كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الرعد من الآية( 40) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

40 - (وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ ) يا محمّد (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ) من العذاب ، وهو الذُلّ لهم بالأسرِ والقتل في الدنيا . فكلمة "ما" هُنا بمعنى الّذي ، فيكون المعنى : إنّ الّذي نُريك من العذاب للمشركين هو قليل في الدنيا بالنسبة للآخرة (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ) فترى بنفسكَ ما وعدناهم بهِ من العذاب وكيف يستغيثون (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ) يعني وعلينا عِقابهم في الآخرة فلا يهمّك تكذيبهم .

41 - (أَوَلَمْ يَرَوْا ) هؤلاء المشركون المعاندون (أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ ) بالخراب والعذاب وبذلك (نَنقُصُهَا) أي ننقصُ حجم الأرض بالتقطيع وننقصُ أهلها بالموت والطاعون . وقد قطّعها سُبحانهُ في الماضي إلى تِسع قِطع بعد ما كانت أرضاً واحدة فصارت تلك القِطع كواكب سيّارة ، وبذلك تجزّءت ونقص حجمها ، وذلك قوله تعالى في سورة الأنبياء {أَوَلَمْ يَرَ الّذينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } ، يعني الكواكب السيّارة مع الأرض كانت أرضاً واحدة فشقّقها وجعلها قِطعاً كثيرة . ولَمّا كانت تلك القِطع غير كرويّة في بادئ الأمر بل لها أطراف وزوائد إنفصلت أطرافها منها بسبب دورانها حول نفسها وحول الشمس أيضاً فصارت تلك الأطراف أقماراً تنيرُ لها ، وذلك معنى قوله تعالى (مِنْ أَطْرَافِهَا ) وبذلك نقصت أحجامها أيضاً .

ثالثاً : إنّ الغازات والمواد المنصهرة التي تخرج من البراكين تُسبّب فراغاً في جوف الأرض وبذلك يتقلّص وجه الأرض شيئاً فشيئاً وتتكسّر قِشرتها الباردة ، وبذلك تتكوّن الجبال السلسليّة المستَطيلة ويصغر وجه الأرض . وأخيراً تتقطّع الأرض إلى قِطع صغيرة وتنتثر في الفضاء ، وذلك قوله تعالى في سورة الحاقّة {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } ، أي فتهدّمتا دفعةً واحدة . وهذا الحادث الأخير يكون يوم القيامة . والمعنى : من قدرَ أن يُمزّق الأرض على سِعتها ويُقطّعها إلى قِطَع صغيرة ، أليسَ هو على إهلاك المشركين وتمزيق أجسامهم أقدر؟ (وَاللّهُ يَحْكُمُ ) على المشركين بالسجن المؤبّد في جهنّم (لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ) أي لا رادّ لقضائِهِ ولا دافعَ لعذابهِ (وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) أي سريع العقاب .

42 - (وَقَدْ مَكَرَ الّذينَ مِن قَبْلِهِمْ ) مثل مكرهم بالرُسُل وبالمؤمنين وآذَوهم (فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا ) أي فللهِ إبطال مكرهم جميعاً . ونظيرها في سورة إبراهيم قوله تعالى {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ } يعني وعند الله إبطال مكرهم ، لأنّه (يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ) من إثمٍ ومكرٍ فيُخبر به رُسُلهُ وأنبياءهُ ليأخذوا الحذر من الكافرين (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ) الحسنة فحينئذٍ يندمون .

43 - (وَيَقُولُ الّذينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ) من الله (قُلْ) لهم يا محمّد (كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) أي تكفيني شهادةُ الله لي بأني مُرسل من عندهِ ، وشهادتهُ في القرآن وهو كلام الله (وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) فهو يشهد لي أيضاً بأنّي مُرسَل من الله . والكتاب يريد به الكتب السماويّة كالتوراة والزبور والإنجيل والقرآن ، والمعنى : ومَن عندهُ عِلم الكتب السماويّة وتفسيرها فهو يشهدُ لي ، وهو المهدي الذي يهدي الناس إلى طريق الحقّ . والحمد لله الذي أعطاني عِلم الكتاب وهداني إلى طريق الصواب إنّه هو الكريم الوهّاب .
                                                                                     
                                            تمّ بعون الله تفسير سورة الرعد ، والْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة السورة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم