كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الحج من الآية( 28) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

28 - (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ) أي ليحضروا مجالس شورى ونوادي اجتماع فيها منافع لهم للتعاون والتوادد فيما بينهم (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ) بالحمد والثناء والتهليل والتكبير والدعاء والصلاة وعند ذبح الأنعام (فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ) وهي العشر من أوّل ذي الحجّة (عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ) أي ويذكروا اسم الله عند ذبح الأنعام (فَكُلُوا مِنْهَا ) أي من لحمها ، إباحةً لكم (وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ) أي المحتاج الّذي ظهرَ عليه أثر البؤس من الفقر ،
ومن ذلك قول طَرَفة يَغشاهُمُ البائسُ المدفّعُ والضّي === فُ وجارٌ مجاوِرٌ جنُبُ
ولكن اليوم أكثر الحجّاج يذبحون أنعامهم ويرمونها على الأرض في منَى فلا يأكلون منها ولا يطعمون الفقير فتكون جيفة بعد ذلك فبدل أن يستفيد منها الفقير تكون ضرَراً على الناس برائحتها المنتنة وقد تُسبّب أمراضاً للمجتمع وهذا لا يجوز ولا يُقبَل هديهُ ، فيجب على الحاج الّذي يريد أن يقدّم هديه يحضر أحداً من الفقراء ثمّ يذبح هديهُ ويعطيه للفقير ، وإذا لم يجد فقيراً في منَى ليعطيه الذبيحة فعليه أن يدفع ثمنها إلى الفقراء في مكّة إذا لم يجد فقراء في منَى . والأحسن من هذا وأصوب أن يشترك أربعة من الحجّاج في كبش واحد أو عنز فيمدّون أيديهم عليه ويقولون "اللّهمّ إنّ هذا هَديُنا منك وإليك فتقبّل منّا هَديَنا ، إنّك سميعٌ عليم" . ثمّ يُذبَح ويُطبَخ فيأكلون منهُ ويوزّعون على الفقراء ، وإن لم يجدوا فقيراً حولهم فيقدّم بعضهم لبعض من لحمه على سبيل الهديّة . ثمّ عند رجوعهم من منَى إلى مكّة يدفع كلّ واحد منهم ما تبقّى من ثمن الكبش نقوداً إلى الفقراء ، يعني إن كان ثمن الكبش الّذي ذبحوه عشرين ديناراً فعلى كلّ واحد منهم أن يدفع خمسة عشر ديناراً للفقراء ، فيقول "اللّهمّ هذا بقايا هَديِي أنفقتُهُ على الفقراء فتقبّل منّي أنّك سميعٌ عليم" . وبذلك يكون قد ذبح من الأنعام وأكل منها كما أمر الله وأفاد الفقراء بما دفعهُ لهم من نقود . [المراجِع : ما بيّنهُ المفسّر من حلول لهذه المشكلة كان قبل أن تقوم الحكومة في الحجاز بحلٍّ لهذه المشكلة يتضمّن استلامهم لمبلغ الهدي ثمّ قيامهم بذبح الذبائح في أماكن مخصّصة ومبرّدة ومن ثمّ تصديرها للمسلمين الفقراء . ]

29 - (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) أي لينهوا إحرامهم بحلقِ رؤوسهم وقصّ شعرٍ من شواربهم وتقليم أظفارهم وغير ذلك ممّا هو مُستعمَل في الحجّ (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) إن كان عليهم نذرٌ (وَلْيَطَّوَّفُوا) طواف وداع (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) أي القديم ، فهو أقدم المساجد على الأرض .

30 - (ذَلِكَ) البيت من حُرُمات الله (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ ) وهي المسجد الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } ، (فَهُوَ) أي التعظيم (خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ) في الآخرة (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ ) أي أكل لحومها ، وهي الغنم والمعز والبقر والإبل (إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) في القرآن من تحريم بعضها . وهو ما جاء في سورة المائدة من تحريم الميتة والمنخنقة والموقوذة إلى آخره (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ ) أي اجتنبوا من أن يُصيبكم مرض من الأوثان ، يعني مرض نفسي بعبادتكم لها ومرض جسماني بلمسها وتقبيلها وذلك بانتقال العدوى من المريض إلى السليم (وَاجْتَنِبُوا) قولهم (قَوْلَ الزُّور ) أي الكذِب والبهتان ، وهو قول المشركين من العرب في التلبية : "لبّيكَ لا شريكَ لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك" يعنون بذلك الصنم هُبل .

31 - (حُنَفَاءَ) أي موحِّدين في العبادة (لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ ) يسقط في الهاوية ويستولي عليهِ الشيطان في عالم البرزخ (فَكَأَنَّمَا) بهِ وقد (خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ ) يعني من يُشرك بالله فقد عرّضَ نفسهُ للخطر وألقَى بها في الهاوية وذلك كالنفوس الّتي تعبث بها الشياطين وتضحك عليها فتصعد بها إلى السماء لتسترق السمع فإذا رأت شهاباً تبعها أو ملَكاً طردها خَرّتْ إلى الأرض مُسرعة (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ ) يعني إذا صادفها طير في طريقها خطفها فمزّقَ أحشاءها لأنّهُ يدخل في بطنها ويخرج من ظهرها أو عكس ذلك ، فالخطف معناه الإصابة بسرعة من حيث لا يشعُر ،
ومن ذلك قول عنترة : ولَكَمْ خَطِفْتُ مُدَرَّعاً مِنْ سَرْجِهِ في الحرْبِ وهْوَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَشْعُرِ
وقال أيضاً : سَتَعْلَمُ أيُّنا يَبْقَى طَرِيحاً تَخْطَفُهُ الذَّوابِلُ والنُّصُولُ يعني تمرّ من فوقهِ نصول السهام وذوابلها .
وقال زهير يصف قطاة يتبعها صقر ليصيدها : عِنْدَ الذُّنابَى لَهَا صَوْتٌ وأَزْمَلَةٌ يَكادُ يَخْطَفُها طَوْراً وتَهْتَلِكُ
(أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ) يعني أو تصادفها رياح عاصفة فتحمل تلك النفس إلى مسافات بعيدة وتُلقي بها في مكانٍ عميق فتسقط بين الصخور أو في وادٍ من الوديان فتتكسّر وتتألّم وذلك لأنّها اتّبعت قول الشيطان ولم تسمع لوصايا الرحمان . فالسحيق معناه البعيد ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الملك {فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ } أي أبعدهم الله عن رحمتهِ .
وقال زُهير : كَأَنَّ عَيْنَيَّ في غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ مِنَ النَّواضِحِ تَسْقِي جَنَّةً سُحُقَا أي تسقي بستاناً بعيدة .
وقال يصف ناقة تستقي الماء من البئر : لَها مَتاعٌ وأَعْوانٌ غَدَوْنَ بِهِ قِتْبٌ وَغَرْبٌ إذا ما أُفْرِغَ انْسَحَقَا يعني إذا اُفرغ ماء الدلو سقطَ إلى البئر .

32 - (ذَلِكَ) الخطف من الطير والهويّ في مكانٍ سحيق من جملة العذاب للمشركين في عالم البرزخ (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ ) أي معالم دينهِ من الفرائض والسُنن (فَإِنَّهَا) أي تعظيمها (مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) يعني من إيمان القلوب بها فلذلك تُعظّمها وتتّقي عذاب الله في تركها .

33 - (لَكُمْ فِيهَا ) أي في إقامتها وأدائها (مَنَافِعُ) يا أهل مكّة لِما لكم من الربح في ذلك (إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) يعني إلى انقضاء وقت الحجّ ، والمنافع لأهل مكّة بما ينتفعون بهِ من الحاجّ (ثُمَّ مَحِلُّهَا ) أي الإحلال من الإحرام (إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) يعني ينتهي بالطواف الأخير في بيت الله القديم ، وهو طواف الوداع .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم