كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 69) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

69 - ثمّ أخذوا يسألون عن لونِها (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا ) أي شديدة الصُفرة ، يقال في صفات الألوان : أصفر فاقع ، وأبيض ناصع ، وأخضر ناضر ، وأحمر قانٍ ، وأسود حالك (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) تعني تُعجِبُ الناظرين إليها وتُفرحهم بحُسنها . ثمّ أخذوا يسألون عن الأعمال الّتي تقوم بها تلك البقرة :

70 - (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ) البقرة التي اُمِرنا بذبحها : أهي من العوامل أم من السوائم (إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ) أي اشتبه علينا فلا ندري أيّها نذبح (وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ) إلى صفة البقرة بتعريف الله إيّانا .

71 - (قَالَ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ ) أي غير مُذلّلة ولا مُدرّبة للعمل في الماضي ، يُقال ناقة ذلول ودابّة ذلول ، أي مُدرّبة مُذلّلة للركوب أو للعمل ، ومن ذلك قول جرير :

                         وَتَشكُو الماشِياتُ إليكَ جَهداً      ولا صَعْبٌ لَهُنَّ ولا ذَلولُ

أي النساء الماشيات على أقدامهنّ فلا دوابّ لهنّ صِعاب ولا مُذلّلات للركوب ، وقال عنترة:

                     ذللٌ ركابي حيثُ شِئتُ مشايعي      لُبّي وأجْفُزُهُ بِرأيٍ مُبرَمِ

وقال الأعشى :
                         وَكُنْ لَهَا جَمَلاً ذَلُولاً ظَهْرُهُ      إحملْ وكُنتَ مُعاوِداً تَحمَالَها

ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ صاحب البقرة استعملها حديثاً للكراب أي لحرث الأرض فقال (تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ ) أي تستعمل لإثارة الأرض يعني للكراب ولا تسقي الزرع (مُسَلَّمَةٌ) أي سليمة من الأمراض ونقص الأعضاء (لاَّ شِيَةَ فِيهَا ) أي لا كلف في جلدها يخالف لونَها بل كلّها صفراء (قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) أي الآن جئت بأوصافها تماماً ، يعني عرفناها وهي بقرة فلان (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ ) أي قاربَ أن لا يذبحوها وذلك لغلاء ثمنها ولفضيحة القاتل

72 - (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ) أي تدافعتم في قتلها ، يعني كلٌّ منكم يدفع جريمة القتل عن نفسهِ ، فالدرءُ معناهُ الدفع كقوله تعالى في سورة النور {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ } ، (وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ) من أمر القتل .

73 - (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ ) أي المقتول (بِبَعْضِهَا) أي ببعض أعضاء البقرة المذبوحة فيحيا المقتول واسألوه عن قاتله ، فلمّا فعلوا جلس المقتول وأخبرهم بالقاتل ثمّ مات (كَذَلِكَ) أي كما أحيا هذا المقتول (يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى ) إن شاءَ فلا يصعب عليه شيء (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ) يعني المعجزات الباهرة الدالّة على قدرة الله ووحدانيته (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) أي لكي تستعملوا عقولكم ولا تكونوا مُقلّدين ، فمَنْ لم يستعمل عقلهُ ولم يُبصر رُشدهُ فهو كمن لا عقل لهُ .

ولَمّا رأى بنو إسرائيل هذا الحادث سألوا موسى قائلين : إذا قُتِل بعدك أحدٌ منّا في مكان ولم نعرف قاتلهُ فماذا نصنع؟ فسأل موسى ربّه عن ذلك ، فقال : إذا قُتِل إنسان ولم يُعرَف قاتله ، إجمعوا رؤساء تلك المحلّة التي وُجِدَ فيها القتيل واذبحوا عِجلةً من البقر وائتُوا بالرؤساء فيغسلوا أيديهم على تلك البقرة ويُقسِموا بالله أنّهم بريئُون من دم القتيل ولا يعلمون من قتَلهُ ، فإذا أبَى أحدٌ منهم أن يُقْسمَ فإنّهُ عالم بالقاتل .

وقصّة القتيل والبقرة المذكورة في القرآن كانت مسطورة في التوراة ، ولكن لَمّا هجم نبوخذ نصّر على فلسطين ومزّق التوراة ذهبت قصّة القتيل والبقرة ، وبقي فيها حكم المقتول المجهول قاتله مسطوراً ، وذلك في الإصحاح الحادي والعشرين من سِفر التثنية .

74 - (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ ) فأصبحتم تظلمون الفقراء وتغصبون أموال الضعفاء وتقتلون الأبرياء (فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) أيّها اليهود فيعاقبكم على أعمالكم السيّئة بعد موتكم .

75 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في خطاب المسلمين فقال (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ ) يعني أن يؤمن اليهود ويُسلموا لكم (وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ) الذي كلّمَ به موسى فوق جبل الطور ، يعني الوصايا والأحكام التشريعية الّتي في التوراة (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ ) أي يؤوّلونَهُ إلى وجوه ، يعني يغيّرون معانيه من بعد ما فهموه ،

ومن جملة ما حرّفوهُ قول الله لموسى في الإصحاح العشرين من سِفر الخروج ، قال الله تعالى [لا تصنعوا معي آلهةَ فضّةٍ ولا تصنعوا لكم آلِهةَ ذهبٍ ] ، ولكنّهم صنعوا أصناماً من فضّة وذهب وحرّفوا المعنى فقالوا : "لم نصنع آلهة بل هذهِ رموز للآلهة" . وقد سألتُ بعض النصارى في بيروت فقلتُ لهُ : "ألم ينهَ الله في التوراة عن اتّخاذ التماثيل ، فلماذا اتّخذتم تماثيل لمريم والمسيح ؟" قالوا : "هذه رموز وليست أصناماً" . فهذا بعض تحريفهم لكلام الله من بعد ما عقَلوه .

(وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) أنّهم يحرّفونه ويَجترئون على المعاصي بتحريفه ولا يخافون العاقبة ، فمن كانت هذه أفعالهم مع أنبيائهم فكيف يؤمنون بنبيٍّ من العرب وليس منهم ؟ فلا تطمعوا بإيمانِهم .

76 - (وَإِذَا لَقُواْ الّذينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا ) بمحمّد (وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ ) يعني إذا التقى اليهود فيما بينهم في مكان خالٍ من المسلمين (قَالُواْ) أي قال بعضهم لبعض على وجه العتاب (أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ ) أي أتحدّثون المسلمين بِما فتح الله عليكم من الرؤيا . الفتح هو نبأ جديد ، ومن ذلك الرمّال يسمّى "فتّاح فال" ، لأنّه يخبر بنبأ جديد ، وذلك أنّ أحد أحبار اليهود رأى في المنام ملاكاً يقول له : "صدّقوا محمّداً فهو نبيُّ حقٍّ" ، فقصّ رؤياه على اليهود وشاع خبر تلك الرؤيا بينهم حتّى وصل خبرها للمسلمين . وقوله تعالى (لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ ) أي لتكون تلك الرؤيا حجّة للمسلمين على إسلامهم وعلى ترككم الإسلام ، وتلك الحجّة تكون يوم القيامة عند الله (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) أيها اليهود وتؤمنون لِمحمّد بعد هذه الأدلّة والبراهين الدالّة على صدقه .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم