كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
23 - (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ ) أي في شكٍّ (مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ) محمّد (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ ) (مِّن مِّثْلِهِ ) يعني من مثل القرآن فصاحةً وبلاغة ، والخطاب للمشركين من العرب (وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم ) جمع شهيد وهو الجليس الذي تُجالسه ، والمعنى : وادعوا رؤساءكم الّذينَ اتّخذتموهم أولياء (مِّن دُونِ اللّهِ ) ليُساعدوكم على إتيان سورة مثل سور القرآن (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) في قولكم بأنّ محمّداً افتراهُ . ونظيرها في سورة يونس قوله تعالى {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .
24 - (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ ) يعني فإن لم تأتوا بسورة من مِثلهِ وعجزتم عن ذلك فاتّقوا النار بالإيمان ، ثمّ قال تعالى (وَلَن تَفْعَلُواْ ) يعني ولا يُمكنكم أن تأتوا بسورة مثل سوَر القرآن ولو اجتمعتم لأجلها . ومِمّا يؤيّد ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } ، وقوله (فَاتَّقُواْ النَّارَ ) يعني آمِنوا لمحمّد كي تتجنّبوا النار ولا تتعذّبوا فيها ، تلك النار (الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ ) يعني تكون الناس لَها مقام الحطب (وَالْحِجَارَةُ) مقام الفرن ، وهي حجارة النيازك ، والنار هي الشمس ، فالشمس تجذب النيازك إليها ، (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) أي هُيّئت لهم وقد شرحتُ عن النيازك في كتابي الكون والقرآن .
25 - (وَبَشِّرِ الّذينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) يعني من تحت أشجارها تجري الأنهار ، ثمّ أخذَ سُبحانهُ يصفُ عيش من دخلها فقال (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ) يعني قالوا هذه الفاكهة الّتي أكلناها في الدُنيا في المكان الفلاني ، لأنّ كلّ ثمرةٍ لها روح أي لها ثمرة أثيريّة تشبه الفاكهة المادّية تمام الشبَه ، فإنّهم أكلوا الفواكه المادّية في الدُنيا فوجدوا الأثيريّات أمامهم في الجنّة فقالوا هذا الّذي رُزِقنا من قبل (وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً ) يعني وأتتهم الملائكة بأثمار اُخرى تشبه تلك الّتي رُزِقوا بها في الدُنيا (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ) يعني مطهّرة من النجاسات كالحيض والنفاس والبول والتغوّط لأنّها نفوس أثيريّة لا تبول ولا تتغوّط ولا تَلِد (وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) أي مُخلّدون لا يموتون . وقد سبق تفسيرها في كتابنا الإنسان بعد الموت ، [تحت عنوان الجنان ] .
26 - (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا ) يعني مثَلاً من الأمثال من صغير الحشرات إلى كبير الحيوانات ، وذلك قوله تعالى (بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) أي فما تجاوزها وزاد عليها ، لأنّ الله تعالى لَمّا ضرب مثَلاً بالذباب والعنكبوت تكلّم فيه قومٌ من اليهود وعابوا ذكره وقالوا ماذا أراد الله بالعنكبوت فيضرب به مثَلاً ، وما هذه الأمثال إلاّ من محمّد ؛ فأنزل الله هذه الآية ، ومعنى (لاَ يَسْتَحْيِي ) يعني لا يَرى في ذلك من حياء ، أي لا يَرى من عيب في ضرب الأمثال بالحشرات لأنّهُ هو الذي خلقَها وهو أعلمُ بضعفها وقوّتِها وطباعها ولا فرق بينكم وبينها في الخلقة فهي مخلوقاتُهُ وأنتم عبيده . والبعوض صِغار البقّ ، وإنّما لم يقل بعوضةً فما أكبر منها ، لأنّ ذلك يدلّ على الكبر فقط ، وأراد سبحانه بلفظة (فَمَا فَوْقَهَا ) الغريزة والقوّة والحجم (فَأَمَّا الّذينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ) أي القرآن مُنزل من ربّهم وليست هذه الأمثال من محمّد (وَأَمَّا الّذينَ كَفَرُواْ ) بالقرآن ، وهم اليهود (فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا ) أي بالحشرات فيضرب بِها (مَثَلاً) فقال تعالى (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) . وذلك لأنّ الناس قسمان صالح وفاسق : فالصالح من كان حسَن الأخلاق صادق القول كريم النفس رحيم القلب رؤوفاً بالمساكين لا يتكبّر على الضُعفاء . أمّا الفاسق فعكس ذلك كاذب في أقواله متكبّر في نفسه ظالم جائر نمّام بخيل ، فإن لم تكن هذه الصفات كلّها فيه فبعضها . فالصالحون يتّبعون المحكم من القرآن فيهتدون بهِ ويتركون حُكم المتشابه إلى الله . أمّا الفاسقون فيتركون المحكَم ويعترِضون على المتشابه فيضلّون به ، وذلك قوله تعالى (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) ولذلك قال بعدها (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ) يعني إلاّ من كان سيّء الأخلاق . ثمّ أخذَ سُبحانهُ في ذمّ اليهود فقال :
27 - (الّذينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) يعني ينقضون العهد الذي عاهدوا به أنبياء الله الماضين بأن لا يشركوا بالله شيئاً ولا يقتلوا النفس التي حرّم الله قتلها ولا يزنوا ، وقد أخلفوا الله ما وعدوهُ (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ) يعني ويقطعون صِلة الرحِم الّتي أمر الله بها (وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ ) بالفِتَن وقطع السبيل ويصدّون من آمَن بمحمّد (أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) الّذينَ خسروا أنفسهم وأهليهم فأبدلوا الجنّة بالنار والعِزّ بالعار .
28 - ثمّ وجّه الخطاب إلى اليهود فقال تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ) يعني كيف تكفرون بآيات الله وكنتم أذلاّء مُستعبدين تحت حُكم فرعون فأنقذكم على يد موسى نبيّكم فأصبحتم أعزّاء بعد ذلكم ومُحترمين بين الناس بعد احتقاركم . فالموت كناية عن الذلّ ، والحياة كناية عن العزّ ، وقوله (ثمّ يُمِيتُكُمْ ) أي يذلّكم ، وذلك في زمن النبيّ (ع) ذلّوا فقتلَ بعضهم ونفَى بعضهم من ديارهم بسبب سوء أعمالهم وتحالفهم مع المشركين ضدّ النبيّ ، فهذا كان موتهم ( ثمّ يُحْيِيكُمْ ) بعد زمن ، فقد أحياهم في هذا القرن فاجتمعوا في فلسطين وزادت أموالهم وأولادهم وسطوتهم (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) بعد موتكم فيعاقبكم على أفعالكم . ثمّ وجّه الخطاب لسائر الناس فقال تعالى :
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |