أي ليس لنا حقّ في بنات القرية لأنّنا لم ندفع مهورهنّ ، وليس المقصود بذلك بنات لوط إذ لو كان كذلك لَما اعترضوا عليه وقالوا ما لنا في بناتكَ من حقّ (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ) من هؤلاء الثلاثة الّذينَ ضافوا عندك .
80 - (قَالَ) لوط (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ) أي مَنَعَة وقُدرة أدفعكم بها عن ضيوفي (أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) يعني أو أنضمّ إلى عشيرة منيعة تنصرني عليكم ، ومن ذلك قول الخنساء تمدح أخاها :
قَدْ كانَ حِصْناً شَدِيدَ الرُكنِ مُمتَنِعاً لَيثاً إِذا نَزَلَ الفِتيانُ أَو رَكِبُوا
81 - (قَالُواْ) أي الملائكة (يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ ) اُرسِلنا لهلاكهم (لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ ) بسوء ، ورفع أحد الملائكة قبضة من التراب فضربَ بهِ وجوه القوم فدخل التراب أعينهم فعمُوا ورجعوا إلى أهلهم وهم يقولون إنّ في بيت لوط سَحَرَة عمَوا أعيُنَنا .
(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ) يعني اُخرج من بينهم أنت وأهلك (بِقِطْعٍ مِّنَ اللّيل ) أي فاقطع مسافة بعيدة عنهم بما استطعتَ بوقتٍ من اللّيل (وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ) إلى مالهِ ولا إلى متاعهِ ، أي لا يرجع أحد منكم لشيء نسيهُ أو لحاجةٍ تركها (إِلاَّ امْرَأَتَكَ ) الخائنة فإنّها ستلتفت وترجع لشيء نسِيَتْهُ (إِنَّهُ) أي الزلزال (مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ) أي موعد هلاكهم (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ) .
فخرج لوط وامرأته وابنتاهُ وقت السحَر ، وذلك قوله تعالى في سورة القمر { إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } . وفي منتصَف الطريق رجعت امرأته لتأتي بشيء من الأثاث نَسِيَتْهُ في القرية ، فأصبح الصبحُ وهي في القرية فأخذهم الزلزال وماتت معهم ، ثمّ أمطرت على الباقين منهم حجارة من السماء ، فدمّر الزلزال في تلك البقعة من الأرض أربع قرى وهي سدوم الّتي كان لوط يسكنها ، وعمّورة ، وصبوييم واُدمة .
82 - (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا ) بالعذاب (جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ) إهتزّت الأرض بهم فتلايَمت بيوتهم فوقهم ثمّ خُسِفَت الأرض بهم فصار مكانها بُحيرة تسمّى اليوم بالبحر الميّت (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا ) يعني على أهل تلك القُرى الأربع (حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ) أي أحجار رسوبيّة ذات طبقات مُتراكمة بعضها فوق بعض وهي الحصَى ، والدليل على ذلك قوله تعالى (مَّنضُودٍ) أي من طين وموادّ رسوبيّة تراكمت فصارت أحجاراً ، ومِمّا يؤيّد أنّها أحجار الحصَى قوله تعالى في سورة العنكبوت {فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا } يعني حصَى ، وقوله في سورة الذاريات {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } ، فالسجلّ هو الدلو الكبير المستعمل لسقي البستان والمزرعة ، والسجّيل هيّ الرواسب الّتي تبقى في أسفل السجلّ أي الدلو بعد إتمام السقي .
83 - (مُّسَوَّمَةً) أي فيها أوسمة وعلائم تدلّ على أنّها أحجار رسوبيّة ، والعلامة الّتي فيها هي الخطوط الملوّنة الّتي بين طبقاتها ، وقوله (عِندَ رَبِّكَ ) أي في علم ربّك ، يعني عالم بأماكنها ومواقعها (وَمَا هِيَ ) يعني الحجارة (مِنَ الظَّالِمِينَ ) الّذينَ أرادوا هدم الكعبة وهم أصحاب الفيل (بِبَعِيدٍ) أي بزمن بعيد ، يعني وما وقعة أصحاب الفيل عنكم يا أهل مكّة بزمن بعيد فاذكروها وفكّروا واتّعِظوا وتوبوا إلى ربّكم لئلاّ يقع عليكم ما وقعَ على من قبلكم من العذاب .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |