كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
87 - ثمّ قال (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ ) إلى مصر (فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ ) بنيامين ، أي تجسّسوا ، ولكن كلمة "تحسّسوا" تستعمل لتحصيل أخبار الشخص من أفواه الناس واستماع ما يتحدّثون عنهُ ، ومن ذلك قول عنترة :
فبعَثتُ جاريتي فقلتُ لها اذْهبي فتَحَسَّسِي أخبارَها لي واعْلَمِي
وقال الآخر :
تَرَى الطَّيْرَ العِتَاقَ يَظَلْنَ مِنْهُ جُنُوْحاً إِنْ سَمِعْنَ له حَسِيْسَا
وبعبارةٍ اُخرى أقول إنّ التحسّس ما تنصتُ لهُ الاُذُن ، أي تسمعه الآذان ، ومن ذلك قوله تعالى في وصف جهنّم في سورة الأنبياء {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } ، وأمّا كلمة "تجسّسوا" فتستعمل لطلب آثار الشخص والتفتيش عنهُ برؤيا العين ، ومن ذلك قولهم "جسّ الطبيبُ يدي" أي لمسها بنفسهِ ورآها بعينهِ ، قال الله تعالى في سورة الحجرات {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا } ،
(وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ ) يعني لا تيأسوا مِمّا قدّرهُ اللهُ لكم من الراحة والاطمئنان بواسطة يوسف ، وبذلك يُشير إلى الرؤيا الّتي رآها يوسف حين طفولتهِ ووعدهُ يعقوب بالخير بقولهِ {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ } ، والمعنى : فتّشوا عن يوسف لأنّ الخير يأتيكم على يدهِ . فكلمة "رَوْح" معناها الراحة والاطمئنان ، والشاهد على ذلك قولهُ تعالى في سورة الواقعة {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ } ، وقال النابغة الذبياني يمدحُ إبن الجلاح :
فَسَكَّنْتَ نَفْسِي بَعْدَما طارَ رَوْحُها وألْبَسْتَنِي نُعمَى ولَسْتُ بِشاهِدِ
(إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) . ثمّ ساروا إلى مصر كما أمرهم أبوهم .
88 - (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ ) أي على يوسف (قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ) أي أصابنا وأهلنا الشِدّة بفقدان أخينا يوسف وحُزن أبينا عليهِ وأخذك بنيامين منّا وأصابنا الجوع في هذه السنين المجدِبة (وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ ) أي مدفوعةٍ لك من أبينا فتقبّلها منّا وإن كانت قليلة في حقّكَ ، فالمزجاة معناها المدفوعة ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ } أي يدفع لكم الفُلك بواسطة الرياح ، ومن ذلك قول النابغة :
وَهَبَّتِ الرِّيحُ من تِلْقاءِ ذِي أُرُلٍ تُزْجِي مِنَ اللّيل مِنْ صُرَّادِها صِرَمَا
(فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ ) بثمنهِ (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ ) بعتقِ أخينا بنيامين (إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ) بخيرٍ من عندهِ في الدنيا والآخرة . وكانت بضاعتهم الّتي جاؤوا بها إلى يوسف هديّةً : بلساناً171 ودبساً ونكعةً172 ولاذناً173 وفستقاً ولوزاً وبعض الفواكه .
89 - (قَالَ) يوسف لأخوتهِ (هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ ) من الضرب وإلقائهِ في الجُبّ وبيعه بعشرين درهماً (وَأَخِيهِ) بنيامين من الإهانة بعد فراق أخيهِ (إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ) ما يؤول إليهِ شأن يوسف .
90 - (قَالُواْ) وهم مُتعجّبون مِمّا هو فيهِ من الحُكم والمنزلة (أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا ) بالسّلامةِ والكرامة والاجتماع (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ ) المحرّمات (وَيِصْبِرْ) على ما ينالهُ من مكروه (فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) إلى الضُعفاء والمساكين .
91 - (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا ) بحُسنِ الصورة والسريرة ومحاسن الأخلاق والملْك وأحوَجَنا إليك (وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ ) يعني وقد كنّا لخاطئين في شأنك وما صنعناهُ معك .
92 - (قَالَ) يوسف (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ) أي لا لومَ ولا توبيخ عليكم اليوم (يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ ) لأنّكم اعترفتم بخطيئتكم وندمتم على ما مضَى منكم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) بالتائبين النادمين . ثمّ سألهم عن حال أبيهِ فقالوا ضَعُفَ بصرهُ ونحلَ جسمهُ من شِدّةِ حُزنهِ وكثرة بُكائهِ عليك فقال لهم :
93 - (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ ) إليّ (بَصِيرًا) لشدّةِ ما يُصيبهُ من الفرح ، والمعنى : تذهب منه الأحزان ويعلوه الفرح والسرور فيعود متبصّراً بالاُمور (وَأْتُونِي) أيضاً (بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) إلى مصر . فأخذوا ميرتهم وقميص يوسف معهم وتوجّهوا إلى أرض كنعان إلى أبيهم .
94 - (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ ) أي انفصلت عن أرض مصر ودخلت أرض كنعان (قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ) أي أشمّ رائحة يوسف (لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ ) يعني لولا أن تخطّئوا رأيي ، ومن ذلك قول حسّان يذكرُ غزوة بني قريظة :
فَهُمْ صَرْعَى تَحُومُ الطيرُ فِيهِمْ كَذاكَ يُدَانُ ذُو الفَنَدِ الفَخُورِ
يعني كذاك يُجازى بعملهِ ذو الرأي الخاطئ الفخور بنفسهِ ، وقال عنترة :
خُلِقْنا لهذا الحبِّ مِنْ قبلِ يومِنا فَمَا يَدْخُلُ التَّفْنِيدُ فيهِ مَسامِعِي
وقال الآخر :
يَـا صَاحِبَيَّ دَعَا لَوْمِي وَتَفْنِيـدِي فَلَيْسَ مَا فَاتَ مِنْ أَمْرِي بمَرْدُودِ
وقال جرير :
يَا عَاذِلَيَّ دَعَا الْمَلَامَ وَأَقْصِرَا طَالَ الْهَوَى وَأَطَلْتُمَا التَّفْنِيدَا
95 - (قَالُواْ) أي قال من كان حاضراً عنده من أهلهِ وأحفادهِ (تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ ) يعني لا زِلتَ تعتقد أنّ يوسف حيّ بعد هذه المدّة والآن تشمّ رائحتهُ وقد مات وصار جسمهُ رميماً .
------------------------------------171 :هو عِطرٌ يُستخرَج من زهرٍ أبيض صغير بهيئة عناقيد مدلاّة في أشجار . ولعلّهُ ورد رازقي .172 :هو ثمرُ شجر أحمر اللّون .173 :هو نوع من العلوك .![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |