كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
168 - كانت بعض العرب تحرّم على أنفسها لحمَ بعض الأنعام وذلك ما يُسمّونَها بالبحِيرة والسائبة والوصِيلة ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك فقال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ ) من الأنعام (حَلاَلاً) أي أحلَلناه لكم ولم نحرّمهُ ، ومع كونه حلالاً فهو (طَيِّباً) أيضاً أي يُستطاب في المأكل فلماذا تحرّمونه ؟ (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) بتحريم الأنعام ، وهذا مثَل يُضرَب في الإتّباع والتقليد ، والخطوة في الأصل هي ما بين قدمَي الماشي ، يُقال "فلان يتبع خطوات زيد" أي يقتدي بهِ ، (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) أي ظاهر العداوة .
169 - (إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ ) أي بالأعمال السيئة ، فكلّ معصية عادةً تكون عاقبتها سيئة (وَالْفَحْشَاء) أي ويأمركم بالزِنا واللِّواط (وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) من تحريم شيء وتحليل شيء آخر ، فتقولون إنّ الله حرّمَ علينا السائبة والوصِيلة والبَحِيرة وغير ذلك ، وما هذه إلاّ من أوامر الشيطان أمركم بها .
170 - (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ) أي للمشركين من العرب (اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ ) في القرآن من أحكام (قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا ) أي ما وجدنا عليه آباءنا من تقاليد وعادات ، فقال الله تعالى (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) إلى الصواب ، فلو كانوا يعقلون ما عبدوا الأحجار .
171 - (وَمَثَلُ الّذينَ كَفَرُواْ ) في عنادهم وامتناعهم عن الإيمان (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ ) أي بالذي لا يَسمعُ ، يُقال "نعق الراعي بالغنم" إذا صاح بها زجراً ، ومن ذلك قول الأخطل:
فَانْعَقْ بِضَأنِكَ يا جَريرُ فَإِنَّما مَنَّتْكَ نَفسُكَ في الخَلاءِ ضَلالا
وقال عنترة :
يا عَـبْلَ كَم تَنعقُ غِربانُ الفَلا قد مَلَّ قلبي في الدُجَى سَماعَها
والذي نعقَ بما لا يَسمع هو إبراهيم الخليل (ع) ، وذلك لَمّا قدّم الطعام إلى الأصنام فقال [ كما في سورة الصافات] : {أَلَا تَأْكُلُونَ . مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ . فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ } ، والمعنى : يقول الله تعالى : مثَلُكَ يا محمّد مع هؤلاء الكافرين وكلامك معهم كمثَل إبراهيم ونعقهِ بالأصنام التي لا تسمع ولا تفهم ، فكذلك المشركون لا يسمعون ما تقول لهم عِناداً منهم وتكبّراً (إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً ) يعني لم يكن كلامك يا محمّد مع هؤلاء المشركين إلاّ دعاءً ونداءً ذهب أدراج الرياح ، لأنّهم (صُمٌّ) عن استماع الحقّ (بُكْمٌ) عن النطقِ بهِ (عُمْيٌ) عن النظر إلى الآيات والبراهين (فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) لأنّهم مقلِّدون ، والمقلِّد لا يستعمل عقله .
172 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) مفهومة .
173 - (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ) وهو ما يموت من الأنعام (وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ ) لأنّه من الخبيث (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ ) "الإهلال بالشيء" هو الفرح به ، ومن ذلك قولهم أهلاً وسهلاً ، وسمّي الهلال هِلالاً لأنّهم يفرحون عند رؤيتهِ ، وفي ذلك قال الشاعر :
يُبَشِّرُنِي الهلالُ بنقصِ عُمْرِي وأفرحُ كلّما هلَّ الهلالُ
وقال يزيد :
لَأَهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً ثمّ قَالُوا يا يَزِيدُ لا تَشَلْ
ومِمّا يفرحون بهِ ذبيحة السلامة وذبيحة النذور ، وكان المشركون يذبحون تلك الذبائح للأصنام ، فإنّ الله تعالى حرّم ذبحها للأصنام وحرّم أكل لحمها . والمعنى : وحرّم عليكم ماذُبِحَ لغير الله (فَمَنِ اضْطُرَّ ) إلى أكل بعض هذه المحرّمات من اللّحوم ضرورةً أو مجاعةً (غَيْرَ بَاغٍ ) اللّذة (وَلاَ عَادٍ ) يعني ولا مُعتدٍ على ما نَهَى الله عنهُ (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) في الأكل إذا كانت مرّة واحدة (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ ) للمُضطرِّين (رَّحِيمٌ) بالمساكين .
أقول : واليوم أصبحت أكثر فِرق الإسلام تأكل مِمّا ذُبِح لغير الله ، وذلك لحم النذور وغيره ، فينذرون للأئمّة والمشايخ والأنبياء ثمّ يوزّعون لحمها على الناس فيأكلونهُ ، وهذا لا يجوز ولحمها حرام على من يأكلهُ كلحم الخنزير لأنّها ذُبِحت لغير الله . ولا يجوز النذر لغير الله ولو كان ذلك للنبيّ محمّد (ع) ، وكذلك أكل الخبز الذي يوزّع باسم العبّاس فيسمّى "خبز العبّاس" وكذلك السكّريات الّتي توزّع باسم الأئمّة والمشايخ نذراً ، فكلّ هذه الأشياء مُحرّمة ولا يجوز توزيعها ولا أكلها .
174 - ثمّ عادَ سُبحانهُ إلى ذمّ علماء اليهود وغيرهم الّذينَ يغمضون أعينهم عن الحقّ ولا يرشدون قومهم إلى الصواب ، يرَون قومهم يتخبّطون في الضلال وفي نهج الإشراك فيسكتون على ما يشاهدون منهم كأنّهم لا يعلمون ، وذلك خوفاً من أن يمقتهم قومهم إن صرّحوا لهم بالحقّ وكشفوا لهم عن الحقيقة ، وخوفاً من أن يقطعوا عنهم الهدايا ويمنعوا عنهم الأموال التي يحصَلون عليها باسم الدِين وخوفاً على الرئاسة الّتي هم فيها ، فقال تعالى (إِنَّ الّذينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ ) أي من الكتب السماويّة من أمر التوحيد والنهي عن الإشراك ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ) أي يستبدلون بذلك من مال الدُنيا الذي هو قليل بالنسبة للآخرة (أُولَـئِكَ ) الّذينَ كتموا الحقّ ولم يصرّحوا بهِ (مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ ) ، ومعناه أنّ أكلهم في الدُنيا من مال الحرام يؤدّي بهم إلى النار في الآخرة ، كقوله تعالى في أكل مال اليتيم في سورة النساء {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } ، (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) بل يكلّم المتّقين بالتهنئة بدخول الجنّة (وَلاَ يُزَكِّيهِمْ) من الذنوب أي ولا يغفر ذنوبهم (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أي مؤلم موجع .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |