كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة يوسف من الآية( 87) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

87 - ثمّ قال (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ ) إلى مصر (فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ ) بنيامين ، أي تجسّسوا ، ولكن كلمة "تحسّسوا" تستعمل لتحصيل أخبار الشخص من أفواه الناس واستماع ما يتحدّثون عنهُ ، ومن ذلك قول عنترة :

                              فبعَثتُ جاريتي فقلتُ لها اذْهبي      فتَحَسَّسِي أخبارَها لي واعْلَمِي

وقال الآخر :
                                  تَرَى الطَّيْرَ العِتَاقَ يَظَلْنَ مِنْهُ      جُنُوْحاً إِنْ سَمِعْنَ له حَسِيْسَا

وبعبارةٍ اُخرى أقول إنّ التحسّس ما تنصتُ لهُ الاُذُن ، أي تسمعه الآذان ، ومن ذلك قوله تعالى في وصف جهنّم في سورة الأنبياء {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } ، وأمّا كلمة "تجسّسوا" فتستعمل لطلب آثار الشخص والتفتيش عنهُ برؤيا العين ، ومن ذلك قولهم "جسّ الطبيبُ يدي" أي لمسها بنفسهِ ورآها بعينهِ ، قال الله تعالى في سورة الحجرات {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا } ،

(وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ ) يعني لا تيأسوا مِمّا قدّرهُ اللهُ لكم من الراحة والاطمئنان بواسطة يوسف ، وبذلك يُشير إلى الرؤيا الّتي رآها يوسف حين طفولتهِ ووعدهُ يعقوب بالخير بقولهِ {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ } ، والمعنى : فتّشوا عن يوسف لأنّ الخير يأتيكم على يدهِ . فكلمة "رَوْح" معناها الراحة والاطمئنان ، والشاهد على ذلك قولهُ تعالى في سورة الواقعة {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ } ، وقال النابغة الذبياني يمدحُ إبن الجلاح :

                             فَسَكَّنْتَ نَفْسِي بَعْدَما طارَ رَوْحُها      وألْبَسْتَنِي نُعمَى ولَسْتُ بِشاهِدِ

(إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) . ثمّ ساروا إلى مصر كما أمرهم أبوهم .

88 - (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ ) أي على يوسف (قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ) أي أصابنا وأهلنا الشِدّة بفقدان أخينا يوسف وحُزن أبينا عليهِ وأخذك بنيامين منّا وأصابنا الجوع في هذه السنين المجدِبة (وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ ) أي مدفوعةٍ لك من أبينا فتقبّلها منّا وإن كانت قليلة في حقّكَ ، فالمزجاة معناها المدفوعة ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ } أي يدفع لكم الفُلك بواسطة الرياح ، ومن ذلك قول النابغة :

                           وَهَبَّتِ الرِّيحُ من تِلْقاءِ ذِي أُرُلٍ      تُزْجِي مِنَ اللّيل مِنْ صُرَّادِها صِرَمَا

(فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ ) بثمنهِ (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ ) بعتقِ أخينا بنيامين (إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ) بخيرٍ من عندهِ في الدنيا والآخرة . وكانت بضاعتهم الّتي جاؤوا بها إلى يوسف هديّةً : بلساناً171 ودبساً ونكعةً172 ولاذناً173 وفستقاً ولوزاً وبعض الفواكه .

89 - (قَالَ) يوسف لأخوتهِ (هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ ) من الضرب وإلقائهِ في الجُبّ وبيعه بعشرين درهماً (وَأَخِيهِ) بنيامين من الإهانة بعد فراق أخيهِ (إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ) ما يؤول إليهِ شأن يوسف .

90 - (قَالُواْ) وهم مُتعجّبون مِمّا هو فيهِ من الحُكم والمنزلة (أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا ) بالسّلامةِ والكرامة والاجتماع (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ ) المحرّمات (وَيِصْبِرْ) على ما ينالهُ من مكروه (فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) إلى الضُعفاء والمساكين .

91 - (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا ) بحُسنِ الصورة والسريرة ومحاسن الأخلاق والملْك وأحوَجَنا إليك (وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ ) يعني وقد كنّا لخاطئين في شأنك وما صنعناهُ معك .

92 - (قَالَ) يوسف (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ) أي لا لومَ ولا توبيخ عليكم اليوم (يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ ) لأنّكم اعترفتم بخطيئتكم وندمتم على ما مضَى منكم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) بالتائبين النادمين . ثمّ سألهم عن حال أبيهِ فقالوا ضَعُفَ بصرهُ ونحلَ جسمهُ من شِدّةِ حُزنهِ وكثرة بُكائهِ عليك فقال لهم :

93 - (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ ) إليّ (بَصِيرًا) لشدّةِ ما يُصيبهُ من الفرح ، والمعنى : تذهب منه الأحزان ويعلوه الفرح والسرور فيعود متبصّراً بالاُمور (وَأْتُونِي) أيضاً (بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) إلى مصر . فأخذوا ميرتهم وقميص يوسف معهم وتوجّهوا إلى أرض كنعان إلى أبيهم .

94 - (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ ) أي انفصلت عن أرض مصر ودخلت أرض كنعان (قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ) أي أشمّ رائحة يوسف (لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ ) يعني لولا أن تخطّئوا رأيي ، ومن ذلك قول حسّان يذكرُ غزوة بني قريظة :

                                فَهُمْ صَرْعَى تَحُومُ الطيرُ فِيهِمْ      كَذاكَ يُدَانُ ذُو الفَنَدِ الفَخُورِ

يعني كذاك يُجازى بعملهِ ذو الرأي الخاطئ الفخور بنفسهِ ، وقال عنترة :

                               خُلِقْنا لهذا الحبِّ مِنْ قبلِ يومِنا      فَمَا يَدْخُلُ التَّفْنِيدُ فيهِ مَسامِعِي

وقال الآخر :
                              يَـا صَاحِبَيَّ دَعَا لَوْمِي وَتَفْنِيـدِي      فَلَيْسَ مَا فَاتَ مِنْ أَمْرِي بمَرْدُودِ

وقال جرير :
                                 يَا عَاذِلَيَّ دَعَا الْمَلَامَ وَأَقْصِرَا      طَالَ الْهَوَى وَأَطَلْتُمَا التَّفْنِيدَا

95 - (قَالُواْ) أي قال من كان حاضراً عنده من أهلهِ وأحفادهِ (تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ ) يعني لا زِلتَ تعتقد أنّ يوسف حيّ بعد هذه المدّة والآن تشمّ رائحتهُ وقد مات وصار جسمهُ رميماً .

------------------------------------

171 :هو عِطرٌ يُستخرَج من زهرٍ أبيض صغير بهيئة عناقيد مدلاّة في أشجار . ولعلّهُ ورد رازقي .

172 :هو ثمرُ شجر أحمر اللّون .

173 :هو نوع من العلوك .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم