كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 144) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

144 - في بدء الأمر كره النبيّ أن يصلّي نحو الكعبة لأنّ الأصنام كانت تحيط بِها ، وأراد أن تكون صلاته خالصة لله ، ولئلاّ يتوهّم أحد من قريش أنه يسجد للأصنام ، فلذلك أخذ النبيّ يتّجه بصلاتهِ نحو بيت المقدس ، وكان ذلك باختياره ولم يكن بأمرٍ من الله . وبقي على ذلك سنوات ، فلمّا عابت اليهود المسلمين في ذلك وقالوا لو لم يكن ديننا أحقّ من دينهم ما صلّوا نحو قبلتنا ، فحينئذٍ سأل النبيّ من الله أن ينزّل إليه أمراً في ذلك هل يبقَى على قِبلة المقدس أم يتّجه نحو الكعبة ، فلمّا صار اللّيل خرج النبيّ خارج المدينة وهو يقلّبُ طرفهُ نحو السماء مُنتظراً أن تنزل عليه آية في ذلك . ولَمّا لم ينزل عليه شيء في تلك اللّيلة رجع إلى داره ، وفي الغد نزلت هذهِ الآية (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء ) لانتظار الوحي في أمر القِبلة (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ) أي فلنصرفنّكَ إلى قِبلةٍ ترضَى بِها (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) أي حوّل وجهك نحو الكعبة (وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ ) أيّها المسلمون من الأمكنة (فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ ) أي نحوهُ ، ومن ذلك قول كعب بن زُهير :

                             إذا ما أتَتْهُ الريحُ مِنْ شَطْرِ جانِبٍ      إلى جانبٍ حازَ التُّرابَ مَهَارِقُهْ

(وَإِنَّ الّذينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ ) يعني علماء اليهود (لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ) أي يعلمون أنّ القرآن حقّ وهو منزّل من ربّهم ، لأنّ أمر تحويل القبلة مذكور عندهم وقد أخبرتهم بذلك أنبياؤهم بأنّ النبيّ الّذي يأتي آخر الزمان يُصلّي نحو القِبلتين ، ولكنّهم يخفون ذلك حسداً منهم (وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) أي عمّا يعمل اليهود مع النبيّ من المكرِ والحسد .

145 - فلَمّا أدارَ النبيّ بوجههِ إلى الكعبة واتّخذها قِبلة ، قالت اليهود : "لقد ترك محمّد بيت المقدس الذي بناه داوُد وسُليمان واتّخذ الكعبة قِبلةً !" فقال النبيّ : "إنْ كان داوُد وسُليمان وقومُهما بنَوا بيت المقدس فإنّ الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل ، وإبراهيم أبو الجميع ، فهلاّ يتبعون قِبلةَ أبيهم وهي أقدم من بيت المقدس؟" فنزلت هذه الآية (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الّذينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ ) يعني المعاندين من اليهود والنصارى (بِكُلِّ آيَةٍ ) أي بكلّ بيّنةٍ (مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ ) يا محمّد لأنّ من تعوّد شيئاً يصعب عليه تغييره و تبديله (وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ) أي وكذلك أنتَ لا يهوى قلبك قِبلتهم بل تهوى قِبلة آبائك وأجدادك وهي الكعبة ، وإنّما صلّيت نحو قبلتهم اضطراراً لأنّك وجدت الأصنام تحيط بالكعبة ، ولَمّا كسّرتَ الأصنام وطهّرتَ الكعبة منها ، صار قلبك يهواها ولا يهوى الصلاة نحو بيت المقدس (وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) يعني فلا اليهود تهوى قِبلة النصارى ولا النصارى تهوَى قِبلة اليهود ، فاليهود يُصلّون نحو بيت المقدس ، والنصارى يُصلّون نحو المشرق وبعضهم لا يتّجه إلى قِبلة ، والصابئة يُصلّون نحو الجدي [نجمٌ في السماء ] ، (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم ) يا محمّد ، يعني لئن اتّبعت آراءهم وعقائدهم الفاسدة (مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ ) بالحقائق والوحي الذي أنزلهُ الله عليك (إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ) لنفسك ولقومك ، فإيّاك أن تتّبع أهواء اليهود والنصارَى .

146 - (الّذينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) يعني بذلك علماء اليهود (يَعْرِفُونَهُ) أي يعرفون الكتاب الّذي جاءَ بهِ محمّد هو حقٌّ (كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ ) قال عبد الله بن سلام : أنا أعلم به مني بابني ، قال عمر: ولِمَ ؟ قال : لأنّي لست أشكّ في محمّد أنّه نبيّ ولا في القرآن ، أمّا ولدي فلعلّ والدتهُ خانت ، فقبّل عمر رأسه .
(وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ ) أي من أهل الكتاب (لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ) حسَداً منهم وعِناداً (وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) أنّه نبيٌّ . وإنّما خصّ فريقاً منهم بكتمان الحقّ يريد بذلك علماءهم ولأنّ بعضهم أسلموا .

147 - (الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ) يا محمّد ، فالحقّ يريد به الوحي وهو كلام الله ، والدّليل على ذلك قوله تعالى في سورة الأنعام {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ } ، والمعنى : إنّ القرآن هو الدستور الحقيقي وإنّ التوراة لعبت بها الأيدي وغيّرت بها الأقلام فلا تتّبع أهواءهم واتركهم ولا تجادلهم . (فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) أي فلا تكن من المجادلين مع أهل الكتاب بل اتركهم ولا تجادلهم ومن ذلك قولهُ تعالى في سورة العنكبوت {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } .

148 - (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ) يعني لكلّ مِلّةٍ من اليهود والنصارى والصابئة والمسلمين قِبلةٌ الله موجّهُهم إليها (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ) أي تسابقوا إلى فعل الخيرات لتجدوها في الآخرة (أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا ) يعني حيثما متّم من البلاد يأتِ بكم الله إلى المحشر يوم القيامة (إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) لا يصعب عليه جمعكم .

149 - قال بعض المسلمين : "يا رسول الله فإنْ كنّا في سفر فإلى أين نتّجه في صلاتنا؟ هل يجوز أن نتّجه إلى بيت المقدس؟" فنزلت هذه الآية (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ) يا محمّد إلى مكان في سفَرك (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ ) أي التوجّه في الصلاة (لَلْحَقُّ) أي لله الحقّ ، والحقّ إسم من أسماء الله تعالى ، أمرٌ (مِن رَّبِّكَ ) ، والمعنى : إنّ التوجّه في الصلاة لله الحقّ هو أمرٌ من ربّك (وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) أيها الفاسقون المصلّون رياءً .

150 - لَمّا نزلت الآية الآنفة الذكر قال المسلمون : يا رسول الله هذه خاصّة بك وفي سفرك ، فما حكمنا نحن في السفر؟ فنزلت هذهِ الآية (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) أي لئلّا يكون للعرب عليكم حُجّة إذا تحاججتم معهم في أمر القِبلة (إِلاَّ الّذينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ) وهم الّذينَ يُحاربون النبيّ فهؤلاء لا يتحاجَجُون بل يُقاتِلون فلا تفيد معهم الأدلّة والمحاجَجة بل الحرب والقتال (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ ) في الحرب فإنّ الله ينصركم عليهم (وَاخْشَوْنِي) ولا تخالفوا أمري (وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ) بأن جعلت لكم قبلة خاصّة غير قبلة اليهود ولو بقيتم على قبلتهم لاستحقروكم وعابوكم (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) إلى عبادة ربّكم .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم