كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
63 - ثمّ عادَ سبحانهُ إلى خِطاب بني إسرائيل فقال (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ) يعني أخذنا عليكم الميثاق في زمن موسى وفي زمن يوشع بن نون بأن لا تُشركوا بالله شيئاً ولا تجتَرِئوا على المعاصي ، فنقضتم المواثيق ونكثتم العهود وعصيتم أمرَ ربّكم وعبدتم العجلَ في زمن موسى وعبدتم البعلَ وعشتاروث وغيرها بعد وفاة سُليمان (وَ) اذكروا أيضاً إذ أخذنا عليكم الميثاق لَمّا (رَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) وهو الجبل الذي كان موسى يناجي فوقهُ ، وذلك لَمّا نزل بالألواح إليهم في المرّة الثانية قالوا ومن يُصدّق أنّها من عند الله ، وكانوا تحت الجبل فاهتزّ الجبل وانشقّ ومالت الشُقّة عليهم وكادت تسقط عليهم فتقتلهم لولا أنّهم صاحوا آمَنّا وصدّقنا ، فاستقرّت الشُقّة في مكانِها ولم تسقط عليهم ، فحينئذٍ أخذ موسى عليهم العهد بأن لا يعودوا إلى تكذيبهِ مرّةً اُخرى ، وقال لَهم (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم ) في الألواح (بِقُوَّةٍ) يعني بقوّة عزمٍ ويقين ، واعملوا بِما فيها من أحكام ولا تكونوا شاكّين متردّدِين (وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ ) يعني واتّعظوا بِما في الكتاب أي التوراة ، فكلمة "ذِكر" معناها الموعظة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) عقابهُ إن اتّعظتم وعملتم بِما في التوراة . ونظير هذه الآية في سورة الأعراف قوله تعالى {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } .
64 - (ثُمَّ تَوَلَّيْتُم ) أي رجعتم عن طاعة الله (مِّن بَعْدِ ذَلِكَ ) الميثاق (فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ) بأن بعثَ فيكم أنبياء وهُداة (لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ ) في الآخرة .
65 - (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ) يا بني إسرائيل قصّة يهوذا والصوريّين الساكنين في يهوذا (الّذينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ ) بأن اشتغلوا وباعوا واشترَوا وصادوا السمك ، وكان محرّماً عليهم ذلك في السبت (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) أي مطرودين كالقردة .
فإنّ الله تعالى أوحَى إلى نحميا بن حكليا أن يؤنّب رؤساء يهوذا على أفعالِهم وأن يغلق أبواب المدينة ليلة السبت لكيلا يأتي أحد من هؤلاء ليبيع ويشتري يوم السبت ، فأمر نحميا غلمانه بأن يغلقوا أبواب المدينة ولا يفتحوها إلاّ بعد السبت ، فبات هؤلاء خارج المدينة أذلاّء مطرودين بلا غطاء ولا وطاء ، وصعد نحميا فوق السور وأنّبهم على أعمالهم وأنّب رؤساء يهوذا على أفعالِهم هذه ، فكان كلٌّ منهم يقول رأينا بني فلان يصيدون فصدنا نحن ، ورأينا بني فلان يبيعون فبعنا نحن ، فقال لَهم نحميا : إنّ القِرَدة تقلّد الإنسان في أعماله فأنتم أصبحتم كالقِرَدة تقلّدون عاملي الشرّ فلماذا لا تنهَون عن الشرّ بل تعملون كعملهم؟
66 - (فَجَعَلْنَاهَا) أي تلك الحادثة وهي طردهم من المدينة وغلق الأبواب عليهم ومبيتهم خارج المدينة (نَكَالاً ) أي تأديباً وعقوبة (لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا ) من القرى ، أي لِمن كان حولَها من القرى (وَمَا خَلْفَهَا ) أي وللقرى البعيدة عنها أيضاً لأنّهم سمعوا بقصّتهم فتأدّبوا وتركوا البيع والشراء في السبت (وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ) فاتّعَظوا بتلك الحادثة وحمدوا الله على هدايته لَهم حيث أنّهم لم يعتدوا في السبت على بيع ولا شراء ولا صيد . والقصّة مذكورة في الإصحاح الثالث عشر من نحميا في مجموعة التوراة .
[قصة بقرة بني إسرائيل]
67 - (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَة ًقَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً ) أي أتجعلنا مكان هزء فتهزأ بِنا؟ (قَالَ) موسى (أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) الّذينَ يهزؤون .وكلمة "أعوذُ بالله" معناها ألجأ إلى الله وأستجير بهِ ، ومن ذلك قول جرير يهجو الفرزدق :
كأَنِ الفرزدقَ إِذْ يَعوذُ بِخالِهِ مِثلُ الذليلِ يَعوذُ تحتَ القَرْمَلِ
القصّة : قُتِل رجل من بني إسرائيل لأجل ماله ولم يُعرف قاتله ، فجاء أهله إلى موسى وأخبروه بذلك ، فسأل موسى ربّه أن يعلمه بالقاتل ، فقال الله تعالى إذبحوا بقرة واضربوا المقتول ببعض لحمها أو ببعض من أعضائها فإنّه يحيى المقتول ثمّ اسألوه عن قاتله فيخبركم . فرجع النبيّ موسى إلى قومه وأخبرهم بذلك . ولَمّا كان عندهم إحياء الموتى من العجب أخذوا يسألون عن البقرة وأيّ البقر يذبحون ، فقال بعضهم نذبحُ بقرةً مُسنّة وقال آخرون بل نذبح بِكراً ، ثمّ أجمعوا أن يسألوا موسى عن ذلك .
68 - (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ ) البقرة التي اُمِرنا بذبحها (قَالَ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ ) أي الله تعالى يقول (إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ ) "الفارض" الكبيرة في العُمر ، والشاهد على ذلك قول خُفَاف بن نِدْبَة :
لَعَمري لَقَد أعطَيتَ ضَيفَكَ فارِضاً تُساقُ إلَيهِ ما تَقومُ عَلَى رِجلِ
و"البكر" الصغيرة التي لم تلِدْ ، والمعنى : لا مُسنّة ولا بِكر (عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ) يعني مُتوسّطة في العُمر فهي بين الكبيرة والصغيرة ، و"العوان" التي ولدت مرّتين أو ثلاثاً ، ومن ذلك قول الخنساء:
عَوانٌ ضَروسٌ ما يُنادَى وَليدُها تَلَقَّحُ بِالْمُرّانِ حَتّى استَمَرَّتِ
وقال النابغة :
ومَنْ يَتَربّصِ الحَدَثانَ تنزلْ بمولاهُ عوانٌ غيرُ بِكرِ
(فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ ) به من ذبح البقرة .
69 - ثمّ أخذوا يسألون عن لونِها (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا ) أي شديدة الصُفرة ، يقال في صفات الألوان : أصفر فاقع ، وأبيض ناصع ، وأخضر ناضر ، وأحمر قانٍ ، وأسود حالك (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) تعني تُعجِبُ الناظرين إليها وتُفرحهم بحُسنها . ثمّ أخذوا يسألون عن الأعمال الّتي تقوم بها تلك البقرة :
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |