كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
25 - (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ ) أي تسابقا في الركض إلى باب الدار هيَ للطلب وهو للهرب ، وإنّما أرادت أن تسبقهُ إلى الباب لكي تغلقه فلا يمكنهُ أن يهرب (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ ) أي شقّتهُ من الخلف لَمّا مَسَكتهُ من قميصهِ فصارت قطعةٌ منهُ في يدها ، فالقدّ هو القطعُ ، ومن ذلك قول عنترة :
عَتِبْتُ الدَّهْرَ كَيْفَ يُذِلّ مِثلِي وَلِيْ عَزْمٌ أَقُدّ بِهِ الجِبالا
أي أقطعُ بهِ الجبالا (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ) أي وجدا زوجها مُقبلاً عند باب الدار ، حينئذٍ رأت نفسها في مأزق ماذا تجيب زوجها إن رآها في تلك الحالة فألقت اللّوم على يوسف لتبرِئ نفسها من الجريمة (قَالَتْ) زليخا لزوجها (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ ) أي بزوجتك (سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يعني إمّا السجن وإمّا الضرب بالسِياط . قالت هذا القول لتشوّه الحقيقة
26 - (قَالَ) يوسُف (هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ) ولم اُرِدْ بها سوءاً كما زَعَمَتْ (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا ) بصدق يوسف ، وهو فلّاح كان يعمل في حديقة القصر وكان رجلاً حكيماً ولم تكن زليخا تعلم بوجودهِ في القصر في ذلك الوقت ، فقال الفلّاح لقد سمعتُ محاورتهما وفهمتُ غاياتهما والدليل على صِحّةِ قولي اُنظروا (إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ ) زُليخا (وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) يعني يوسف .
27 - (وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ ) زليخا (وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) .
28 - (فَلَمَّا رَأَىٰ ) زوجها (قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ ) أي قُطِع ومُزّق من الخلف (قَالَ) لزوجته زليخا (إِنَّهُ) أي الكيد الذي كدتِيني بهِ ، وهو قولها ما جزاء من أرادَ بأهلِكَ سوءاً (مِن كَيْدِكُنَّ ) أي من كيد النساء (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) .
29 - ثمّ التفتَ إلى يوسف فقال (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا ) الأمر ولا تكلّم بهِ أحداً لئلا يفشو خبرهُ بين الناس ، ثمّ خاطبَ زوجتهُ فقال (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ) وتقديرهُ كُفّي عن يوسف واستغفري لذنبكِ (إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ) في هذا الأمر وليس هو الخاطئ .
30 - (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ ) أي جماعة من النساء في مدينة الإسماعيلية (امْرَأَةُ الْعَزِيزِ ) وهو رئيس الشرطة يُكنّى العزيز (تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ) أي تدعو مملوكها إلى نفسها ليزني بها (قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ) أي أحبّتهُ حُبّاً شديداً حتّى دخل الحُبّ شِغاف قلبها ، ومن ذلك قول قيس بن الملوّح:
وَمَـا حُـبُّ الدِّيَـارِ شَغَفْـنَ قَلْبِـي ولَكِـنْ حُـبُّ مَنْ سَكَـنَ الدِّيَـارَا
وقال الأعشى :
فَهْوَ مَشْغُوفٌ بِهِنْدٍ هَائِمٌ يَرْعَوِي حِيناً وأحْيَاناً يَحِنْ
(إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) .
31 - (فَلَمَّا سَمِعَتْ ) زليخا (بِمَكْرِهِنَّ) أي بتعييرهنّ إيّاها وقصدهنّ إشاعة أمرها ، وإنّما سمّاهُ مكراً لأنّ قصدهنّ من هذا القول أن تُريهنّ يوسف لِما وُصفَ لهنّ من حُسنهِ فكان هذا مكراً منهُنّ (أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ ) الخادمة فاستضافتهنّ (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ) أي هيّأت لهنّ وليمة ، والشاهد على ذلك قول أعشَى ميمون :
نازَعْتُهُمْ قُضُبَ الرَّيْحَانِ مُتَّكِئاً وقَهْوَةً مُزَّةً راوُوقُها خَضِلُ
يعني بذلك الخمرة (وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا ) لتقطعَ بها الفواكه (وَقَالَتِ) زليخا ليوسف (اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ) وكانت قد أخفتهُ في الغرفة وألبستهُ أحسن ثيابه ، فخرج (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ) يعني أعظمنهُ وتحيّرنَ في جمالهِ (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ) بتلك السكاكين على جهة الخطأ بدل قطع التفّاح فما أحسَسْنَ إلا والدم يسيل من أيديهنّ ولم يجدنَ ألم القطع لاشتغال قلوبهنّ بيوسف (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ ) أن يكون هذا هو المعتدي عليها ، وهذه تبرئة ليوسف (مَا هَـذَا بَشَرًا ) ليميل قلبهُ إلى النساء (إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) نزل من السماء على صورة بشر ، وذلك لِما رأينَ من عفّتهِ وحيائهِ وحُسن أخلاقهِ .
32 - (قَالَتْ) زليخا لتلك النِسوة (فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ) أي في محبّتهِ (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ ) أنا (عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ ) أي فامتنعَ ، ثمّ توعّدتهُ بإيقاع المكروه بهِ إن لم يُطعها فيما تدعوهُ إليهِ فقالت (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ ) أي من الأذلاّء الحقيرين . فلمّا رأى يوسف إصرارها على ذلك وتهديدها لهُ اختار السجن على المعصية .
33 - (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) معناهُ يا ربّ إنّ السجن أحبّ إليّ وأسهل عليّ مِمّا يدعونني إليهِ من الفاحشة . وذلك لأنّ النِسوة أحببنهُ وطمعنَ فيهِ وقلنَ لهُ أجب مولاتك فيما تدعوك إليهِ ، وأردنَ بذلك مُساعدة زليخا على يوسف لكي تُساعدهنّ هيَ أيضاً وتأذن لهُ في زيارتهنّ إن سمع لقولهنّ وقضى حاجة زليخا (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ ) بإلطافك ، يعني كيد النسوة (أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ) أي أميل إليهنّ لأنّي في زمن الصِبا وفي دَور الشباب ، ومن ذلك قول جرير:
ألا تَذكُرُ الأزْمانَ إذْ تَتْبَعُ الصِّبَا وإذْ أنْتَ صَبٌّ وَالهوَى بكَ جامِحُ
(وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ) لعواقب الاُمور .
34 - (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ) لدعاء المخلصين من عِبادهِ (الْعَلِيمُ) بنواياهم وأسرارهم .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |