كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الرعد من الآية( 1) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

1 - (ا ل م ر ) قلتُ فيما سبق أنّ (ا) معناهُ إقرأ ، ( ل) معناهُ للناس ، (م) معناهُ مُحمّد ، (ر) معناهُ رسول ، فيكون المعنى : إقرأ للناس يا محمّد الرسول (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ) أي تلك الآيات والسوَر الّتي نزلت قبلَ هذهِ السورة وكتبتموها في الكتاب إقرأها للناس لعلّهم يتّعِظون (وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) هو (الْحَقُّ) فلا تشكّ فيهِ ولا تلتفت إلى أقوالهم إذ قالوا إنّ الّذي أوحَى إليك شيطان ، فالوحي الّذي جاءك هو من الله ( وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ) ولذلك يُجادلونكَ بأقوالهم الباطلة .

2 - (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة الضارّة للإنسان (بِغَيْرِ عَمَدٍ ) أي بغير أعمدةٍ لأنّهُ جعلها خفيفة الوزن فارتفعت عن الأرض لئلاّ تُهلك الناس بغازاتها الخانقة والسامّة (تَرَوْنَهَا) في المستقبَل ، أي تعلمون بوجودها في المستقبَل ، فكلمة "رأي" معناها العلم ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الفيل {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ } ، والمعنى : ألم تعلم؟ لأنّ النبيّ لم يرهم بل سمعَ بقصّتهم . فالسماوات هنا يريد بها الغِلاف الجوّي للأرض وهي سبع طبقات غازيّة ولذلك جاء ذكرها هنا على الجمع وجاء في سورة الرحمان على الإفراد وذلك قوله تعالى {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ } ،

(ثمّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ) والعرش طبقة أثيريّة وموقعها فوق السماوات السبع الأثيريّات الّتي تسكنها الملائكة ، وقد شرحتُ عن العرش والسماوات في كتابي الكون والقرآن شرحاً وافياً فإن شئتَ زيادة إيضاح فطالعهُ ، (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) لأجلِ منافعكم الّتي منها حِساباتكم ونموّ زرعكم وتيسير أمطاركم وسببٌ لحياتكم إذ لولا الشمس لَما بقيَ إنسان حيّ على وجه الأرض (كُلٌّ) من الشمس والقمر (يَجْرِي) في فلكهِ ، فالشمسُ تدور حول مِحورها والقمرُ يدور حول الأرض (لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ) أي إلى أجلٍ محدود ووقتٍ معلوم عندنا فتنتهي حياتهما فيهِ ، ومن ذلك قول الخنساء :

                                   أبكِي فتَى الحيّ نالتْهُ منيَّتُهُ          وكلّ نفسٍ إلى وقتٍ ومقدارِ

 أما القمر فينشقّ نِصفَين وتجذبهُ الشمس إليها ، أمّا الشمس فتنتهي حياتها ويبرد وجهها فتكون أرضاً ثمّ تنفجر بواسطة الغازات الّتي تنحصر في جوفها فتتمزّق وتكون تسع عشرة قِطعة وتجذبهنّ أقربُ شمسٍ إليهنّ فيدُرنَ حولها وتصبح مجموعة شمسيّة جديدة بدل المجموعة الحاليّة ، وإن أردتَ زيادة إيضاح عن ذلك طالع كتابي الكون والقرآن ، (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) من السماءِ إلى الأرضِ ، يعني يُنزّل الملائكةَ لأجل إرشادكم وتعليمكم ، ومثلها في سورة السجدة قوله تعالى {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ } ، (يُفَصِّلُ الآيَاتِ ) يعني يُبيّنُها على التفصيل والتوضيح (لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) يعني لعلّكم توقنون بوجود عالمٍ ثانٍ غير عالمكم عالم المادّة ، وهو عالم النفوس عالم الأثير وهناك يكون الحساب والجزاء .

3 - (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ) بالموادّ التُرابيّة والحجريّة والغازات والمياه حتّى زادت قِشرتها الباردة وصلُحت للسُكنى ، والمدَد الّذي أنزلهُ على الأرض هو الأحجار السماويّة والنيازك الّتي سقطت عليها في بادئ الأمر ، ثمّ الذرّات الموجودة في الهواء تسقط على الأرض بكثرة فتزيد في قشرتها الباردة ، ثمّ الغازات الّتي تتّحد مع العناصر الاُخرى فتزيد في أحجامها ، مثَلاً غاز الأوكسجين يتّحد مع الحديد فيزيد في حجمهِ مكوّناً أوكسيد الحديد ، وغاز ثاني أوكسيد الكاربون يتّحد مع الكلس فيزيد في حجمهِ مكوّناً كاربونات الكالسيوم ، وهكذا أخذت القشرةُ الأرضيّة تزداد شيئاً فشيئاً بواسطة الغازات والأحجار الساقطة من الفضاء والذرّات والأمطار حتّى أصبحت صالحة للسُكنى

(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ) أي جبالاً للتوازن لئلاّ تتمايل وتدور بغير انتظام ، ولتكون الجبال علامات لكم في الأرض لئلاّ تضلّوا الطريق ، ولتبريد الجوّ وقت الصيف ، ولمنافع اُخرى (وَأَنْهَارًا) تجري لمنافعكم فمنها شربكم وفيها تسير سُفنُكم ومن مائها تسقون أنعامكم وبساتينكم ومزارعكم ولولا الماء لم تبقَ حياة على أرضكم (وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ) جعل في أشجارِكم فتأكلون منها وتدّخِرون منها لوقت شتائكم وتستخرجون منها شراباً وزيتاً لغذائكم و (جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) ذكراً واُنثى ، ليتمّ التلقيح وتنشأ الثمرة (يُغْشِي اللّيل النَّهَارَ ) بظلامهِ ، وذلك بسبب دوران الأرض حول محورها ، فجعلنا اللّيل لأجل منامكم وراحتكم بالنوم إذ لولا النوم لهلكتم من التعب (إِنَّ فِي ذَلِكَ ) الّذي ذكرناهُ (لَآيَاتٍ) أي لعلامات بيّنة ودلالات واضحة على أنّ للكون خالقاً قادراً عليماً خلق هذه الأشياء لمنافعكم فيجب عليكم أن تشكروهُ وتعبدوهُ على هذه النِعَم (لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) فيها وفي صُنعتها ، أمّا الغافلون فلا يُفكّرون فهم كالبهيمة المربوطة همّها عَلَفُها

4 - (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ ) من غير الأرض (مُّتَجَاوِرَاتٌ) في المكان ، أي جاورَ بعضها بعضاً ، وهي النيازك الّتي سقطت على الأرض فصارت جبالاً ، ولَمّا هطلت عليها الأمطار طلعَ فيها نبات (وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ ) يعني وصار فوق تلك الجبال بساتين من أعناب (وَ) في الأرض (زَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ ) "الصنوان" هو الفسيل الّذي ينبت حول النخلة من غير نواة تُزرَع ، ويُسمّى عندنا في العراق "تال" ومفردها "تالة" ويُسمّى في الأندلُس وغيرها من الأقطار العربيّة "صِنوان" ومفردها "صِنو" ، ومن ذلك قول شاعرهم :

                               لَيالِيَ يُدْنِيْنَا جَوابٌ أعادَنا        مِنَ القُرْبِ كَالصِّنْوَينِ ضَمَّهُمَا سَاقُ

والنوع الآخر من النخيل يتكوّن من نواةٍ تُزرَع ، وهذا معنى قوله تعالى (وَغَيْرُ صِنْوَانٍ ) ، والكلّ من الأشجار والنبات والنخيل (يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ) يعني في الأكل ، فهذا حامض وذاك حلو وتلك مالحة وهذهِ مُرّة ، وهكذا يختلف طعمها وألوانها ورائحتها وأحجامها مع أنّ الأرض والماء والهواء والمناخ في القطر واحد ولكنّ الأثمار تختلف ، فلو كان هذا من عمل الطبيعة كما يتوهّمون لكان الجميع على نسقٍ واحد ولون واحد وطعم واحد (إِنَّ فِي ذَلِكَ ) الأكل من أنواع الأثمار (لَآيَاتٍ) أي لعلاماتٍ واضحة على أنّ لها خالقاً خلقها وعالِماً أتقنَ صُنعتها (لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ويُفكّرون .

------------------------------------
<<السورة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم