كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
249 - (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ ) يعني فلمّا سارَ بهم وانفصلوا عن بلادهم ، وكان عددهم ثلاثمائة ألف رجل (قَالَ) طالوت لجنوده (إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ ) أي مختبركم وممتحنكم ، وذلك ليعلم طالوت من منهم يصبر على القتال ومن هو قليل الصبر ، وكان الاختبار على ذلك بالصبر على العطش عند حضور الماء ، فمن صبر ولم يشرب من النهر فهو يصبر على القتال وهو ذو عزمٍ وثبات ، ومن لم يصبر على العطش فلا يصبر على القتال أيضاً ، وذلك قوله (فَمَن شَرِبَ مِنْهُ ) أي من ماء النهر (فَلَيْسَ مِنِّي ) أي ليس من أصحابي وأتباعي (وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ) يعني من لم يشرب منه ولم يذق طعمه فإنّهُ من أتباعي (إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) سهواً ثمّ رمَى بِها ولم يشربها فلا بأس عليهِ . ثمّ أخبرَ الله تعالى عنهم فقال (فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ ) لم يشربوا من ماء النهر ، وكان عدد الّذينَ لم يشربوا ثلاثمائة رجل ، (فَلَمَّا جَاوَزَهُ ) أي فلمّا جاوز النهر (هُوَ وَالّذينَ آمَنُواْ مَعَهُ ) أي طالوت وجنوده الّذينَ آمنوا بأنّ الله سينصرهم (قَالُواْ ) أي قال الّذينَ شربوا من النهر (لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ ) أي لا قوّة لنا بقتالهم ، وهم العمالقة (قَالَ الّذينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ ) أي ملاقو نصر الله ، وهم الّذينَ لم يشربوا من النهر (كَم مِّن فِئَةٍ ) أي فِرقة (قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ ) أي بإرادة الله ، ومعناه إذا أراد الله نصر قوم على أعدائهم أذِن لملائكته أن تأتي إلى هؤلاء فتشجّعهم بالإيحاء والإلهام وتثبّتهم على القتال ، وتأتي إلى أعدائهم فتُخذّلُهم وتلقي الرعب في قلوبهم حتّى ينهزموا ويكون النصر للفئة القليلة (وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) بالنصرةِ لهم على أعدائهم .
250 - (وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ) أي خرجوا لقتالهم ، وجالوت يسمّى بالعبريّة جُليات وهو قائد الفلسطينيّين وأشجعهم (قَالُواْ ) أصحاب طالوت (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ) على القتال (وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ) بتقوية قلوبنا وإلقاء الرعب في قلوب أعدائنا (وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) قوم جالوت .
251 - (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ ) يعني أصحاب طالوت هزموا أصحاب جالوت (وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ) يعني لداوُد 127، فصار ملِكاً على بني إسرائيل بعد طالوت "شاؤول" (وَالْحِكْمَةَ ) أي وأعطاه الله الموعظة فكان نبيّاً وملِكاً وعالِماً (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء ) أن يعلّمه من العِلم ومنطق الطير وصَنعة الدروع (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ) أي لولا أنّ الله تعالى ينصر المؤمنين على الكافرين والمشركين لفسد أهل الأرض كلّهم وذلك بالكفر والمعاصي ، ولفسدت الأرض أيضاً عقوبةً لَهم على كفرهم وذلك بقِلّة النبات وكثرة الحشرات والميكروبات التي تُسبّب الأمراض وتفتك بالإنسان والحيوان . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الروم {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } ، (وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) بإبقائهم أحياءً وبكثرة النِعم عليهم .
252 - (تِلْكَ) إشارة إلى ما تقدّم من تمليك طالوت وهو رجل فقير ، وتمليك داوُد وهو راعي غنم ، ونُصرة داوُد على جالوت وهو شاب صغير ، وإرجاع التابوت إلى بني إسرائيل وهو ذهب ثمين ، فتلك (آيَاتُ اللّهِ ) أي دلالات الله على قدرته (نَتْلُوهَا عَلَيْكَ ) يا محمّد ، أي نقرؤها عليك (بِالْحَقِّ ) أي بتبيان الحقّ لا اختلافَ فيها (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) إلى قومك كما أرسلنا هؤلاء إلى قومهم فبَشِّرْ وأنذِرْ .
253 - (تِلْكَ) أنباء (الرُّسُلُ) الّذينَ ذكرنا لك أخبارهم (فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) بتخصيصهِ بما ليس في غيرهِ . ثمّ بيّنها مُفصّلاً فقال تعالى (مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ) مُباشَرةً [من وراء حجاب ، والحجاب كان الشجرة ] في وادي طوى بصحراء سيناء ، وهو موسى (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) وهو إدريس (إيليّا) ، (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ ) أي المعجزات كإبراء الأكمَه والأبرص وإحياء الأموات (وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) وهو جبرائيل (وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الّذينَ مِن بَعْدِهِم ) يعني لو شاء إبقاء الناس الضالّين عن طريق الحقّ ما اقتتلت كلّ اُمّةٍ بعد فَقدِ رسولها (مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) في الكتُب السماويّة بأنّ الغاية من إرسال الرُسُل هي العبادة لله وحده ونبذ الأصنام وتكسيرها وتجنّب عبادة المخلوقين والمخلوقات وترك تقديسها (وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ ) مع علمهم بأصول الدين وبما جاءت بهِ رُسُلهم ، وذلك لأجل غايات شخصيّة ولأجل الرئاسة الدنيويّة (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ) يعني منهم مَن ثبتَ على إيمانه ومنهم مَن أشرك أو كفر (وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ ) أخبرَ الله تعالى في الجملة الأولى قتال اليهود فيما بينهم بسبب اختلافهم بعد موسى نبيّهم ، وأخبر في الثانية قتال النصارى مع اليهود بعد عيسى بسبب اختلافهم (وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) . وإنّما ألقى بينهم العداوة والبغضاء فاقتتلوا لأنّهم ظلموا الضعفاء والمساكين وغصبوا حقوقهم وكفروا بالله وأشركوا به فألقى بينهم العداوة والبغضاء فاقتتلوا . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة المائدة في ذمّ اليهود { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } . وقال تعالى في ذمّ النصارى في نفس السورة { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } .
وقد أصبح المسلمون يقتتلون فيما بينهم وذلك بسبب كفر بعضهم ونفاق بعض وإشراك البعض الآخر ، فألقَى الله بينهم العداوة والبغضاء فاقتتلوا ، فقد اقتتل المصريّون مع أهل اليمن في حياة الرئيس جمال عبد الناصر وذهب آلاف القتلى من الطرفين ، واقتتل جيش الأردن مع الفدائيين الفلسطينيين وذهب عشرون ألفاً قتلَى من الطرفين ، واقتتل جيش سوريا مع اللّبنانيين والفلسطينيين وذهب أربعون ألفاً قتيل من الطرفين غير الجرحَى ، وغير هؤلاء كثير ، وقد قال الله تعالى [في سورة النحل] {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }
[المراجِع - حدثت حروب وفتن كثيرة بعد ذلك فيما بين المسلمين مثل الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الأولى والثانية وحروب الربيع العربي وغير ذلك من الفتن والحروب التي ما زالت مستمرّة فيما بين المسلمين أنفسهم لحدّ الآن وكان الضحايا بمئات الألوف بل أكثر . ]
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |