كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
111 - عمد رؤساء اليهود إلى من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه وأنّبوهم ، فنزلت هذه الآية (لَن يَضُرُّوكُمْ ) اليهود بأفعالِهم (إِلاَّ أَذًى ) بألسنتِهم (وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ) منهزمين عنكم (ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ) . وعد الله المؤمنين بالنصر على اليهود وأنّهم لا ينالهم مضرّة من اليهود إلاّ أذىً من جهة الكلام فقط .
112 - (ضُرِبَتْ) أي اُنزلت واستحكمت (عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ) من الله بسبب حِقدهم وكفرهم وسوء أعمالِهم (أَيْنَمَا ثُقِفُواْ ) يعني أينما وُجِدوا (إِلاَّ) معتصمين (بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ ) ، والمعنى : ضُرِبت عليهم الذلّة في كلّ حين إلاّ في حال تمسّكهم بحبلٍ من الله وحبلٍ من الناس ، فحبل الله هو الكتاب السماوي ، وحبل من الناس هو النبي المعاصر لكلّ زمان فيهم ، والمعنى : إذا كانوا متمَسّكين بالتوراة يعملون بأحكامها لا يحيدون عنها ، ومُتمسّكين أيضاً بأقوال نبيّهم المعاصر لهم ففي ذلك الحين كانوا أعزّة غير أذلّة (وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ ) إستوجبوه بسبب كفرهم وإشراكهم ، يعني رجعوا بعد عِزّهم بغضب من الله ، ومن ذلك قول الحُطيئة :
تَنادَوْا فَحَثّوا لِلتفَرّقِ عِيرَهُمْ فَباؤوا بِجَمّاءِ العِظامِ قَتولِ
(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ) أي الخضوع والانقياد لحُكم غيرهم كرهاً (ذَلِكَ) الذلّ جزاؤهم في الدنيا (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنّهم (كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ) أي بغير ذنبٍ أذنبوهُ (ذَلِكَ) الغضب استَوجبوه (بِمَا عَصَوا ) أمر الله (وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) على رُسُل الله .
113 - لَمّا نزلت الآية السالفة في ذمّ اليهود قالوا إذاً كلّ اليهود كافرون وكلّهم في جهنّم على حدّ قولكم حتّى الّذينَ أسلموا ، فنزلت هذه الآية (لَيْسُواْ) اليهود كلّهم (سَوَاءً) في الأعمال والأقوال بل (مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ ) أي جماعة (قَآئِمَةٌ) بالحقّ لأنّهم أسلموا وآمنوا ، وهم عبد الله بن سلام وأصحابه (يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ ) أي يقرأون القرآن (آنَاء اللّيل ) يعني في أوقات من اللّيل (وَهُمْ) مع ذلك (يَسْجُدُونَ) شكراً لله على هدايته لهم ، ويسجدون أيضاً إذا مرّت عليهم آية فيها سجدة .
114 - (يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) وحدهُ لا يُشركون بهِ (وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) يعني ويؤمنون بيوم القيامة ، لأنّه يكون في آخر يوم من أيّام الأرض لأنّها تتمزّق في ذلك اليوم فلا يكون بعد ذلك فيها ليلٌ أو نهار (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ ) في عمل (الْخَيْرَاتِ) وأدائها للفقراء والمحتاجين (وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ) وليسوا من جملة اليهود الفاسقين . فقالت اليهود لا يؤجَر هؤلاء مهما صلّوا وصاموا لأنّهم تركوا دين موسى واتّبعوا دين محمّد . فنزلت هذه الآية :
115 - (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ ) أي فلن نجحدهُ بل نجازيهم عليه أضعافاً مُضاعفة (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ) فلا نلتفت إلى قول اليهود فيهم .
116 - (إِنَّ الّذينَ كَفَرُواْ ) بالقرآن وبمحمّد (لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ ) أي لن تدفع عنهم (أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ) عذاب (اللّهِ شَيْئًا وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) يوم القيامة .
117 - (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ ) لغير الله (فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ ) تقديره : مثَل إهلاك ما ينفقون كمثَل إهلاك ريح (فِيهَا صِرٌّ ) أي فيها برد شديد ، ومن ذلك قول الخنساء :
والمشْبِعُ القومَ إنْ هَبّتْ مُصرْصِرَةٌ نَكْباءُ مُغْبَرّةٌ هَبّتْ بِصُرّادِ
وقال امرؤ القيس يصف فَرَسَه :
لَها غُدُرٌ كقرونِ النسا === ءِ رُكّبنَ في يومِ ريحٍ وصِرْ
فالرياح الباردة تُسمّى "صِرٌّ" وجمعها "أصرار" ، ومن ذلك قول جرير يصف امرأةً ترعى الإبل ليلاً :
قَدْ طالَ رعيتُها العَواشِي بعدَما سقطَ الجليدُ وهبّتِ الأصرارُ
(أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ) أي زرعهم (ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ) بقطع الزكاة عن مستحقّيها (فَأَهْلَكَتْهُ) فخسِروا زرعهم وذهبت أتعابهم أدراج الرياح (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ ) في إهلاك زرعهم (وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) لأنّهم حرموا الفقير من الزكاة فحُرِموا من زرعهم . فكذلك الذي يُنفق مالَهُ لغير الله فلا يُجزَى عليه ولا تُصيبه إلاّ الندامة والخسران .
118 - نزلت هذه الآية في رجال من المسلمين كانوا يواصلون رجالاً من اليهود لِما كان بينهم من الصداقة والقرابة والجوار قبل الإسلام (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ ) أي لا تتّخذوا صداقة وخِلّة من غير أهل مِلّتكم تُفشون إليهم أسراركم . فالبِطانة هم خاصّة الرجُل ، ومن ذلك قول الشاعر :
أُولَئِكَ خُلْصَانِي نَعَمْ وَبِطَانَتِي وَهُمْ عَيْبَتِي مِنْ دُونِ كُلِّ قَرِيبِ
ثمّ بيّن العلّة في المنع من مواصلتهم فقال تعالى (لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ) أي لا يُقصّرون فيما يُؤدّي إلى فساد اُموركم وتشويش أفكاركم ، ومن ذلك قول زُهير :
سَعَى بَعْدَهُمْ قَوْم لِكَيْ يُدْرِكُوهُمُ === فلم يفعلوا ولم يُلِيمُوا ولم يَأْلُوا
أي ولم يُقصّروا في السعي ، وقال الأعشى :
فَكُلُّنَا مُغْرَمٌ يَهْذِي بِصَاحِبِهِ === نَاءٍ ودَانٍ وَمَخْبُولٌ وَمُخْتَبَلُ
فالمخبول من كان في تشويش من أفكاره واختلاف في آرائه ، والدليل على ذلك قوله "يهذي بصاحبِهِ" . وقال لبيد :
كُبَيْشَة ُ حَلَّتْ بَعْدَ عَهْدِكَ عاقِلا وكانَتْ لهُ خَبْلاً على النّأيِ خابِلا
وعاقِل إسم جبل ، وقال جرير :
لَعَمرُكَ ما يَزيدُكَ قُربُ هِندٍ === إِذا ما زُرتَها إِلّا خَبالا
(وَدُّواْ) أي تمنّوا (مَا عَنِتُّمْ ) أي ما أصابكم من عَنَت ، يعني من انكسار ووهن يوم اُحُد ، وفرحوا بذلك (قَدْ بَدَتِ ) اي ظهرت وبانت (الْبَغْضَاءُ) لكم (مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) ومعناهُ قد بانت إمارات العداوة لكم على ألسنتهم وفي فحوى أقوالهم وفلتات كلامهم (وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ ) من البغضاء لكم (أَكْبَرُ) مِمّا يبدون بألسنتهم (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ ) أي قد أظهرنا لكم الدلالات الواضحات التي يتميّز بِها الموالي من المعادي فاتركوا موالاتهم (إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ) وتعرفون عاقبة ذلك .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |