كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
189 - كانت العادة عند اليهود أنّهم يتصدّقون في أوّل كلّ شهر قمري ، فكان أكثرهم يأتي جاره الفقير من السطح ليعطيه طعاماً فيتّفق أنّ زوجة الفقير عريانة أو ابنتَهُ أو اُختَهُ فيراها الذي نقل إليه الطعام فيغتمّ الفقير من ذلك ، وكان بعضهم يتعمّد الذهاب إلى بيت جاره من السطح ليرى زوجة جاره الفقير أو ابنته فيغازلها . فلمّا ظهر الإسلام جاء معاذ بن جبل إلى النبيّ (ع) وقال : "يا رسول الله إنّ اليهود يقولون أنّ الله جعل الأهلّة لنعمل البِرّ عند رؤيتها ، فهل هذا صحيح؟ " فنزلت هذهِ الآية (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ ) جمع هلال ، والمعنى : يسألونك عن الأهلّة هل هي مواقيت لعمل البِرّ ، أي لفِعل الطاعات وتوزيع الخيرات على الفقراء (قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ ) يعرفون بِها الحساب وعدد الشهور والسنين وما يحتاجون إليهِ من وقت صومهم وإفطارهم وعدّة نسائهم وحلول ديونِهم وغير ذلك (وَالْحَجِّ) أي وكذلك يعرفون بِها وقت الحجّ (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ) أي وليس الذي تفعلونه من إعطائكم الصدقات رأس كلّ شهر هو البرّ بأنّكم تأتون البيوت من ظهورها ، أي من سطوحها فتتسلّطون على نساء الفقراء وتنظرون إليهنّ بشهوة ، فالظهر هو السطح ، والظهرة المرتفع من الأرض (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ) المعاصي وتجنّبَ المحرّمات (وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) لتقديم الصدقات واتركوا تلك العادات (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) فيما نهاكم عنه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) بالثواب إن تركتم تلك العادات وآمنتم بالله ورسولهِ وكتابِه .
190 - قام فريق من المسلمين لمحاربة المشركين من أهل مكّة فصادفوا بطريقهم نفراً من المشركين ، ولكنّهم ليسوا من أهل مكّة الّذينَ آذَوا المسلمين ، ومعهم أموال فقتلوهم وأخذوا أموالَهم ، فنزلت هذه الآية (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) أي لوجه الله ولأجل الدِين ولا تقاتلوا لأجل المال (الّذينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) يعني قاتلوا المشركين الّذينَ يُقاتلونكم ولا تقاتلوا غيرهم إنْ لم يتعرّضوا لقتالكم (وَلاَ تَعْتَدُواْ ) على أحد إنْ لم يعتدوا عليكم (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ) على الناس .
191 - (وَاقْتُلُوهُمْ) أي اقتلوا الّذينَ يُقاتلونكم من أهل مكّة (حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) أي حيث ظفرتم بهم وأدركتموهم ، والخطاب للمسلمين (وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ) أي كما أخرجوكم من مكّة بالأذى (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) يريد بالفتنة إغواءَهم للناس وصدّهم عن الإيمان ، لأنّ أهل مكّة كانوا يغوون الناس بقولهم أنّ محمّداً ساحرٌ فلا تصدّقوه ، والقتل يريد به في الأشهُر الحرُم لأنّ رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من المشركين في الشهر الحرام وكان قد اشتبهَ عليه ذلك اليوم هل هو من جمادى أم من رجب ، فعابوهم على ذلك ، فنزلت هذه الآية . والمعنى : إنّ إغواء أهل مكّة للناس وصدّهم عن الإيمان بالله ورسوله أشدُّ عند الله من قتل رجل مشرك في الشهر الحرام (وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ) والخِطاب للمسلمين (فَإِن قَاتَلُوكُمْ ) أي فإن بدأوكم بالقتال (فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ) أي جزاؤهم القتل والإخراج من الديار .
192 - (فَإِنِ انتَهَوْاْ ) عن غيّهم وأسلموا (فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ ) لِمن يتوب (رَّحِيمٌ) بِمن يُسلم .
193 - (وَقَاتِلُوهُمْ) أي المشركين من أهل مكّة (حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ) أي حتّى لا يغووا الناس ولا يصدّوهم عن الإيمان (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ ) الدِين هو الطاعة والانقياد ، والمعنى : حتّى ينقادوا لأمر الله (فَإِنِ انتَهَواْ ) عن إغوائهم وصدّهم (فَلاَ عُدْوَانَ ) أي فلا عقوبة (إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) يعني فلا عقوبة على مَن تركَ الفتنة وأسلمَ ولكنّ العقوبة على الظالمين الّذينَ يفتنون الناس ويصدّونهم عن الإيمان .
194 - منعَ مشركو العرب النبيّ من العمرة في الشهر الحرام ، وكان شهر ذي القعدة في عام الحديبية للسنة السادسة بعد الهجرة ، فوقعت الهدنة بين الطرفين ، ولكنّ المشركين خانوا العهد بعد ذلك ، فلمّا أراد النبيّ قتالهم تحرّج المسلمون من القتال حيث كان ذلك في الأشهر الحرُم أيضاً ، فنزلت هذه الآية فقام المسلمون لقتال المشركين وتغلّبوا عليهم وفتحوا مكّة (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ ) أي هذا الشهر بذاك الشهر ، فكما اعتدَوا عليكم في الشهر الحرام ومنعوكم من الدخول إلى مكّة فقاتلوهم في الشهر الحرام وامنعوهم من دخول البيت .
فلمّا فتح النبيّ مكّة أمر مناديه فنادى "ألا لا يَحجّنّ اليوم مُشرك ولا يطوف بالبيت عريان ."
والأشهر الحُرُم أربعة ، وهي ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب ، كانوا يحرّمون فيها القتال حتّى لو أنّ رجلاً لقيَ قاتل أبيه أو أخيه في أحدها لم يتعرّض له بسوء ، وإنّما سُمّي ذو القعدة لقعودهم فيه عن القتال (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ) الحرمات جمع حُرمة ، والمعنى : وكلّ حُرمةٍ يهتكون لكم فاهتكوا حُرمةً لهم بدلها وعاقبوهم بمِثل ما اعتدَوا عليكم ، وذلك قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) يعني عاقبوهم بمثل اعتدائهم عليكم (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) في مخالفة أوامرِه (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) بالنُصرة ، يعني إنّ الله ينصر المتّقين ويُساعدهم .
195 - لَمّا أمرهم الله تعالى بقتال المشركين عقّبهُ بالتحريض على الإنفاق فقال (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) والمعنى : أنفقوا في إعداد الأسلحة وآلات الحرب وشراء الخيل ليمكنكم أن تتغلّبوا على أعدائكم (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) بقلّة السلاح وبذلك تستولي عليكم أعداؤكم ويقتلونكم . ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الأنفال {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ } ، وإنّما قال تعالى (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ ) ولم يقل بأنفسكم ، يعني ذلك سببه بأيديكم إنْ بسطتم أيديكم بالمال تنتصروا ، وإنْ بخلتم ولم تنفقوا وقعتم في التهلكة (وَأَحْسِنُوَاْ) إلى جرحاكم (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) فيجازيهم بالإحسان .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |