كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 250) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

250 - (وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ) أي خرجوا لقتالهم ، وجالوت يسمّى بالعبريّة جُليات وهو قائد الفلسطينيّين وأشجعهم (قَالُواْ ) أصحاب طالوت (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ) على القتال (وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ) بتقوية قلوبنا وإلقاء الرعب في قلوب أعدائنا (وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) قوم جالوت .

251 - (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ ) يعني أصحاب طالوت هزموا أصحاب جالوت (وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ) يعني لداوُد 127، فصار ملِكاً على بني إسرائيل بعد طالوت "شاؤول" (وَالْحِكْمَةَ ) أي وأعطاه الله الموعظة فكان نبيّاً وملِكاً وعالِماً (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء ) أن يعلّمه من العِلم ومنطق الطير وصَنعة الدروع (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ) أي لولا أنّ الله تعالى ينصر المؤمنين على الكافرين والمشركين لفسد أهل الأرض كلّهم وذلك بالكفر والمعاصي ، ولفسدت الأرض أيضاً عقوبةً لَهم على كفرهم وذلك بقِلّة النبات وكثرة الحشرات والميكروبات التي تُسبّب الأمراض وتفتك بالإنسان والحيوان . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الروم {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } ، (وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) بإبقائهم أحياءً وبكثرة النِعم عليهم .

252 - (تِلْكَ) إشارة إلى ما تقدّم من تمليك طالوت وهو رجل فقير ، وتمليك داوُد وهو راعي غنم ، ونُصرة داوُد على جالوت وهو شاب صغير ، وإرجاع التابوت إلى بني إسرائيل وهو ذهب ثمين ، فتلك (آيَاتُ اللّهِ ) أي دلالات الله على قدرته (نَتْلُوهَا عَلَيْكَ ) يا محمّد ، أي نقرؤها عليك (بِالْحَقِّ ) أي بتبيان الحقّ لا اختلافَ فيها (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) إلى قومك كما أرسلنا هؤلاء إلى قومهم فبَشِّرْ وأنذِرْ .

253 - (تِلْكَ) أنباء (الرُّسُلُ) الّذينَ ذكرنا لك أخبارهم (فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) بتخصيصهِ بما ليس في غيرهِ . ثمّ بيّنها مُفصّلاً فقال تعالى (مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ) مُباشَرةً [من وراء حجاب ، والحجاب كان الشجرة ] في وادي طوى بصحراء سيناء ، وهو موسى (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) وهو إدريس (إيليّا) ، (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ ) أي المعجزات كإبراء الأكمَه والأبرص وإحياء الأموات (وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) وهو جبرائيل (وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الّذينَ مِن بَعْدِهِم ) يعني لو شاء إبقاء الناس الضالّين عن طريق الحقّ ما اقتتلت كلّ اُمّةٍ بعد فَقدِ رسولها (مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) في الكتُب السماويّة بأنّ الغاية من إرسال الرُسُل هي العبادة لله وحده ونبذ الأصنام وتكسيرها وتجنّب عبادة المخلوقين والمخلوقات وترك تقديسها (وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ ) مع علمهم بأصول الدين وبما جاءت بهِ رُسُلهم ، وذلك لأجل غايات شخصيّة ولأجل الرئاسة الدنيويّة (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ) يعني منهم مَن ثبتَ على إيمانه ومنهم مَن أشرك أو كفر (وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ ) أخبرَ الله تعالى في الجملة الأولى قتال اليهود فيما بينهم بسبب اختلافهم بعد موسى نبيّهم ، وأخبر في الثانية قتال النصارى مع اليهود بعد عيسى بسبب اختلافهم (وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) . وإنّما ألقى بينهم العداوة والبغضاء فاقتتلوا لأنّهم ظلموا الضعفاء والمساكين وغصبوا حقوقهم وكفروا بالله وأشركوا به فألقى بينهم العداوة والبغضاء فاقتتلوا . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة المائدة في ذمّ اليهود { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } . وقال تعالى في ذمّ النصارى في نفس السورة { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } .

وقد أصبح المسلمون يقتتلون فيما بينهم وذلك بسبب كفر بعضهم ونفاق بعض وإشراك البعض الآخر ، فألقَى الله بينهم العداوة والبغضاء فاقتتلوا ، فقد اقتتل المصريّون مع أهل اليمن في حياة الرئيس جمال عبد الناصر وذهب آلاف القتلى من الطرفين ، واقتتل جيش الأردن مع الفدائيين الفلسطينيين وذهب عشرون ألفاً قتلَى من الطرفين ، واقتتل جيش سوريا مع اللّبنانيين والفلسطينيين وذهب أربعون ألفاً قتيل من الطرفين غير الجرحَى ، وغير هؤلاء كثير ، وقد قال الله تعالى [في سورة النحل] {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [المراجِع - حدثت حروب وفتن كثيرة بعد ذلك فيما بين المسلمين مثل الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الأولى والثانية وحروب الربيع العربي وغير ذلك من الفتن والحروب التي ما زالت مستمرّة فيما بين المسلمين أنفسهم لحدّ الآن وكان الضحايا بمئات الألوف بل أكثر . ]

254 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم ) من الأطعمة والأثمار في سبيل الله للفقراء والمحتاجين (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ ) هو يوم موتكم (لاَّ بَيْعٌ فِيهِ ) فتشترون حسنات (وَلاَ خُلَّةٌ ) فيعطيكم خليلكم من حسناتهِ (وَلاَ شَفَاعَةٌ ) إلاّ بإذنهِ (وَالْكَافِرُونَ) لِنِعَم الله (هُمُ الظَّالِمُونَ ) لأنفسهم وليس الله ظالمهم .

255 - لَمّا ذكرَ الله سبحانهُ فيما سبق اختلاف اليهود والنصارى في أديانهم وعباداتهم وإشراكهم بالله ، بيّن في هذه الآية بأنّ العبادة لا تجوز لغيره ولا يستحقّ العبادة إلاّ هو لأنّهُ خالقهم ورازقهم وهو القائم بتدبير الكون وتدبير مخلوقاتهِ فقال تعالى (اللّهُ) ربّكم (لاَ إِلَـهَ ) في الكون (إِلاَّ هُوَ ) وحده (الْحَيُّ) الّذي لا يموت (الْقَيُّومُ) بشؤون الكون وتدبيره ، يعني القائم بتدبير الكون وشؤون الخلق (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ) "السِّنة" هي النعاس قبل النوم ، والمعنى : لا يأتيهِ النعاس ويهدأ كما يأتي النفوس ولا نوم كما تنام الناس . فالسِّنة هي الحالة الّتي تعتري الإنسان قبل النوم فيسكن ويهدأ ولكنّهُ غير نائم ، ومن ذلك قول عديّ بن الرقّاع :

                               وَسْنانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرنَّقَتْ      في عَيْنهِ سِنَةٌ وليسَ بِنائِمِ

(لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة من طيرٍ يطير (وَمَا فِي الأَرْضِ ) من دابّةٍ تسير (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ ) يوم القيامة (إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) يعني إلاّ للموحِد الّذي يأذن الله للأنبياء في شفاعتهِ ، أمّا الّذي لا يأذن لهم بشفاعته فلا يشفعون لهُ ولو كان أخاهم ، فإنّ نوحاً لا يمكنه أن يشفع لابنهِ ولا إبراهيم لأبيهِ (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ) أي يعلم الله ما في حاضرهم من نعيم يتنعّمون به في الجنان (وَمَا خَلْفَهُمْ ) أي ويعلمُ ما تركوه خلفهم من شرايع وأديان ، هم الشفعاء أي الأنبياء والرُسُل والأولياء والشهداء (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ ) أي من علوم الغيب (إِلاَّ بِمَا شَاء ) أن يُعلّمهم من علوم الغيب . ومِثلها في سورة الجن قوله تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ } .

(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) يعني سِعة الكُرسي على قدر الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض وسِعة انتشارهنّ في الفضاء ، والكرسي هو الطبقات الأثيريّة السبع الّتي تسكنها الملائكة ، وهي الجنان الّتي نذهب إليها يوم القيامة ، والعرش فوقها ، ولذلك قال الله تعالى في سورة المؤمنون {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } لأنّ العرش فوق السماوات السبع الأثيريّات ، وهنّ المكنّى عنهنّ بالكرسي ، وقد شرحتُ عن الكرسي و العرش و الجنان في كتابي الكون والقرآن وفي كتابي الإنسان بعد الموت فطالعْهما إن شئتَ زيادة إيضاح (وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ) أي لا يثقلهُ حفظ السماوات والأرض ، يعني الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض لأنّها محفوظات بقوّة جاذبيّة الشمس فلا يذهبنَ في الفضاء ولا يبتعدنَ عن مواقعهنّ . فكلمة " لا يؤودهُ " معناها لا يُثقِلهُ ، ومن ذلك قول الشاعر :

                           يُعْطِي الْمِئِينَ وَلَا يَؤُودُهُ حَمْلُهَا      مَحْضُ الضَّرَائِبِ مَاجِدُ الْأَخْلَاقِ

(وَهُوَ الْعَلِيُّ ) فوق خلقه (الْعَظِيمُ) في صِفاتهِ الّذي تُعظّمهُ ملائكتهُ وتقدّسهُ .

------------------------------------

127 :ذكرت التوراة أنّ داوود أخذ حصاةً من الأرض فوضعها في صكبانه "مِعجاله" ورمى بِها جالوت فأصابت جبهته فسال الدم على وجهه وسقط على الأرض فهجم عليه داوود وقطع رأسه ، وهجم أصحابه على الفلسطينيّين فهزموهم .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم