كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 65) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

65 - (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ) يا بني إسرائيل قصّة يهوذا والصوريّين الساكنين في يهوذا (الّذينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ ) بأن اشتغلوا وباعوا واشترَوا وصادوا السمك ، وكان محرّماً عليهم ذلك في السبت (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) أي مطرودين كالقردة .

فإنّ الله تعالى أوحَى إلى نحميا بن حكليا أن يؤنّب رؤساء يهوذا على أفعالِهم وأن يغلق أبواب المدينة ليلة السبت لكيلا يأتي أحد من هؤلاء ليبيع ويشتري يوم السبت ، فأمر نحميا غلمانه بأن يغلقوا أبواب المدينة ولا يفتحوها إلاّ بعد السبت ، فبات هؤلاء خارج المدينة أذلاّء مطرودين بلا غطاء ولا وطاء ، وصعد نحميا فوق السور وأنّبهم على أعمالهم وأنّب رؤساء يهوذا على أفعالِهم هذه ، فكان كلٌّ منهم يقول رأينا بني فلان يصيدون فصدنا نحن ، ورأينا بني فلان يبيعون فبعنا نحن ، فقال لَهم نحميا : إنّ القِرَدة تقلّد الإنسان في أعماله فأنتم أصبحتم كالقِرَدة تقلّدون عاملي الشرّ فلماذا لا تنهَون عن الشرّ بل تعملون كعملهم؟

66 - (فَجَعَلْنَاهَا) أي تلك الحادثة وهي طردهم من المدينة وغلق الأبواب عليهم ومبيتهم خارج المدينة (نَكَالاً ) أي تأديباً وعقوبة (لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا ) من القرى ، أي لِمن كان حولَها من القرى (وَمَا خَلْفَهَا ) أي وللقرى البعيدة عنها أيضاً لأنّهم سمعوا بقصّتهم فتأدّبوا وتركوا البيع والشراء في السبت (وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ) فاتّعَظوا بتلك الحادثة وحمدوا الله على هدايته لَهم حيث أنّهم لم يعتدوا في السبت على بيع ولا شراء ولا صيد . والقصّة مذكورة في الإصحاح الثالث عشر من نحميا في مجموعة التوراة .


                                                   [قصة بقرة بني إسرائيل]

67 - (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَة ًقَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً ) أي أتجعلنا مكان هزء فتهزأ بِنا؟ (قَالَ) موسى (أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) الّذينَ يهزؤون .وكلمة "أعوذُ بالله" معناها ألجأ إلى الله وأستجير بهِ ، ومن ذلك قول جرير يهجو الفرزدق :

                         كأَنِ الفرزدقَ إِذْ يَعوذُ بِخالِهِ      مِثلُ الذليلِ يَعوذُ تحتَ القَرْمَلِ

القصّة : قُتِل رجل من بني إسرائيل لأجل ماله ولم يُعرف قاتله ، فجاء أهله إلى موسى وأخبروه بذلك ، فسأل موسى ربّه أن يعلمه بالقاتل ، فقال الله تعالى إذبحوا بقرة واضربوا المقتول ببعض لحمها أو ببعض من أعضائها فإنّه يحيى المقتول ثمّ اسألوه عن قاتله فيخبركم . فرجع النبيّ موسى إلى قومه وأخبرهم بذلك . ولَمّا كان عندهم إحياء الموتى من العجب أخذوا يسألون عن البقرة وأيّ البقر يذبحون ، فقال بعضهم نذبحُ بقرةً مُسنّة وقال آخرون بل نذبح بِكراً ، ثمّ أجمعوا أن يسألوا موسى عن ذلك .

68 - (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ ) البقرة التي اُمِرنا بذبحها (قَالَ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ ) أي الله تعالى يقول (إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ ) "الفارض" الكبيرة في العُمر ، والشاهد على ذلك قول خُفَاف بن نِدْبَة :

                              لَعَمري لَقَد أعطَيتَ ضَيفَكَ فارِضاً      تُساقُ إلَيهِ ما تَقومُ عَلَى رِجلِ

و"البكر" الصغيرة التي لم تلِدْ ، والمعنى : لا مُسنّة ولا بِكر (عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ) يعني مُتوسّطة في العُمر فهي بين الكبيرة والصغيرة ، و"العوان" التي ولدت مرّتين أو ثلاثاً ، ومن ذلك قول الخنساء: 

                               عَوانٌ ضَروسٌ ما يُنادَى وَليدُها      تَلَقَّحُ بِالْمُرّانِ حَتّى استَمَرَّتِ

وقال النابغة :
                                     ومَنْ يَتَربّصِ الحَدَثانَ تنزلْ      بمولاهُ عوانٌ غيرُ بِكرِ

(فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ ) به من ذبح البقرة .

69 - ثمّ أخذوا يسألون عن لونِها (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا ) أي شديدة الصُفرة ، يقال في صفات الألوان : أصفر فاقع ، وأبيض ناصع ، وأخضر ناضر ، وأحمر قانٍ ، وأسود حالك (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) تعني تُعجِبُ الناظرين إليها وتُفرحهم بحُسنها . ثمّ أخذوا يسألون عن الأعمال الّتي تقوم بها تلك البقرة :

70 - (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ) البقرة التي اُمِرنا بذبحها : أهي من العوامل أم من السوائم (إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ) أي اشتبه علينا فلا ندري أيّها نذبح (وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ) إلى صفة البقرة بتعريف الله إيّانا .

71 - (قَالَ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ ) أي غير مُذلّلة ولا مُدرّبة للعمل في الماضي ، يُقال ناقة ذلول ودابّة ذلول ، أي مُدرّبة مُذلّلة للركوب أو للعمل ، ومن ذلك قول جرير :

                         وَتَشكُو الماشِياتُ إليكَ جَهداً      ولا صَعْبٌ لَهُنَّ ولا ذَلولُ

أي النساء الماشيات على أقدامهنّ فلا دوابّ لهنّ صِعاب ولا مُذلّلات للركوب ، وقال عنترة:

                     ذللٌ ركابي حيثُ شِئتُ مشايعي      لُبّي وأجْفُزُهُ بِرأيٍ مُبرَمِ

وقال الأعشى :
                         وَكُنْ لَهَا جَمَلاً ذَلُولاً ظَهْرُهُ      إحملْ وكُنتَ مُعاوِداً تَحمَالَها

ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ صاحب البقرة استعملها حديثاً للكراب أي لحرث الأرض فقال (تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ ) أي تستعمل لإثارة الأرض يعني للكراب ولا تسقي الزرع (مُسَلَّمَةٌ) أي سليمة من الأمراض ونقص الأعضاء (لاَّ شِيَةَ فِيهَا ) أي لا كلف في جلدها يخالف لونَها بل كلّها صفراء (قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) أي الآن جئت بأوصافها تماماً ، يعني عرفناها وهي بقرة فلان (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ ) أي قاربَ أن لا يذبحوها وذلك لغلاء ثمنها ولفضيحة القاتل

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم