كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنبياء من الآية( 38) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

38 - (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) أي متى تقوم الساعة الّتي تعدوننا بها وبالعذاب الّذي يُصيبنا فيها ، فأجاب الله تعالى عن سؤالهم هذا فقال :

39 - (لَوْ يَعْلَمُ الّذينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ ) يعني تحيط بهم النار من كلّ جانب فلا يستطيعون الخلاص منها ، وذلك بعد موتهم يدخلون جهنّم (وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ) أي لا ينصرهم أحد فيخلّصهم من النار ، وتقديره لو يعلمون ذلك ما استعجلوا بطلب العذاب ولا قالوا متى هذا الوعدُ إن كنتم صادقين .

40 - (بَلْ تَأْتِيهِم ) الساعة (بَغْتَةً) أي تأتيهم ساعة الموت فَجأةً (فَتَبْهَتُهُمْ) حين يرَون ملائكة الموت الّتي تقبض نفوسهم من أجسامهم ، أي يبقون في حيرة (فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ) أي لا يستطيعون ردّ الملائكة عنهم (وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ) أي ولا يُمهَلون إلى وقتٍ آخر ليتوبوا ويؤمنوا .

41 - (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ) يا محمّد كما استهزأ هؤلاء بكَ (فَحَاقَ) أي أحاط العذاب (بِالّذينَ سَخِرُوا مِنْهُم ) أي سخِروا من الرُسُل (مَّا كَانُوا بِهِ ) أي بالعذاب ووقوعهِ (يَسْتَهْزِؤُون) أي مُكذّبين بوقوعه غير مُصدّقين .

42 - (قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم ) أي مَن يحرسكم ،
ومن ذلك قول زُهير : مَخُوفٌ بَأسُهُ يَكْلأْكَ منهُ عَتِيقٌ لا ألَفُّ ولا سَؤُومُ
وقال ابن هرمة : إنَّ سُلَيَمَى واللَّهُ يَكْلَؤُها ضَنَّتْ بِشَيْءٍ ما كانَ يَرْزَؤُهَا
(بِاللّيل وَالنَّهَارِ مِنَ ) عذاب (الرَّحْمَنِ) إذا نزل بكم وحلّ بأرضكم . فاللّيل يُريد بهِ آخر ليل من ليالي الأرض ، وكذلك النهار ، وسيأتي شرحهما في سورة القصص وذلك قوله تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللّيل سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .. إلى آخر الآية} ، ثمّ ذكر النهار بالسرمد أيضاً ، وهذا الحادث يكون عند وقوف الأرض عن دورتها المحوريّة فيكون طول كلّ من اللّيل والنهار ألف سنةٍ وحينئذٍ يحلّ العذاب بأهل الأرض لِما يصيب أهل النهار من الحرّ الشديد ، وأهل اللّيل من البرد الشديد والجوع فيهلكوا ،والمعنى : إذا صار ذلك اليوم وحلّ العذاب بكم مَن يحرسكم منهُ وينقذكم من عذابهِ ؟ وقوله (بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ ) أي عن وعظِ ربّهم وإرشادهِ مُعرضون ، والمعنى : عن القرآن مُعرضون .

43 - (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا ) تقديرهُ أم لهم آلهةٌ من دوننا تمنعهم عن اتّباع ديننا ، كلّا ليس في الكون إلاهٌ غير الله وحدهُ ، فالمشركون (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ ) إذا نزل بهم العذاب ولا شُركاؤهم يمكنها أن تدفع العذاب عنهم (وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ ) يعني ولا المشركون تصحبهم ملائكة من عندنا وتنجيهم من العذاب وترشدهم إلى طريق الجنّة ، كما تفعل ذلك مع المؤمنين فتأخذهم إلى الجنّة بصحبتها ، ولكنّ المشركين تصحبهم الشياطين ، فأيّهما أحقّ بالأمن الّذي تصحبهُ أعداؤهُ الشياطين أم الّذي تحرسهُ الملائكة وتأخذهُ إلى الجنّة ؟

44 - (بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ ) في الدنيا بالمال والبنين فلم نُعاجلهم بالعقوبة (حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ) أي طالت أعمارهم فغرّهم المال وطول العُمر فكفروا وظلموا (أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ) . لقد بيّنَ الله تعالى في هذه الآية نقصان الأرض ونقصان أهلها : أمّا نقصان الأرض فقد شرحتُ عنه في سورة الرعد في آية 43 عند قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } ، وفي هذه الآية نبيّن نقصان أهلها وإليك شرح الآية (أَفَلَا يَرَوْنَ ) هؤلاء المشركون المعانِدون (أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ ) بالطاعون والزلزال والسيول وغير ذلك من أسباب الهلاك والدمار وبذلك (نَنقُصُهَا) أي ننقص الأرض بالخراب وأهلها بالموت (مِنْ أَطْرَافِهَا ) أي من أطراف مكّة ، يعني القُرى الواقعة أطرافَ مكّة (أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ) يعني كيف يظنّون أنّهم يغلبون رسولنا وقد يرون كيف نُميت الناس بالمئات بالطاعون بل بالاُلوف في يوم واحد ، وبالزلزال في دقيقة واحدة .

45 - (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء المشركين (إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ ) الّذي جاءني من ربّي وليس هذا من عندي ، ثمّ قال تعالى (وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ ) الّذي تدعوهم إليهِ (إِذَا مَا يُنذَرُونَ ) يعني أكثرهم لا يسمعون دعوتك لأنّهم مقلّدون لآبائهم فهم كالصُمّ عن استماع القرآن وكيف يسمعون الإنذار وينقادون للحقّ وهم لاهون بالدنيا عن الآخرة .

46 - (وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ ) يعني لئن أصابتهم موجة من الحرّ الشديد أو عاصفة من الريح أو نوع آخر ممّا لا يتحمّلون وقوعهُ (لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ) يعني حينئذٍ يعترفون بخطاياهم ويدعون ربّهم ليزيل عنهم العذاب .

47 - (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ ) أي قوانين العدل في الحكم بين الناس ، وهي الكتُب السماويّة (لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ) يعني نُعاقب المسِيء على إساءتهِ في عالم البرزخ والظالم على ظلمهِ والغاصب لحقوق الناس ليكون جاهزاً ليوم القيامة ليدخل الجنّة إذ لم يبقَ عليهِ دَين ولا سيّئات إلا وقد استوفَى حقّهُ منها . وهذا في الموحِدين فقط ، أمّا المشركون فلا يُحاسَبون بل يدخلون جهنّم بلا حساب (فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ) بنقصان من ثوابها ولا زيادة على ما تستحقّهُ من عقابها (وَإِن كَانَ ) لهُ من الحسنات (مِثْقَالَ) أي ثقلَ (حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ) وجازيناهُ عليها (وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) أي مُجازين المحسِن على إحسانهِ والمسِيء على إساءتهِ . ومِثلها في سورة لقمان قوله تعالى {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم