كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
138 - (صِبْغَةَ اللّهِ ) الصبغ هو تحسين الشيء وتلوينه ، يقال "صَبُغَ ضرع الناقة" ، يعني امتلأ لبناً وحسُنَ منظرهُ ، و"أصبغ النخلُ" يعني نضجَ بُسْرُهُ فحسُنَ لونهُ ، ومن ذلك قول اُميّة :
في صِبْغَةِ اللهِ كانَ إذْ نَسِيَ ال === عَهْدَ وخَلَّى الصَّوابَ إذْ عَرَفَا
فقول الشاعر "في صِبغةِ اللهِ كانَ" يعني كان في ريعان شبابه لَمّا نسِي العهدَ ، أي لَمّا صبغهُ الله بماء الشباب وحسّنَهُ بِرَيعانِه . والآية معطوفة على ما تقدّم من قوله تعالى {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ..الخ} ، وتقديره : وقولوا إنّ الشريعة الّتي نحنُ عليها هيَ صبغة الله ، أي حسّنها الله لنا وزيّنها في قلوبنا حتّى هدانا لها ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الحجرات {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ } .
(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً ) أي لا أحد أحسن من الله صبغة (وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ ) أي وقولوا نحن لله عابدون ولا نعبد غيره .
139 - (قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ ) يعني أتجادلوننا في دين الله (وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ) يعني وهو الّذي وجّهنا إلى هذا الدين وعلّمنا إيّاهُ وكذلك أنتم (وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ) يعني لا نُسألُ عمّا تعملون ولا تُسألون عمّا نعملُ (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ) بالعبادة فلا نعبُدُ غيره كما عبدتم .
140 - (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى ) يعني تقول اليهود كانوا على دين اليهوديّة ، وتقول النصارى كانوا على دين النصرانيّة (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ ) فسيقولون الله أعلمُ ، فقل إنّ الله تعالى أوصَى جميع الأنبياء بالتوحيد ونبذ الأصنام والأوثان وكذلك أوصاكم في التوراة وأشهدكم على أنفسكم ، فكتمتم شهادة الله الّتي أودعها عندكم ولم تُذكّروا بها أولادكم حتّى نسوها فأشركوا بالله وعبدوا البعل وعشتاروث وعِجلَينِ من ذهب والشِّعرى اليمانيّة وغير ذلك (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ ) الّتي أخذها عليهم أنبياؤهم وأخذوا عليهم العهد والميثاق بأن يُعلّموا أولادهم ويذّكروهم بها جيلاً بعد جيل ، ولكنّ علماءهم كتموا تلك الشهادة ولم يُذكّروهم بها طمعاً بالمال وخوفاً من ملوكهم المشركين (وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) يا أحبار اليهود .
وإليك ما جاء في مجموعة التوراة من قصّة العهد الّذي أخذهُ الله على بني إسرائيل والشهادة الّتي أشهدهم بها على أنفسهم بأن يعبدوا الله وحده ولا يُشركوا بهِ شيئاً ، أذكرها باختصار ، فقد جاء في سِفر يشوع في الإصحاح الرابع والعشرين قال يشوع مخاطباً بني إسرائيل
[ وإذا تركتم الربَّ وعبدتم آلهةً غريبةً يرجعُ فيسيء إليكم ، فقال الشعبُ ليشوعَ لا بل الربّ نعبُدُ ، فقال يشوع للشعبِ أنتم شُهودٌ على أنفسكم أنّكم اخترتم لأنفسكم الربَّ لتعبدوهُ ، فقالوا نحنُ شهودٌ ، فالآن إنزعوا الآلهة الغريبة الّتي في وسطكم وأميلوا قلوبكم إلى الربّ إلاهِ إسرائيل ، فقال الشعبُ ليشوع : الربّ إلاهنا نعبُدُ ولصوتهِ نسمعُ ، وقطعَ يشوعُ عهداً للشعبِ في ذلك اليوم وجعل لهم فريضةً وحُكماً في شكيمَ ، وكتبَ يشوعُ هذا الكلام في سِفر شريعة الله ، وأخذَ حجراً كبيراً ونصبهُ هناك تحت البلّوطةِ الّتي عند مقدس الربِّ ، ثمّ قال يشوع لجميع الشعب إنّ هذا الحجر يكون شاهداً عليكم لئلاّ تجحدوا إلاهكم ، ثمّ صرف يشوعُ الشعب كلّ واحدٍ إلى مُلكهِ . ]
141 - (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ) أي قد مضت وانتقلت إلى عالم الأثير (لَهَا) جزاء (مَا كَسَبَتْ ) من حسنات أو سيّئات (وَلَكُم) جزاء (مَّا كَسَبْتُمْ ) أيّها اليهود (وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) بل كلّ إنسان مسؤول عن عملهِ .
142 - (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ ) أي من أهل مكّة (مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا ) وذلك لَمّا أدار النبيُّ بوجههِ في الصلاة من بيت المقدس إلى الكعبة ، فقال المنافقون والمشركون لقد رغبَ محمّد عن قِبلةِ آبائهِ ثمّ رجع إليها (قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) فإلى أين تتوجّهون في صلاتكم فهو يراكم ويسمعكم (يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) .
143 - ثمّ خاطبَ أهل مدينة يثرب فقال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) الآية معطوفة على ما سبق من قوله تعالى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً } ، وتقديرها : كما جعلنا البيت مثابةً للناس وأمناً ، كذلك جعلناكم يا أهل المدينة أمةً وسطاً ، يعني جعلناكم عقلاء أذكياء ، فالوسط معناه الذكيّ الفاهم ، والدّليل على ذلك قوله تعالى في سورة القلم {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُون َ} يعني قال أذكاهم وأعلمهم . ومن ذلك قول زُهير :
هُمُ وَسَطٌ يَرْضَى الأَنامُ بِحُكْمِهِمْ إذا نَزَلَتْ إحْدَى اللَّيالِي بِمُعْظَمِ
فالآية خاصّة بمدح الأنصار كما مدحهم في سورة الحشر فقال تعالى {وَالّذينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } .
ثمّ بيّنَ سُبحانهُ لأيّ سبب جعلهم أمةً وسطاً ، فقال (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ) أي لتكونوا شهداء على الكافرين من أهل مكّة ، فكلمة "ناس" يقصد بها أهل مكّة (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) إن تغيّرتم ، يعني إن تغيّر بعضكم في المستقبل ونافقَ كعبد الله بن اُبيّ وأصحابه ، فيشهد عليكم الرسول يوم القيامة .
وقوله تعالى (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ) أي جعلناك تترك القبلة التي كنت عليها وتتّجه إلى الكعبة لنعلمَ من يتّبع الرسول في ذلك مِمّن ينقلب على عقبيه ولا يتّبع (وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً ) أي وإن كانت تلك التحويلة من بيت المقدس إلى الكعبة تشقُّ عليكم وتعظم لأنّ من تعوّد شيئاً يعظم عليه تغييره (إِلاَّ عَلَى الّذينَ هَدَى اللّهُ ) أي ولكنّ الّذينَ هداهم الله لا يشقّ ذلك عليهم لأنّهم يمتثلون أمر الله ويسمعون كلام النبيّ ويُطيعون ما أمِروا به (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) يعني ليضيع أجر تصديقكم وإطاعتكم أمر ربّكم (إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |