كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة إبراهيم من الآية( 26) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

26 - (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) وهي كلمة الكفر والإلحاد وكلّ كلام باطل من كذب وشهادة زور (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) وهي كل شجرة ذات أشواك ولا تظلّ من يجلس تحتها عن الشمس وتغريك بثمرها فإذا قطفتَ من ثمرتها آذتكَ بشوكها ، ومن تلك الأشجار شجرة توت العلّيق التي أكل منها آدم وحوّاء فمزقت ثيابهما وخدشت أيديهما بشوكها وطُرِدا من الجنة بسببها (اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ) أي قُلِعت من الأرض ، لأنّ آدم قلعها ورمَى بها على الأرض وذلك لما أصابه من هموم بسببها ، وإنّما قال الله تعالى (مِن فَوْقِ الْأَرْضِ) ، ولم يقل من الأرض ، يعني قُلِعت من الجبل الذي فوق الأرض ، وقد ذكرتُ سابقاً بأنّ الجنة التي خلق الله تعالى فيها آدم وحواء كانت على جبل ، والجنة هي البستان .

(مَا لَهَا مِن قَرَارٍ) أي لم تستقرّ تلك الشجرة في مكانها على ساق واحد بل تمتد في جهات مختلفة فتارة يخرج فرعٌ منها عن يمينها وتارة عن شمالها وهكذا تنتشر في الأرض فتؤذي الناس بشوكها . وهذا مثل ضربه الله تعالى في المنافقين الذي يغوون بكلامهم المنمّق وكذبهم المُرتّب فيوقعوهم في المهالك حتى إذا ظهر للناس كذبهم وبان دجَلهم غيّروا كلامهم وقالوا لم نقل هذا بل قلنا كذا ، وأخذوا يغيرّون المعنى ، فهم كذّابون لم يستقر لقولهم قرار ، وفيهم قال الشاعر :

                             يُعطيكَ من طَرَفِ اللسانِ حلاوةً      ويروغُ عنكَ كما يروغُ الثعلبُ

27 - (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) الذي لا يتغيّر (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) وذلك من فضل الله عليهم ، وذلك قولهم الحمد لله ربّ العالمين ، ففي الدنيا يقولون الحمد لله الذي هدانا للإسلام فأسلمنا وآمنّا ، وكذلك في الآخرة يقولون الحمد لله الذي هدانا إلى طريق الجنة وأنقذنا من النار ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة يونس{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ،

وقوله (وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) يعني الذين يظلمون الناس ويغصبون حقوقهم يُضلّهم الله عن طريق الحق ، أما الذين آمنوا فهم رُحماء ولذلك هداهم الله إلى طريق الحق (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) مع الفريقين يوم القيامة من خير ونعمة للمؤمنين ، وشر ونقمة للظالمين ، فكونوا رحماء فيما بينكم يا أولاد آدم كي تنالوا رحمة ربّكم وتنجوا من عقابه .

28 - (أَلَمْ تَرَ إِلَى) ملوك اليهود ورؤسائهم (الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا) فبعد أن أنجاهم الله من فرعون وأنقذهم من استعباده وأسكنهم أرض كنعان وجعلهم ملوكاًكفروا بتلك النعم فبدل أن يأمروا قومهم بالتقوى والصلاح صاروا يجبرونهم على عبادة الأصنام وقتل الأنبياء والزهّاد الذين يأمرون بالمعروف ، وغيّروا شريعة النبي موسى ( وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) أي واسكنوا قومهم في الآخرة دار الفراغ ، يعني خالية من الخيرات ، تقول العرب "هذه أرض بور" أي خالية من النبات والأشجار ، ومن ذلك قول لبيد بن ربيعة :

                           لا يَطْبَعُـوْنَ وَلا يَبُوْرُ فَعَالُهُـمْ ..... إِذْ لا يَمِيْلُ مَعَ الْهَوَى أَحْلامُهَا

فقول الشاعر "ولا يبور فعالهم" يعني لا تخلو فعالهم من الخيرات . ثم بيّن سبحانه ما هي دار البوار فقال :

29 - (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) مقرّهم فيها .

30 - (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا) أي أضداداً ، وهي تماثيل يعبدونها (لِّيُضِلُّوا) قومهم (عَن سَبِيلِهِ) أي عن طريق الحق (قُلْ) يا محمد لذريّة هؤلاء اليهود المعاصرين لك (تَمَتَّعُوا) في دنياكم بالأموال والأولاد (فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) في الآخرة لأنكم اتّبعتم نهج ملوككم ورؤسائكم .

وإليك ماجاء في مجموعة التوراة من صناعتهم للتماثيل والأصنام التي عبدوها من دون الله ، فقد جاء في سفر الملوك الأول في الإصحاح الثاني عشر ما يلي "وقال يربُعام77 في قلبه الآن ترجع المملكة إلى بيت داود إن صعد الشعب ليقرّبوا ذبائح في بيت الرب في أورشليم يرجع قلب هذا الشعب إلى سيدهم إلى رحبعام بن سليمان ملك يهوذا ويقتلونني ، فاستشار الملك وعمل عجلَي ذهبٍ وقال لهم بعيدٌ عليكم أن تصعدوا إلى أورشليم ، هوذا آلهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر . ووضع واحداً في بيت إيلَ ، وجعل الآخر في دانَ ، وكان هذا الأمر خطيئة ، وكان الشعب يذهبون إلى أمام أحدهما حتى إلى دانَ ، وبنى بيتَ المرتفعات وصيّر كهنةً من أطراف الشعب لم يكونوا من بني لاوي ، وعمل يربعام عيداً في الشهر الثامن كالعيد الذي في يهوذا واصعدوا على المذبح ، هكذا فعل في بيت إيلَ بذبحه للعجلين اللذين عملهما" .

31 - (قُل) يا محمّد (لِّعِبَادِيَ الّذينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ ) على الفقراء والمساكين (مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ ) أي لا تبادل فيهِ كما يتبادلون سِلعةً بسلعة (وَلاَ خِلاَلٌ ) أي ولا صداقة ومحبّة بين الكافرين ، فالخلال جمع خِلّة ، والشاهد على ذلك قولُ امرئ القيس :

                          صَرَفتُ الهَوى عَنهُنَّ مِن خَشيَةِ الرَدَى      وَلَستُ بِمُقليِّ الخِلالِ وَلا قالِ

ومثلها في سورة الزخرف قوله تعالى {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } ، فالأخلاّء جمع خليل وهو من تُحبّهُ ويُحبّك . ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة البقرة {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ } .

32 - (اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) أي الكواكب السيّارة ومن جُملتها الأرض (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً ) يعني المطر (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ ) أي السُفُن (لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ ) تجري مياهها لمنافعكم .

33 - (وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ ) أي دائمَينِ في الحركة ، لأنّ الشمس تدور حول نفسها ، والقمر يدور حول الأرض ، والأرض تدور حول الشمس (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللّيل وَالنَّهَارَ ) بواسطة دوران الأرض حول محورها ، فالجهة الّتي تقع عليها أشعّة الشمس تكون نهاراً ، والجهة الاُخرى تكون ليلاً .

------------------------------------

77 :كان يربعام بن ناباط عبداً لسليمان ، وهو إفرائمي من بلدة صردة ، فأقامه سليمان على كلّ أعمال بيت يوسف ، ثم تمرّد على سليمان وذهب إلى مصر ، فقرّبه ملك مصر وأعطاه ، ولَمّا مات سليمان رجع يربعام من مصر إلى أورشليم وحارب رحبعام بن سليمان متنافساً معه على المملكة ، واخيراً انقسمت بينهما .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم