كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
15 - (قُلْ) لهم يا محمّد (أَذَلِكَ) العذاب (خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً ) على أعمالهم (وَمَصِيرًا) يصيرون إليها ويسكنون فيها ؟
16 - (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ ) ويشتهون (خَالِدِينَ) أي مُخلّدين فيها إلى الأبد (كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولًا ) يعني وعدهم في الدنيا بنعيم الآخرة فوفَى لهم بوعدهِ كما سألوهُ بقولهم [كما في سورة آل عمران : ] {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ } .
17 - (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ ) أي يجمعهم (وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) يعني الملائكة الّتي عبدوها من دون الله (فَيَقُولُ) الله تعالى لهؤلاء المعبودين (أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ ) عن طريق الحقّ (أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ) أي ضلّوا الطريق ؟
18 - (قَالُوا) أي قال المعبودون (سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ ) أي لا يليق بنا أن نتولّى أحداً غيرك فكيف نأمر أحداً بأن يتوَلّانا (وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ ) بأنواع النِعَم وطول العُمر في الدنيا فاستغرقوا في الشهوات (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ ) أي غفلوا عن القرآن ولم يتّعِظوا بهِ (وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ) أي فارغين من العقل والتفكير ،
والشاهد على ذلك قولُ ابن الزبعري :
يَا رَسُولَ الْمَلِيكِ إِنَّ لِسَانِـي رَاتِقٌ مَا فَتَقْتُ إِذْ أَنَا بُــورُ
وقال حسّان يذمّ اليهود :
هُمُ أُوتُوا الكِتابَ فَضَيّعوُهُ فَهُمْ عُمْيٌ مِنَ التَّوْراةِ بُورُ
يعني : فارغون من العقول .
19 - ثمّ وجّه الكلام إلى المشركين فقال تعالى (فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا ) كنتم (تَقُولُونَ) من أنّهم شُفعاؤنا عند الله ، فلم يشفعوا لكم بل تبرّأوا منكم (فَمَا تَسْتَطِيعُونَ ) اليومَ (صَرْفًا) للعذاب عنكم (وَلَا نَصْرًا ) لكم . ثمّ خاطبَ المسلمين فقال تعالى (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ ) أحداً من المسلمين أو يظلم نفسه بأن يُشرك في عبادته غير الله أو يرتكب جرائم (نُذِقْهُ) في الآخرة (عَذَابًا كَبِيرًا ) أي شديداً دائماً .
20 - ثمّ عادَ سُبحانهُ إلى مُخاطَبة النبيّ فقال (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ) كما تأكل أنت (وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ) كما تمشي ، فلماذا يستنكرون عليك الأكل والمشي (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ) أي جعلنا الرُسُل لأقوامهم فتنة وجعلنا الأقوام لرُسُلهم فتنة ، و"الفتنة" معناها الاختبار ، والمعنى : نُرسل الرسول إلى قومهِ لنختبرهم هل يؤمنون أم يصدّون عن الإيمان ، ونختبر الرسول بأذى قومهِ هل يصبر على أذاهم أم يجزع ، فالمراد من الرُسُل الصبر على أذى قومهم ، والمراد من القوم الإيمان برسولهم ، وبذلك نختبر بعضهم ببعض (أَتَصْبِرُونَ) أيّها الرُسُل أم تجزعون ، هذا اختبارنا لكم (وَكَانَ رَبُّكَ ) يا محمّد (بَصِيرًا) بعبادهِ فيختار منهم للرسالة من كان صبوراً لا يجزع .
21 - (وَقَالَ) المشركون (الّذينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا ) أي لا يؤمنون بالبعث والجزاء (لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ ) فيشهدون بأنّ محمّداً صادقٌ فيما يقول فحينئذٍ نؤمن برسالتهِ (أَوْ نَرَى رَبَّنَا ) فيكلّمنا بأنّ محمّداً رسول أرسلهُ إلينا فنؤمن برسالتهِ . فقال الله تعالى (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا ) بهذا القول (فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا ) أي جاوزوا الحدّ في المخالَفة والطُغيان .
22 - (يَوْمَ) موتهم (يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ) التي تقبض أرواحهم ، يعني تُخرج نفوسهم من أجسامهم (لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ) وهذا مثل يضرب لوقوع العذاب عليهم ، والمعنى العذاب للمجرمين والبشرى للصالحين بدخول الجنة (وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا) أي تقول الملائكة لهؤلاء المجرمين حِجزاً لكم وسجناً من قبل الشياطين محجوزاً إلى يوم القيامة ، والمعنى إنّ الشياطين ستستولي عليكم وتحجزكم إلى يوم القيامة . يقال حَجَرَ القاضي عليه أي منعه من التصرف في ماله ، وحجره أي حجزه ، والمرأة محجورة في دارها أي لا تخرج منه ، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم :
وسيّد معشرٍ قد توّجوهُ ..... بتاج الملك يحمي المحجَرينا
وقال الأعشى :
حَجَرُوا عَلى أضْيَافِهِمْ وَشَوَوْا لهمْ ..... مِنْ شَطّ مُنْقِيَةٍ وَمِنْ أكْبَادِ
يعني منعوا أضيافهم من المسير وشوَوا لهم أكباد الغنم فأكلوا .
23 - (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا ) المشركون (مِنْ عَمَلٍ ) صالح (فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ) أي غُباراً مُنتشراً في الجوّ لا يستفيدون منهُ ولا يؤجَرون عليهِ ، لأنّ المشرك لا تُقبَل أعماله .
24 - (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ ) أي يوم موتهم وانتقالهم إلى الآخرة (خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا ) من المترَفين في الدنيا (وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ) من المشركين المتنعّمين في الدنيا . "المقيل" معناهُ الراحة ، و"القيلولة" النوم القليل بعد الظُهر ،
ومن ذلك قول عنترة :
وحُطَّا علَى الرَّمْضاءِ رَحْلِي فإنَّها مَقِيلِي وإخْفاقُ البُنُودِ خِيامِي
وقال كعب بن زُهير :
غُرابٌ وذِئبٌ يَنْظُرانِ متى أرَى مُنَاخَ مَبِيتٍ أو مَقِيلاً فأنْزِلُ
إنّ الأنبياء والشهداء والأولياء والصالحين حين موتهم يدخلون الجنان الأثيريّة . أمّا المذنبون من الناس الموحّدين فينقسمون إلى قِسمين فبعضهم يدخلون الجنّة حين تقف الأرض عن دورتها المحوريّة ، والقِسم الثاني وهم المجرمون من الموحّدين يدخلونها يوم القيامة بعد أن يستوفوا عذابهم على الأرض .
25 - (وَيَوْمَ) القيامة (تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ) أي بالضباب والدخان ، فالسماء هي الطبقات الغازيّة ، يعني تتشقّق ويختلط بعضها بالبعض فتكون كالدخان أو كالغمام أي السحاب الأسود المتكاثف ، والشاهد على ذلك قول عنترة:
وَبيضُ سُيوفٍ في ظِلالِ عَجاجَـةٍ ..... كَقَطرِ غَـوادٍ فـي سَـوادِ غَمـامِ
(وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ) من السماوات الأثيرية إلى المحشر (تَنزِيلًا) بإذن ربّهم .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |