كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
195 - لَمّا أمرهم الله تعالى بقتال المشركين عقّبهُ بالتحريض على الإنفاق فقال (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) والمعنى : أنفقوا في إعداد الأسلحة وآلات الحرب وشراء الخيل ليمكنكم أن تتغلّبوا على أعدائكم (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) بقلّة السلاح وبذلك تستولي عليكم أعداؤكم ويقتلونكم . ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الأنفال {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ } ، وإنّما قال تعالى (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ ) ولم يقل بأنفسكم ، يعني ذلك سببه بأيديكم إنْ بسطتم أيديكم بالمال تنتصروا ، وإنْ بخلتم ولم تنفقوا وقعتم في التهلكة (وَأَحْسِنُوَاْ) إلى جرحاكم (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) فيجازيهم بالإحسان .
196 - (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) أي أتمّوا مناسك الحجّ إن حَجَجْتُم ، والعُمرةَ إن اعتَمرتم ، وقوله (لِلّهِ) يعني أن تكون غايتكم في ذلك رِضا الله عنكم وثوابه لكم ، ولا تكون لكم غاية اُخرى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) يعني فإن حاصركم عدوّ ومنعكم من الدخول إلى مكّة كما في عام الحديبية ، أو منعكم من إتمام الحجّ (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) يعني فاهدوا ما تيسّر لكم من الهدي ، أي اذبحوا ما تيسّر من الأنعام لإحلال الإحرام وتكملة الحجّ (وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) و"الهدي" هو الذبيحة الّتي يذبحها كلّ فرد من الحاج ، يعني لا تتحلّلوا من إحرامكم وتحلقوا رؤوسكم حتّى يُوزّع لحم الذبيحة ويصل أهله ، يعني مُستحقّيهِ (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ ) وأرادَ أن يحلق رأسه قبل الإحلال من الإحرام (فَفِدْيَةٌ) أي فعليهِ فدية إذا حلق رأسه قبل الإحلال من الإحرام . ثمّ بيّنَ سُبحانهُ نوع الفدية فقال (مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) يعني إمّا أن يصوم يوماً أو يقوم ليلاً في العبادة فيصلّي نافلة اللّيل وقدرها ثلاث عشرة ركعة أو يعطي صدقة لفقير وهي مقدار فدية الصائم إذا أفطر في السفَر وقدرها ربع دينار [كان تقدير ذلك في العراق في الستّينات من القرن العشرين ] ، فكلمة " نُسُك" معناها العبادة ، وذلك من قولهم رجُل ناسك أي عابد ، فهو مخيّر بأن يؤدّي واحدة من هذه الثلاث (فَإِذَا أَمِنتُمْ ) من العدوّ ولم يكن لكم مانع من إتمام الحجّ فأتمّوا مناسك الحجّ بمكّة كما هو مشروع
(فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) يعني فمن جاء إلى مكّة مُعتمراً قبل أوان الحجّ وتمتّعَ فيها إلى وقت الحجّ ، أي بقيَ في مكّة متمتّعاً بالصحّة والعافية يأكل ويشرب إلى وقت الحجّ ليحجّ مع الناس (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) أي فعليهِ ذبح ما تيسّرَ لهُ من الأنعام شاكراً بذلك نِعمةَ ربّه إذْ جعله سالماً يتمتّع في مكّة بالمأكل والمشرب . فالتمتّع معناه الاستمتاع بالمأكل والمشرب ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الأنبياء {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ } يعني متّعناهم بالمال والمأكل والمشرب والملبس والصحّة . وقال تعالى في سورة القصص {أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُنيا } يعني كمن أبقيناهُ في الدُنيا يستمتع بالأكل والشرب ، وقال تعالى في سورة الشعراء {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } .
(فَمَن لَّمْ يَجِدْ ) هدياً ليذبحهُ وليس عنده ثمنهُ ليشتري بهِ (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ) يصومها (فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ) إلى أوطانكم (تِلْكَ عَشَرَةٌ ) يصومها من لم يجد هدياً ليذبحه من المستمتِعينَ بالعمرة إلى وقت الحجّ ، وقوله (كَامِلَةٌ) أي تلك الأيّام العشرة الّتي يصومها تكمل حجّ من لم يجد هدياً ليذبحه فلا يبقى في شكّ من حجّهِ (ذَلِكَ) الحُكمُ (لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) أي ذلك الحُكم لمن كان بعيداً عن مكّة ، وليس على أهل مكّة شيءٌ من ذلك الحكم (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) في مخالفة أوامره (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) لمن عصاهُ .
197 - (الْحَجُّ) أي أشهُر الحجّ (أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ) أي معروفات عند الناس ، وهي الأشهر الحرُم أربعة : ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب ، (فَمَن فَرَضَ ) على نفسه (فِيهِنَّ الْحَجَّ ) أي في هذه الأشهر بالحجّ أو بالعُمرة (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) ، "الرّفَث" هو الجِماع ، والدليل على ذلك قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ ) وقد سبق تفسيرها في آية 187 ، و"الفسوق" هو الخروج عن طاعة الله ومن ذلك الغيبة والنميمة والسخرية من الناس والهمز واللّمز ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الحجرات {يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ } ، و"الجدال" هو المشاجرة بين خصمين ، والمعنى : فلا جِماع ولا معاصي ولا مشاجَرة تكون منكم في أيام الحجّ ، بل يلزم عليكم الطاعة والتعبّد لله (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ ) فيجازيكم عليه (وَتَزَوَّدُواْ ) من أعمال الخير (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ ) للحياة الأثيريّة هو (التَّقْوَى) ، وفي ذلك قال الشاعر :
تَزَوّدْ مِنَ التقوى فإنّكَ لا تَدري إذا جنّ ليلٌ هلْ تعيشُ إلى الفجرِ
فكمْ مِنْ سَليمٍ ماتَ مِنْ غَيرِ عِلّةٍ وكمْ مِنْ سَقِيمٍ عاشَ حِيناً مِنَ الدَّهْرِ
وكمْ مِنْ فَتىً يُمسِي ويُصبِحُ لاهِياً وقد نُسِجَتْ أكفانُهُ وهوَ لا يَدرِي
(وَاتَّقُونِ) فيما أمرتكم بهِ ونهيتكم عنه (يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ) أي يا ذوي القلوب الواعية . وهذهِ الآية تصرّح على ترك الجِماع لمن كانت معه زوجته وذلك في أيّام الحجّ ولياليه ، أي مادام مُحْرِماً .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |