كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة النحل من الآية( 11) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

11 - (يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ) أي دلالةً واضحة على خالقٍ خلق هذهِ الأنعام والأشجار والأثمار والنباتات وكلّها لمنافعكم فيجب أن تشكروهُ على هذهِ النِعم الّتي أنعمَ بها عليكم ولا تعبدوا غيرهُ إذ لا يستحقّ العِبادة غير الله الّذي بيّنَ آياتهِ (لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) في هذه المخلوقات فيشكروا خالقها .

12 - (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللّيل وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ ) فتضيء لكم ليلاً (مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ ) التسخير (لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) فيُفكّرون ويدرسون عِلم الفلك .

13 - (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ ) أي وما خلقَ ونشرَ لكم في الأرض من نبات وحيوان (مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ) وأجناسهُ لا يشبهُ بعضهُ بعضاً من نبات وأزهار وأثمار ولا يمكن حصرها وعدّها (إِنَّ فِي ذَلِكَ ) النبات والأزهار والحيوان (لآيَةً) على أنّ لها خالقاً خلقها وعالِماً أبدعها (لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ) أي يتّعِظون .

14 - (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ ) أي ذَلّلَهُ لكم وسهّلَ لكم الطريق إلى ركوبهِ واستخراج ما فيهِ من المنافع (لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا ) وهو السمك (وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ) هي اللّؤلؤ والمرجان (وَتَرَى الْفُلْكَ ) أي السُفُن والبواخر (مَوَاخِرَ فِيهِ ) أي جواري فيهِ بذهاب بعضها وإياب البعض الآخر ، تمخرُ الماء أي تشقّهُ بسيرها ولها أصوات من جرّاء اصطدامها بالماء والرياح (وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ) أي لتركبوها للتجارة وتطلبوا بذلك الرزق من فضلهِ (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) الله على هذه النِعم .

15 - (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ ) هي الجبال ، وإنّما قال تعالى (وَأَلْقَى) لأنّ أوّل جبال صارت على الأرض كانت نيازك سقطت على الأرض فصارت جبالاً ، وقد شرحتُ عن الجبال وأقسامها في كتابي الكون والقرآن شرحاً وافياً (أَن تَمِيدَ بِكُمْ ) يعني لئلاّ تتمايل الأرض وتضطرب بكم ،  ومن ذلك قول عنترة :

                             مُنَعَّمةُ الـأَطْرافِ خَوْدٌ كأَنَّها      هِلالٌ على غُصْنٍ من البانِ مائِدِ

أي مائِلِ .  والمعنى : جعل الله الجبال توازناً للأرض لتسير على نظام حول محورها وحول الشمس (وَ) جعل فيها (أَنْهَارًا وَسُبُلاً ) أي طُرُقاً (لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) إلى أماكنكم وإلى البلد الّذي تريدون الوصول إليهِ .

16 - (وَعَلامَاتٍ) يعني وجعل في الأرض علامات من تلول وجبال ووِديان وتغيير بُقعة الأرض من ترابيّة إلى رمليّة إلى حجريّة وإلى غير ذلك لئلاّ تضلّوا الطريق ولتهتدوا بها إلى أماكنكم (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) ليلاً إلى أماكنهم وإلى البلد الّذي يقصدونهُ ، فإنّ العرب الرُحّل إذا ساروا ليلاً في الصحارى يهتدون بالنجوم الثوابت في طريقهم حتّى يصلوا المكان الّذي يُريدونهُ ،  والشاهد على ذلك قول لبيد :

                            وعانٍ فكَكْتُ الكَبلَ عنه ، وسُدفةٍ      سَرَيْتُ وأصحابي هَدَيتُ بكوكبِ
                             سَرَيتُ بهِمْ حتّى تغيَّبَ نَجمُهُمْ      وقال النَّعُوسُ نَوَّرَ الصُّبحُ فاذهبِ

وقال علقمة بن النعمان يُخاطب الحارث بن جبلة وقد قصَدهُ ليلاً على ناقتهِ :

                              هَدانِي إِلَيْكَ الفَرْقَدانِ وَلاحِبٌ      لَهُ فَوْقَ أَصْواءِ المِتانِ عُلُوبُ

والفرقدان من النجوم الثوابت .

17 - (أَفَمَن يَخْلُقُ ) هذه الأشياء (كَمَن لاَّ يَخْلُقُ ) شيئاً وهم الّذينَ جعلتموهم شُركاء لله في العبادة (أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) يعني أفلا تتّعِظون؟

18 - (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ) عدَداً لكثرتها (إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ ) لمن يشكر نِعم الله عليهِ فينفق منها على الفقراء والمساكين (رَّحِيمٌ) بمن يرحم الضعفاء والمحتاجين .

19 - (وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ ) في صدوركم من نوايا (وَمَا تُعْلِنُونَ ) بين الناس فاحذروا ولا تخالفوا أوامرهُ .

20 - (وَالّذينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ ) يعني ملوكهم ورؤساءهم الموتَى الّذينَ اتّخذوا لهم تماثيل فعبدوها من دون الله (لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا ) مِمّا هو على وجه الأرض (وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) أي يُخلَق لهم أحفاد وذرّيّات جيلاً بعد جيل . وقد سبق تفسير مِثل هذه الآية في سورة الأعراف في آية 191 ، ثمّ قال تعالى :

21 - (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ) يعني ملوكهم الّذينَ اتّخذوا لهم تماثيل وعبدوها هم أموات ، يعني أرواح لا تتمكّن من شيء لكي تُساعدهم أو تنصرهم على أعدائهم (وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) للحساب ، يعني وما تشعر تلك النفوس متى تبعث للحساب ، ومن كان كذلك فكيف يرجون شفاعتها ويعبدونها من دون الله ؟

وقد أعاد التاريخ نفسه في هذا العصر فأصبحت أكثر الناس تعبد الأموات من مشايخ وأئمّة وعلماء ويقدّسون قبورهم وينذرون لهم ويسألون حوائجهم من هؤلاء الأولياء الأموات وأشركوهم مع الله في العبادة ، هذا مع عِلمهم بأنّ الأولياء لم يخلقوا شيئاً مِمّا في الأرض ولا يعلمون متَى يُبعثون للحساب .

22 - (إِلَهُكُمْ) أيّها الناس (إِلَهٌ وَاحِدٌ ) فلا تعبدوا غيره ولا تسألوا حوائجكم إلاّ منهُ (فَالّذينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ) يعني بالحياة الأخيرة الروحانيّة (قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ ) أي جاحدة للحقّ (وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ) عن الانقياد إليهِ .

23 - (لاَ جَرَمَ ) أي لا ريبَ ، وقد سبق معناها في سورة هود (أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ) فيُعاقبهم على أقوالهم وأفعالهم (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ) .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم