كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنبياء من الآية( 2) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

2 - (مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ ) أي من عِظةٍ وتذكير ، ويقصد بذلك القرآن (مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) لا يلتفتون إليهِ ولا يتّعِظون بهِ . هناك اعتقاد سائد عند بعض الفرق الإسلاميّة من أنّ القرآن مكتوب مسبقاً كلّه في اللّوح المحفوظ وينزل منه سور أو آيات في أوقات معيّنة كالحرب أو غير ذلك ، وأنا أقول ليس هذا بصحيح بل هي آيات وسوَر تنزل في وقتها على النبيّ ثمّ تُكتَب في اللّوح المحفوظ حتّى صار كلّ القرآن مكتوباً في اللّوح المحفوظ في السماء عند انتهاء نزول القرآن ، وإنّ جميع أحكامه سارية المفعول لا تتغيّر أحكامه إلى يوم القيامة . وقد قال الله تعالى (مُّحْدَثٍ) ولم يقل أزلي ، والمحدَث معناه الجديد ، والشاهد على ذلك قولُ حسّان بن ثابت الأنصاري يمدح النبيّ والأنصار :

                                     سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُم غَيْرُ مُحْدَثَةٍ      إنَّ الخَلائِقَ فَاعْلَمْ شَرُّها البِدَعُ

وقال الأعشى :
                                    أَرَاكَ كَبِرتَ وَاسْتَحْدَثْتَ خُلْقاً      ووَدّعْتَ الكَواعِبَ والْمُدَامَا

فقول الشاعر " وَاسْتَحْدَثْتَ خُلْقاً " يعني أتيتَ بعادةٍ جديدة غير عادتك القديمة . وقال الفرزدق:   

                                      أَنَا الحامِي الْمُضَمَّنُ كُلَّ أَمْرٍ      جَنَوْهُ مِنَ الحَدِيثِ مَعَ القَدِيمِ

3 - (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) بحبّ الدنيا وجمع المال ، غافلةً عن الموعظةِ وطلب الآخرة (وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى ) أي تشاوروا فيما بينهم بالسِرّ (الّذينَ ظَلَمُواْ ) حقّكَ من أهل مكّة وقالوا (هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ) فلو أرادَ الله أن يُرسلَ رسولاً لأنزلَ ملائكة ، وهذا رجلٌ ساحر (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ ) يعني أتنقادون للسِحرِ (وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ) يعني وأنتم عُقلاء ذوو تبصّر كيف تتّبعون ساحراً ؟

4 - (قَالَ) الرسول (رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ ) فأخبرَني عن أقوالكم وأفعالكم (وَهُوَ السَّمِيعُ ) لِما تقولون (الْعَلِيمُ) بما تفعلون .

5 - (بَلْ قَالُواْ ) أي قال غيرهم من المشركين (أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ) يعني قالوا إنّ القرآن جاءَ بهِ محمّد نتيجة أفكار وعِلم (بَلِ افْتَرَاهُ ) من نفسهِ وليس من الله كما يقول ، وقال آخرون (بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ) نَظمهُ من شِعرِه (فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ ) أي بمعجزة (كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ ) بالمعاجِز ، كناقة صالح وعصا موسى وغير ذلك .

6 - فردّ الله عليهم قولهم فقال تعالى (مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ) يعني الّذينَ سبقوهم في طلب المعاجِز أنكروها لَمّا حصلت وقالوا هذا سِحرٌ مُبين ، فلا قوم صالح آمَنوا لَمّا رأوا الناقة ولا قوم فرعون آمَنوا لَمّا رأوا العصا ، فأهلكناهم بسبب تكذيبهم للرُسُل (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ) أي فهل أهل مكّة يؤمنون إذا أعطيناهم معجزةً مادّية ، كلاّ بل يكون حالهم ومصيرهم كمصير قوم صالح وقوم فرعون .

7 - (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً ) . وهذا جواب لقولهم هل هذا إلا بشرٌ مثلكم ، والمعنى : نحن لم نرسل قبلك إلى الناس أنبياء من الملائكة بل أرسلناهم رجالاً مثلك (نُّوحِي إِلَيْهِمْ ) ما يقومون بهِ من تبليغ الرسالة (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ ) يعني إسألوا أهل التوراة عن ذلك (إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) حقيقة الأنبياء .

8 - (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا ) أي لم نجعل الأنبياء تماثيل (لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ) بل هم بشرٌ مثلكم يأكلون ويشربون (وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ) في دار الدنيا بل ماتوا وانتقلوا حين موتهم إلى عالَم الأثير إلى جوار ربّهم في الجنان الروحانيّة .

9 - (ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ ) يعني وفَينا لهم بما وعدناهم من النصر على أعدائهم المكذّبين لهم (فَأَنجَيْنَاهُمْ) أي أنجَينا الأنبياء (وَمَن نَّشَاءُ ) يعني ومن آمَن بهم وعمِلَ بقولهم (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ) أي الكافرين الّذينَ أسرفوا في المعاصي ، يعني أكثروا منها .

10 - (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ) أي فيه موعظة لكم وتذكير، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الذاريات{وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}، ( أَفَلَا تَعْقِلُونَ) وتتعظون ؟ فالذكر يريد به القرآن فهو موعظة وإرشاد للناس .

11 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ ما فعلهُ بالمكذّبين فقال (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ) بالزلزال ، والقصم معناه التكسير ، يُقال "قصمهُ نصفَين" أي كسرهُ ، قطعهُ (كَانَتْ ظَالِمَةً ) يعني كان أهلها ظالمين مكذّبين للرُسُل (وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا ) قرية اُخرى و (قَوْمًا آخَرِينَ ) .

12 - (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا ) يعني فلمّا شعروا بالزلزال (إِذَا هُم مِّنْهَا ) أي من القريةِ (يَرْكُضُونَ) إلى خارج القرية يُريدون النجاة بأنفسهم دون أموالهم وبنيهم . فقالت لهم الملائكة على وجه السُخرية :

13 - (لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ) يعني إرجعوا إلى أموالكم الّتي تنعّمتم بها (وَمَسَاكِنِكُمْ) الّتي كنتم تسكنون فيها (لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ) عن أموالكم من أنعمَ بها عليكم نحن أم أصنامكم ، فإن اعترفتم بأنّ الله أنعمَ بها عليكم فلماذا عبدتم غيرهُ وإن قلتم إنّ الأصنام أعطتكم إيّاها فقد كذبتم .

14 - حينئذٍ (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ) للرُسُل إذ كذّبناهم وسخرنا منهم .

15 - (فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ ) أي فما زالوا يُردّدون تلك الكلمة فيقولون (يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ) ، (حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا ) كما تحصدون الحنطة والشعير (خَامِدِينَ) يعني حتّى أهلكناهم عن آخرهم فأصبحوا موتَى لا حراك بهم ، ومن ذلك قول لبيد يصفُ قتلَى :

                                    خَلُّوا ثِيابَهُمُ على عَوْراتِهِمْ      فهُمُ بأفنِيَةِ البُيُوتِ خُمُودُ

------------------------------------
الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم