كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
53 - (لِيَجْعَلَ) الله (مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) من الاعتراضات على المشركين (فِتْنَةً) وتشكيكاً (لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ) أي نفاق (وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ) على الضعفاء والمساكين (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ ) الّذينَ يظلمون الناس (لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) أي لفي اختلاف بعيد عن الحقّ . والمعنى : إنّ الشيطان يُلقي على المشركين من الاعتراضات كما ألقاها على النبيّ فيقول لهم إنّه بشرٌ مثلكم يأكل ممّا تأكلون منهُ ويشربُ ممّا تشربون ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنّكم إذاً لخاسرون . وبذلك يُلقي الشكّ في قلوبهم ، وإنّ الله تعالى يهدي منهم من كان حسَن الأخلاق طيّب النفس رحيم القلب ، ويترك من كان مُنافقاً أو بخيلاً أو ظالماً للناس فلا يهديهِ إلى طريق الحقّ ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة إبراهيم {وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء } .
54 - (وَلِيَعْلَمَ) المؤمنون (الّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) بتحكيم الآيات في قلب النبيّ وإنزالها بكثرة (أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ) يعني ليعلم المؤمنون أن القرآن حقّ مُنزلٌ من الله وليس كما يزعم المشركون أنّه من محمّد قاله من نفسهِ (فَيُؤْمِنُوا بِهِ ) أي فيزداد إيمانهم بالقرآن (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ) أي تسكن وتطمئنّ قلوبهم بما جاء بهِ محمّد ولا يعتريهم شكّ ، فكلمة "خبت" معناها السكون ،
ومن ذلك قول عنترة :
كانوا يَشُبُّونَ الحُرُوبَ إذا خَبَتْ قِدماً بِكُلِّ مُهَنَّدٍ فَصَّالِ
(وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الّذينَ آمَنُوا ) في المستقبل (إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يعني يُديم لهم الهداية فيستقيمون على طريق الحقّ ولا يرتدّون عنهُ .
55 - (وَلَا يَزَالُ الّذينَ كَفَرُوا ) أي المشركون (فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ) أي من القرآن ، و"المرية" هي الجدال ، والمعنى : إنّهم في جدال فيما بينهم فبعضهم يقول سِحرٌ ، وبعضهم يقول كهانة ، وبعضهم يقول افتراء ، وبعضهم يقول محمّد صادق لم نعهد منه كذِباً منذُ نشأتهِ (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ ) أي ساعة الموت (بَغْتَةً) أي فجأةً (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ) أي عذاب الاستئصال فلا يبقَى أحدٌ منهم ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الذاريات {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ }
56 - (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ ) أي مُلك الكافرين الّذينَ ماتوا بعذاب الاستئصال فتكون خالصةً للمؤمنين يوم القيامة (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ) بالعدل ، أي يحكم بين النفوس (فَالّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) يُدخلهم الله (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) يتنعّمون فيها .
57 - (وَالّذينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) أي فيهِ إهانة لهم .
58 - (وَالّذينَ هَاجَرُوا ) من مكّة إلى المدينة والتحقوا بالنبيّ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) ومرضاتهِ (ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ ) من أثمار الجنّة (رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) .
59 - (لَيُدْخِلَنَّهُم) الجنّة (مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ ) بأحوالهم (حَلِيمٌ) إذ غفر لهم ذنوبهم ولم يُعاقبهم عليها .
60 - (ذَلِكَ) إشارةً إلى ما سبق من تعذيب الكافرين والرزق الحسَن للمهاجِرين ، والمعنى : ذلك حُكم الله في الكافرين والمؤمنين (وَمَنْ عَاقَبَ ) الكافرين (بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ) أي بمِثل ما اعتدَوا عليهِ (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ ) ثانيةً ، يعني ثمّ اعتدَوا عليه الكافرون مرّةً اُخرى (لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ ) عليهم (إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ) للمؤمنين (غَفُورٌ) لذنوبهم . نزلت هذه الآية في جماعة من مُشركي العرب لقُوا نفَراً من المسلمين لِلَيلتينِ بقيتا من شهر محرّم فقالوا إنّ أصحاب محمّد لا يقاتلون في هذا الشهر ، فحملوا عليهم فناشدهم المسلمون أن لا يُقاتلوهم في الشهر الحرام فأبَوا ، فنصر الله المسلمين عليهم فقتلوهم .
61 - (ذَلِكَ) النصر للمؤمنين (بِأَنَّ اللَّهَ ) وعدهم بالنصر في المستقبل (يُولِجُ اللّيل فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللّيل ) أي يُدخلُ بعضهما في بعض وذلك بسبب دوران الأرض حول محورها ، والمعنى : إنّ الله تعالى يُداول الأيّام حتّى يأتي يوم النصر للمسلمين . ومِثلها في سورة آل عمران قوله تعالى {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } ، (وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ) لدعاء المؤمنين (بَصِيرٌ) بهم وبمن بَغَى عليهم .
62 - (ذَلِكَ) الوعد بالنصر للمؤمنين (بِأَنَّ) وعد (اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ) وأنّ الله لا يخلف الميعاد (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ) ومن تمسّك بالباطل لا ينتصر (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) لا يغلبهُ أحد .
63 - ثمّ خاطب رسوله فقال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ) بالنبات ، والمعنى : لا تستبعد أن يكون النصر لأصحابك لأنّهم قليلون والمشركين كثيرون ، فإنّ الله يجعل سبباً فتكثر أصحابك كما يكثر النبات وينمو بالمطر (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ ) بعبادهِ المؤمنين (خَبِيرٌ) بأحوالهم .
64 - (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة من طيرٍ يطير (وَمَا فِي الْأَرْضِ ) من دوابّ تسير ومُلكٍ كثير فيهبُ ما يشاء منهما لك ولأصحابك المؤمنين (وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ ) فيُعطيكم من مُلكهِ ويرزقكم من فضلهِ ، وهو (الْحَمِيد) على عطاياهُ فيجب أن تحمدوهُ .
65 - (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ ) من نبات وحيوان ، وما في البحر من أسماك ولؤلؤ ومرجان (وَالْفُلْكَ) أي السُفُن (تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ) أي بتقديرِه وبالرياح الّتي تسوق السُفُن الشراعيّة (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ ) أي الطبقات الغازيّة الخانقة (أَن تَقَعَ ) يعني لئلا تقع (عَلَى الْأَرْضِ ) فتموت الناس خنقاً وتسمّماً باستنشاقها (إِلَّا بِإِذْنِهِ ) يعني قبل يوم القيامة فإنّه تعالى يأذن لها في الوقوع فتقع (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) إذْ جعل تلك الغازات خفيفة الوزن فارتفعت إلى الأعلى لئلا تختنقوا باستنشاقها .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |