كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الكهف من الآية( 13) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

13 - (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم ) أي خبرهم وقصّتهم (بِالْحَقِّ) أي بالقول الحقّ (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ) أي جماعة من الشباب (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ ) لا يشركون بهِ (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) أي زدناهم بصيرة في دينهم ورغبةً في الثواب عليه .

14 - (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ ) هذا مثَل يُضرب في قوّة القلب وشِدّة العزيمة (إِذْ قَامُوا ) من بلادهم وهربوا من الملِك المشرِك الّذي يأمر بعبادة الأوثان (فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) الّذي خلقهنّ (لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا ) أي لن نتّخذ غيره معبوداً (لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) يعني إن دعَونا مع الله إلاهاً آخر فلقد قلنا قولاً باطلاً بعيداً عن الحقّ ، فالشطّ هو البُعد ، ومن ذلك قولُ أعشى ميمون:

                              هَلْ تَنْتَهُونَ ولَا يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ      كالطَّعْنِ يَذْهَبُ فِيهِ الزَّيتُ والفُتُلُ

وقال حسّان بن ثابت الأنصاري:
                                   دَارها إذْ تَقُولُ ما لابْنِ عَمْرٍو      لَجَّ مِنْ بَعْدِ قُرْبِهِ في شَطاطِ

أي في بعادِ .

15 - (هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ ) أي من دون الله (آلِهَةً) يعبدونها (لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم ) يعني على عبادتهم182 (بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ) أي بدليل بيّن وحُجّةٍ ظاهرة (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) فزعمَ أنّ لهُ ولداً أو شريكاً في العبادة . ثمّ قال رئيس الفتية لأصحابه وهو تمليخا :

16 - (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ) يعني ولَمّا اعتزلتم قومكم المشركين ونجوتم من شرّهم (وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ) يعني واعتزلتم الموحِّدين أيضاً وابتعدتم عنهم . وكانوا نصارى موحِّدين (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ) أي إجعلوهُ مأواكم لئلاّ يظفر بكم الملك فيقتلكم (يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ) فتشربون منها ، يعني المطر (ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا ) أي يُهيّئ لكم رفيقاً يأتيكم بما تحتاجون إليهِ من طعام وشراب وغير ذلك فهيّأ الله لهم راعي الغنم فرافقهم .

17 - (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ) أي تميل وقت طلوعها عن كهفهم إلى جهة اليمين ، ومن ذلك قول كعب بن زُهير يصف ناقتهُ :

                               فإذا رَفَعْتُ لها اليَمِينَ تزاوَرَتْ      عن فَرْجِ عُوجٍ بينهُنَّ خَلِيفُ

(وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ) أي تقطعهم مسافة عن كهفهم وتتركهم (ذَاتَ الشِّمَالِ ) يعني مرّة تكون عن يمين الكهف ومرّة عن شمالهِ فلا يصيبهم من حرارتها (وَهُمْ) نائمون (فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ) أي في فسحةٍ من الكهف تَسَعُهم (ذَلِكَ) الّذي نالهم في الكهف من النوم سنين معدودة (مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ) الدالّة على قدرته (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ) لا يقدر أحد أن يًضلّهُ (وَمَن يُضْلِلْ ) يعني ومن يُضْلِلْهُ الله (فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا ) يُرشدهُ إلى طريق الحقّ .

18 - (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا ) يعني لو رأيتهم لحسبتهم مُنتبهين (وَهُمْ رُقُودٌ ) أي نيام ، ومن ذلك قولُ امرئ القيس :

                            تَطَاوَلَ لَيْلُكَ بالأثْمُدِ      ونَامَ الخَلِيُ وَلَمْ تَرْقُدِ

وقال الأعشى :
                         أَجِدَّكَ لَمْ تَغْتَمِضْ لَيْلَةً      فتَرْقُدَها مَع رُقَّادِها

وقال عنترة :
                حرامٌ عليَّ النومُ يا ابنةَ مالِكٍ      ومَنْ فَرْشُهُ جَمْرُ الغَضَا كَيْفَ يَرْقُدُ

(وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) معناهُ ونقلّبهم تارةً عن اليمين إلى الشمال وتارةً عن الشمال إلى اليمين (وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) أي بالمسلك المؤدّي إلى الفجوة ، يعني بين الباب وبين الفجوة ، فالوصيد مكان سدّ الباب ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الهمزة {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } أي مُطبَقة (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ ) أيّها السائل عنهم (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ ) أي لأدبرتَ عنهم ممّا يُصيبك من الخوف (فِرَارًا) عنهم (وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ) فإنّ الله تعالى ملأ الكهف رُعباً ووحشةً لئلاّ يدخل عليهم أحد فيؤذيهم .

19 - (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ ) يعني كما فعلنا بهم الاُمور العجيبة وحفظناهم تلك المدّة المديدة بعثناهم من سُباتهم (لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ ) عن حالهم ومدّة لبثهم ، فإذا علموا بها ازدادوا يقيناً واعتقاداً بقدرة الله تعالى (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ) في نومكم (قَالُوا) أصحابهُ (لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) فلمّا نظروا إلى طول أظفارهم وشعرهم أحالوا العِلم إلى الله (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ) وكانت مدّة نومهم سنين معدودة ، يعني ما بين العشرين والثلاثين ، قالوا (فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ ) أي بفضّتكم ، ومن ذلك قول الخنساء :

                              لو كانَ يُفدَى لكانَ الأهلُ كلُّهُمُ      وما أثمرَ من مالٍ وأوراقِ

وهي الدراهم وكان عليها رسم الملِك المشرِك الّذي كان في زمن هروبهم منه (إِلَى الْمَدِينَةِ ) القريبةِ منّا (فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا ) يعني أطهر وأحسن طعاماً (فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ ) أي من الطعام (وَلْيَتَلَطَّفْ) في القول فلا يُنازع البائع (وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ) أي لا يخبر بكم ولا بمكانكم أحداً من أهل المدينة .

------------------------------------

182 :وإنّما قال تعالى (عَلَيْهِم) ولم يقل "عليها" ، لأنّهم اتّخذوا من البشر آلهة فقالوا هذا إبن إلاه الخير وهذا إبن إلاه الشر وذلك إبن إلاه المطر ، وهكذا اتّخذوا من البشر آلهة كما اتّخذ النصارى [بعد ذلك ] المسيح إبن الله وعبدوه .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم