كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
227 - (وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ ) لأقوالهم (عَلِيمٌ) بأفعالهم .
أمّا حكم المسجون الّذي حُكِمَ عليه لمدّة أربع سنين فما فوق فيجب عليه أن يطلّق زوجته إن كانت فتاة ولم تكن عجوزاً ، وذلك إن وافقت هيَ بالطلاق ، فإذا لم يطلّقها وأرادت الزوجة الطلاق فعلى القاضي أن يطلّقها جَبراً ، فإذا خرج من السجن بعد انتهاء المدّة فوجد مطلّقته لم تتزوّج بغيره وكانت التطليقة الأولى أو الثانية يمكنه أن يتزوّجها من جديد . أمّا الّذي طلّق زوجته مرّتين ثمّ استرجعها قبل أن يُسجَن فإنّ اختيار الطلاق الثالث يكون بيد الزوجة فإن شاءت الطلاق طلّقها وإن شاءت البقاء تحت نكاحه حتّى يخرج من السجن ، وفي كلتا الحالتين فإنّ اختيار الطلاق يكون بيد الزوجة للمسجون أربع سنين أو أكثر .
أمّا الغائب الّذي لا يُعرف عنه شيء هل مات أم هو حيٌّ يُرزق ، وذلك كالّذي يذهب للحرب ولا يعود ولا يُعرَف عنه شيء ، أو الّذي يكون أسيراً بيد الأعداء ولم يُعرَف عنه شيء ، أو غير ذلك مِمّن يغيب عن أهله ولا يعود ، فهؤلاء عِدّتهم أربع سنين أيضاً ، فإذا انقضت المدّة ولم يأتِ الزوج فللزوجة حقّ أن تطالب بالطلاق وذلك عند القاضي ، فيقوم بالطلاق أبو الزوج أو جدّه أو عمّه أو شريكه إن لم يكن له أب ولا جدّ في قيد الحياة ، أو يقوم وكيله أو وصيّه أو من يرثه من الرجال . فعلى القاضي أن يجعل أحد أقرباء الزوج المفقود وكيلاً عنه ووصيّاً له كي يقوم الوكيل والقاضي بأمر الطلاق ويُطلّقان الزوجة ويكتبانِ لها ورقة الطلاق ويدفعانِها إلى الزوجة ، وذلك بعد الإثبات من الشهود والأدلّة على أنّ زوجها مفقود منذ أربع سنين ولم يُعرَف عنه شيء ولم يأتِ منه مكتوب [أي رسالة] ولا خبر . أمّا إذا عُلِمَ أنّ الزوج حيٌّ أو جاء منه مكتوب [أي رسالة] وهو ممتنع عن المجيء فعلى القاضي أن يُرسل له إنذاراً بأنّه إن لم يرجع إلى أهله لمدّة أربعين يوماً فسيُطلّق القاضي زوجته . فإن لم يرجع بعد تلك المدّة المذكورة ولم يرسل جواباً فللزوجة حقّ الطلاق . فإن رجع الزوج بعد ذلك فوجد زوجته لم تتزوّج من غيره فله حقّ في إرجاعها ، أمّا إذا وجدها متزوّجة من غيره فليس له حقّ في إرجاعها بل تبقى زوجة للثاني .
وملخّص القول فإنّ الفراق لا يجوز أن يدوم أكثر من أربع ، فالزوج الحاضر أربعة أشهر وبعد ذلك إمّا الرجعة وإمّا الطلاق . والزوج المفقود أو المسجون فأربع سنين وبعدها إمّا الرجعة وإمّا الطلاق . أمّا حُكم الميراث للزوجة المفقود زوجها ولم يُعلم عنه شيء فهي ترث زوجها من يوم غيابه ، فلها الثمن إن كان لزوجها ولد ، ولها الربع إن لم يكن لزوجها ولد ، ولا يسقط حقّها من الميراث إلاّ إذا رجع زوجها وظهر أنّهُ حيّ . أمّا طلاقها من قِبَل القاضي أو زواجها برجل غيره فلا يُسقِط حقّها من الميراث ، وذلك إن كان زوجها حيّاً فالميراث يقوم لها مقام النفقة ، وإن كان ميتاً فهي أولَى بالميراث .
228 - (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ) أي ينتظرن بأنفسهنّ ، يعني تبقى في الدار تنتظر حتّى تنتهي عليها ثلاث حيضات ، أمّا الّتي لا تحيض فعدّتها ثلاثة أشهر ، وذلك قوله تعالى في سورة الطلاق {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } يعني الّلاتي لم يحضنَ من قبل والّلاتي يئسنَ من المحيض في وقت طلاقهنّ فالجميع عِدّة كلّ واحدة منهنّ ثلاثة أشهر ، وقوله (ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ) "القرءُ " هو العادة المقرّرة أي الموقّتة بين شخصين ، وجمعه قروء ، والشاهد على ذلك قول الشاعر :
يارُبَّ ذي ضِغنٍ علَيَّ فارِضِ لهُ قُروءٌ كقُروءِ الحائِضِ
أي له عليّ عادة مقرّرة في كلّ شهر مرّة كما للحائض عادة في كلّ شهر مرّة ، وأراد سبحانهُ بالقروء طهر المرأة بعد حيضها ، والدليل على ذلك قول الأعشى :
وفي كلّ عامٍ أنتَ جاشمُ غزوةٍ تَشُدُّ لأقصاها عَزيمَ عَزائِكا
مُوَرِّثَةً مالاً وفي الأرضِ رِفعةً لما ضاعَ فيها مِنْ قُرُوءِ نِسائِكا
فالّذي ضاع هاهنا الأطهار لا الحيض . (وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ) من الأولاد لأنّ بعض المطلّقات الّتي تكره زوجها تكتم حملها لئلاّ ترجع لزوجها بعد الطلاق ، أو لأنّها تحبُّ رجُلاً آخر فتريد أن تتزوّج بهِ فلذلك تكتم حملها ، لأنّ الزوج له حقّ الرجعة بزوجته المطلّقة إن كانت حاملاً ولا يحقّ لها أن تمتنع عن ذلك ولو بعد انتهاء العدّة . أمّا إذا كانت غير حامل وانتهت العدّة فالخيار للزوجة إن وافقت بالرجعة رجعت إليه وإن شاءت أن تتزوّج غيره تزوّجت (إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) يعني إن كانت تؤمن بالله وبالحساب والعقاب فلا تكتمْ حملها لأنّ الله يُعاقبها ، واليوم الآخر هو يوم القيامة ، وقد سبق شرحه فيما سبق في آية 126 . وهذه الجُملة تخويف ووعيد بالعذاب لمن تكتم حملها من المطلّقات (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ) يعني زوج المطلّقة أحقّ بإرجاعها من غيره في وقت العِدّة ، وأحقّ بها إن كانت حاملاً ولو بعد العِدّة ولكن بشرط (إِنْ أَرَادُواْ ) الأزواج (إِصْلاَحًا) بينهم وبين زوجاتهم بحُسن المعاشرة وأداء النفقة والكسوة على قدر الإمكانية (وَلَهُنَّ) أي للزوجات من الحقّ على أزواجهنّ (مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ) من الحقّ لأزواجهنّ (بِالْمَعْرُوفِ) أي بالشيء المناسب الّذي يتمكّن عليه الزوج من النفقة والكسوة وحُسن المعاشرة والمبيت عندها فلا يتركها وحدها ويذهب إلى الزانيات ولا يخونها بزنا أو بلواط كما يريد أن لا تخونه (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) في الإطاعة ، أي ويجب على الزوجة أن تطيع زوجها فلا تخرج من الدار إلاّ بإذنهِ وأن تسمع كلامهُ وتمتثل أوامرهُ إلاّ بما حرّم الله ، فإن خالفت أوامره فهي ناشز (وَاللّهُ عَزِيزٌ ) في مُلكهِ يُعذّب من يخالف أحكام الله (حَكُيمٌ) في أحكامه فلا يأمركم إلاّ بما فيه صلاحٌ لكم .
229 - كانوا في زمن الجاهليّة يُطلّقون نساءهم ويرجّعون مِراراً عديدة إضراراً بالمرأة وإهانةً لها ، فنهاهم الله عن تلك العادات فقال تعالى (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ ) يعني الطلاق الّذي تباح فيهِ الرجعة مرّتان ولا يكون أكثر ، وذلك قبل انتهاء العِدّة فعليه أن يعقد من جديد بمهرٍ قليل بما يقع الرضا بين الطرفين ويكتب كتاب الزواج من جديد وتوقّع فيه شهود وذلك لئلاّ يقع جحود بعد ذلك من بعض الوَرَثَة إذا مات أحد الزوجين فيقول إنّ زوجة أبي مُطلّقة وليس لها حقّ في الميراث ، وما أشبه ذلك من جحود .
(فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) والمعنى : إمّا أن يُبقيها عنده الزوج ويعاشرها بمعروف بلا جدال ولا مشاجرة ولا إهانة ، وإمّا أن يُطلّقها ويُسرّحها إلى أهلها بإحسان بأن يعطيها حقّها ونفقة العِدّة عن ثلاثة أشهر وينتهي بذلك القيل والقال (وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ ) أيّها الأزواج (أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ ) من المهر المعجّل أو المؤجّل (شَيْئًا) من ذلك إذا طلّقتموهنّ (إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ ) يعني إلاّ أن يخاف الزوج والزوجة أن لا يقيما أحكام الله ، وأحكام الله على الزوج أن يُطلّق زوجته إذا يئسَ من نفسه وأيقن أنّهُ غير قادر على الجِماع ، وأن يُعطيها مهرها ولا يأخذ منه شيئاً ، وأن يعطيها نفقة العِدّة . وعلى الزوجة أن تكون عفيفة ولا تزني بل تصبر حتّى تعود قوّة الجِماع عند زوجها ، أو يطلّقها هو باختياره . هذه حدود الله الّتي يجب على الزوج والزوجة أن يقيماها .
أمّا خوفها منها فهي :
أوّلاً تخاف الزوجة أن تتغلّب عليها الشهوة الحيوانية فتزني إذا طال عليها الأمد ولم تعد قوّة الجِماع إلى زوجها ،
ثانياً تخاف الزوجة أن لا يُطلّقها إلاّ إذا افتدت له بمهرها .
ويخاف الزوج أن يُطلّق زوجته ثمّ تعود له قوّة الجِماع بعد زمن وليس له مال ليتزوّج غيرها ،
ثانياً يخاف أن تطالبه بمهرها المؤجّل إذا طلّقها وهو فقير الحال لا يتمكّن من أدائه .
فهذا معنى قوله تعالى (إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ ) ، ثم ّقال تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ ) أيّها القضاة (أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ ) وذلك بأنّ الزوجة لا تصبر على ترك الجِماع وخفتم أن تزني إذا لم يُطلّقْها زوجها لأنّها فتاة وليست عجوزاً ، وعلمتم أنّ الزوج فقير الحال ولا يطلّق زوجته إلاّ إذا تركت له عن حقّها من المهر (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) أي لا حرج عليهما فيما افتدت بهِ الزوجة من مهرها ، ولا حرج على الزوج أن يأخذ ما وهبته من مهرها إذا أرادت الطلاق منه لهذا السبب .
فالزوجة تنتظر سنة واحدة فإن لم تحصل نتيجة من زوجها فلها حقّ أن تطالب بالطلاق . وتشمل هذه الآية الشيخ المسنّ إن كانت زوجته فتاة ولا تهواه وتخاف أن يوسوس لها الشيطان فتزني خفية عن زوجها ، فتقول لزوجها طلّقني ولك مهري ، فإذا وقع الرضا بين الطرفين على الطلاق فلا حرج عليهما فيما افتدت بهِ . وتشمل الآية أيضاً من كانت فيه عاهة من مرض مُزمن أو عمى أو كان مشوّه الخلقة وكانت زوجته فتاة جميلة ولا تهواه (تِلْكَ) الأحكام الّتي بيّناها لكم (حُدُودُ اللّهِ ) حدّها لكم (فَلاَ تَعْتَدُوهَا ) بالمخالفة (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) لأنفسهم ولأزواجهم .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |