كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 146) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

146 - (الّذينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) يعني بذلك علماء اليهود (يَعْرِفُونَهُ) أي يعرفون الكتاب الّذي جاءَ بهِ محمّد هو حقٌّ (كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ ) قال عبد الله بن سلام : أنا أعلم به مني بابني ، قال عمر: ولِمَ ؟ قال : لأنّي لست أشكّ في محمّد أنّه نبيّ ولا في القرآن ، أمّا ولدي فلعلّ والدتهُ خانت ، فقبّل عمر رأسه .
(وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ ) أي من أهل الكتاب (لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ) حسَداً منهم وعِناداً (وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) أنّه نبيٌّ . وإنّما خصّ فريقاً منهم بكتمان الحقّ يريد بذلك علماءهم ولأنّ بعضهم أسلموا .

147 - (الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ) يا محمّد ، فالحقّ يريد به الوحي وهو كلام الله ، والدّليل على ذلك قوله تعالى في سورة الأنعام {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ } ، والمعنى : إنّ القرآن هو الدستور الحقيقي وإنّ التوراة لعبت بها الأيدي وغيّرت بها الأقلام فلا تتّبع أهواءهم واتركهم ولا تجادلهم . (فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) أي فلا تكن من المجادلين مع أهل الكتاب بل اتركهم ولا تجادلهم ومن ذلك قولهُ تعالى في سورة العنكبوت {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } .

148 - (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ) يعني لكلّ مِلّةٍ من اليهود والنصارى والصابئة والمسلمين قِبلةٌ الله موجّهُهم إليها (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ) أي تسابقوا إلى فعل الخيرات لتجدوها في الآخرة (أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا ) يعني حيثما متّم من البلاد يأتِ بكم الله إلى المحشر يوم القيامة (إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) لا يصعب عليه جمعكم .

149 - قال بعض المسلمين : "يا رسول الله فإنْ كنّا في سفر فإلى أين نتّجه في صلاتنا؟ هل يجوز أن نتّجه إلى بيت المقدس؟" فنزلت هذه الآية (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ) يا محمّد إلى مكان في سفَرك (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ ) أي التوجّه في الصلاة (لَلْحَقُّ) أي لله الحقّ ، والحقّ إسم من أسماء الله تعالى ، أمرٌ (مِن رَّبِّكَ ) ، والمعنى : إنّ التوجّه في الصلاة لله الحقّ هو أمرٌ من ربّك (وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) أيها الفاسقون المصلّون رياءً .

150 - لَمّا نزلت الآية الآنفة الذكر قال المسلمون : يا رسول الله هذه خاصّة بك وفي سفرك ، فما حكمنا نحن في السفر؟ فنزلت هذهِ الآية (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) أي لئلّا يكون للعرب عليكم حُجّة إذا تحاججتم معهم في أمر القِبلة (إِلاَّ الّذينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ) وهم الّذينَ يُحاربون النبيّ فهؤلاء لا يتحاجَجُون بل يُقاتِلون فلا تفيد معهم الأدلّة والمحاجَجة بل الحرب والقتال (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ ) في الحرب فإنّ الله ينصركم عليهم (وَاخْشَوْنِي) ولا تخالفوا أمري (وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ) بأن جعلت لكم قبلة خاصّة غير قبلة اليهود ولو بقيتم على قبلتهم لاستحقروكم وعابوكم (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) إلى عبادة ربّكم .

151 - (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ ) يعني جعلنا لكم قِبلة خاصّة كما أرسلنا لكم رسولاً خاصّاً بكم وهو منكم ، أي من العرب لكيلا تنفروا منه إن كان من غير لسانكم (يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا ) أي يقرأ عليكم آيات القرآن (وَيُزَكِّيكُمْ) أي يُطهّركم من الرذائل والأخلاق السيئة بتعاليمهِ وإرشاداتهِ (وَيُعَلِّمُكُمُ) أحكام (الْكِتَابَ) أي الأحكام الدينيّة الّتي في القرآن (وَالْحِكْمَةَ) أي ويعلّمكم الموعظة (وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) من قبل مبعثهِ من شتّى العلوم الدينيّة والدنيويّة .

152 - (فَاذْكُرُونِي) على الدوام بصلاتكم وتسبيحكم وقيامكم وقعودكم واضطجاعكم (أَذْكُرْكُمْ) بالخيرات وكثرة النِّعَم وأقضي حوائجكم (وَاشْكُرُواْ لِي ) عند كلّ نِعمةٍ تحصلون عليها وبعد كلّ ثمرةٍ تأكلونها وكلّ شرابٍ تشربونه وفي كلّ اُنسٍ وفرحٍ وطربٍ يكون لكم . واعْلَمْ أنّ الشُّكر لله نوعان الأوّل باللسان ، والثاني بالأعمال ، فالشكر على المال أن تُعطي من مالك للمحتاجين شكراً لله كما أعطاك ، والشكر على الصحّة والعافية أن تُساعد الضعفاء بقوّتك ، والشكر على الفرح أن تُفرّح بعض الأيتام والأرامل والمساكين بشيء من المال أو اللّباس ، وهكذا يكون الشكر بأن تقوم بعملٍ يُرضي الله فيكون مقام شكرٍ لله على ما أنعمَ بهِ عليك ، وقوله (وَلاَ تَكْفُرُونِ ) أي لا تنكروا نِعَم الله عليكم فتقولون ماذا أعطانا !

153 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ ) على أعدائكم (بِالصَّبْرِ) في قتالهم ولا تولّوا الأدبار (وَالصَّلاَةِ) أي الدعاء إلى الله بأن تسألوهُ أن ينصركم عليهم (إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) بالمعونة ، فينصركم على أعدائكم إن صبرتم في ميدان القتال .

154 - (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ) بهم لأنّهم نفوس أثيريّة ، والنفس هي الإنسان الحقيقي ، وما الجسمُ إلاّ قالب تكوّنت فيه النفس . وقد شرحتُ عن الأرواح و النفوس و الجن و الشياطين وعن الملائكة في كتابي الإنسان بعد الموت شرحاً وافياً فطالعهُ إن أردتَ زيادةَ إيضاح .

155 - (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أي نختبركم (بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) بحُسن العاقبة وبدخول الجنّة . والمعنى : نختبر بعضكم بشيء من الخوف وبعضكم بشيء من الجوع وبعضكم بنقص من الأموال وبعضكم بنقصٍ من الأنفس فنرى عل تصبرون أم تكفرون . ومثلها في سورة الأنبياء قوله تعالى {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } .

156 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في مدح الصابرين فقال (الّذينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ ) أي نالتهم نكبة في المال أو في الأهل والأنفس صبروا ولم يجزعوا ، و(قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ ) وهذا إقرار بالعبوديّة ، أي نحنُ عبيد الله ومُلكهُ (وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) وهذا إقرار بالبعث والحساب ، والمعنى : نحنُ نصير إلى مُلكهِ وتحتَ تصرّفهِ .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم