كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة آل عمران من الآية( 18) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

18 - (شَهِدَ اللّهُ ) عَلِمَ عِلْمَ شاهد (أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ ) أي لا خالق للكون إلا هو وحده ولا يستحقّ العبادة غيرهُ (وَالْمَلاَئِكَةُ) علموا وشهدوا بذلك (وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ 130) أيضاً علِموا وشهِدوا بأن لا خالق للكون إلا الله وحدهُ ، وذلك بما ثبتَ عندهم من الأدلّة العقليّة والبراهين العِلميّة ، وشهِدوا بأنّهُ (قَآئِمَاً) في أحكامه (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل لا يَظلِمُ أحداً (لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ ) في مُلكه (الْحَكِيمُ) في خلقِه .

19 - (إِنَّ الدِّينَ ) أي الطاعة (عِندَ اللّهِ ) هو (الإِسْلاَمُ) أي الاستسلام لأوامر الله والانقياد لرسوله (وَمَا اخْتَلَفَ الّذينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ ) معناهُ وما اختلف اليهود والنصارى فيما بينهم (إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ ) في الكتب السماوية ، فالتوراة أخبرت بمجيء عيسى ، والإنجيل جاء مصدّقاً للتوراة فينبغي أن لا يكون بينهما اختلاف ولكن اختلفوا ، وكان سبب ذلك الإختلاف (بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) أي حسَداً وعداوةً فيما بينهم (وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ ) أي بكتُبه وأنبيائه ، وذلك أنّ اليهود كفروا بعيسى والإنجيل ، وكفرت اليهود والنصارى بمحمّد والقرآن (فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) أي سريع العقاب ، فيعاقبهم على اختلافهم وعلى كفرهم .

وقد اختلف اليهود بعد موسى إلى مذاهب فغيّروا دينهم وأشركوا فبعضهم عبدوا البعل وبعضهم عبدوا عشتاروث وبعضهم عبدوا الشِّعرى اليمانيّة ، وقد صنع لهم يربُعام بن ناباط عِجلَينِ من ذهب فعبدوهما بعد وفاة سُليمان . وكذلك النصارى اختلفوا في دينهم بعد عيسى إلى مذاهب عديدة وأشركوا فبعضهم قال بالثالوث وبعضهم قال المسيح إبن الله وبعضهم قال عيسى هو الله وعبدوا تمثال المسيح وتمثال مريم أمّه . كلّ ذلك كان بعد أن صرّحت التوراة بالتوحيد وأوضحت بأنّ العبادة لا تجوز لغير الله ، وكذلك قال المسيح أنا إبنُ الإنسان فاعبدوا الله ربّي وربّكم ولا تعبدوا غيرَه .

20 - (فَإنْ حَآجُّوكَ ) النصارى وخاصموك ، وهم وفدُ نجران (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ ) أي استسلمتُ لأوامر الله واتّجهتُ بنفسي إلى دينِهِ وتعاليمهِ فلا أحيد عنها شئتم هذا أم أبَيتم (وَمَنِ اتَّبَعَنِ ) أيضاً استسلموا لأوامر الله (وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ ) أي اليهود والنصارى (وَالأُمِّيِّينَ) أي الّذينَ لا كتاب لهم ، وهم مشركو العرب (أَأَسْلَمْتُمْ) كما أسلمنا (فَإِنْ أَسْلَمُواْ ) كما أسلمتم (فَقَدِ اهْتَدَواْ ) إلى طريق الحقّ (وَّإِن تَوَلَّوْاْ ) عنك ولم يُسلموا (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ ) وقد بلّغتهم وليس عليك هُداهم (وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) فيهدي من كان أهلاً للهداية ويُضلُّ من يستحقّ الضلالة .

21 - (إِنَّ الّذينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ) أي يكفرون بالكتب السماوية ويجحدونَها (وَيَقْتُلُونَ النبيّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ) أي بغير ذنب اقترفوه ولا جريمة اكتسبوها ، وهم اليهود كانوا يقتلون الأنبياء ومن ذلك زكريا ويحيى وأرادوا صلب المسيح (وَيَقْتُلُونَ الّذينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ ) أي بالعدل (مِنَ النَّاسِ ) وهم كهنة بني إسرائيل (فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) يعذّبون فيه في الآخرة .

22 - (أُولَـئِكَ الّذينَ ) كفروا والّذينَ قَتلوا الأنبياء والوعّاظ (حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) الصالحة ، أي ضاعت فلا يؤجَرون عليها (فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) لأنّهم كفروا بما اُنزل على محمّد كما قَتل آباؤهم الأنبياء والكهنة (وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) يدفعون عنهم العذاب في الآخرة .

وإليك ما جاء في التوراة من قتلهم الأنبياء والكهنة ، فقد جاء في الاصحاح التاسع عشر من الملوك الأوّل قال "وكان كلام الربّ إليه يقول له ما لك ها هنا يا إيليّا ، فقال قد غرتُ غيرة للربّ إلاه الجنود لأنّ بني إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف فبقيت أنا وحدي وهم يطلبون نفسي ليأخذوها" .

أمّا ما جاء في قتل الآمرين بالقسط ففي الإصحاح الثاني والعشرين من صموئيل الأوّل قال "فقال الملك لداواغ دُر أنت وقع بالكهنة ، فدار داواغ الأدومي ووقع بالكهَنة وقتل في ذلك اليوم خمسةً وثمانين رجلاً لابسي أفود كتّان ، وضربَ نوب مدينة الكهَنة بحدّ السيف " .

23 - تشاجر جماعة من اليهود وتخاصموا في ميراث أبيهم ، فقال الولد البكر إنّ لي حصتين من إرث أبي ، قال إخوته ليس لك إلا حصّة واحدة مثلنا لأنّك ابن أمَة وليست اُمّك حرّة كاُمّنا ، والحكم في توراة عزرا للولد البِكر حصّتان ، يعني أوّل مولود يولد لأبيه . فذهبوا إلى الكوهين حيي بن أخطب فلم يوافقوا بحكمهِ ، فدعاهم أحد المسلمين إلى حُكم القرآن ، فجاؤوا إلى رسول الله وشرحوا له قِصّتهم ، فقال النبيّ (ع) حكم الله في القرآن البنون يرثون أباهم بالتساوي ، ولكن إن كان فيهم بنات فللذكر منهم مثل حظّ الاُنثيين ، أمّا اختلاف الاُمّهات لا تأثير له في الميراث لأنّ الإرث جاء من أبيكم ، فوافق الإخوة على حكم القرآن ولكنّ كبيرهم لم يوافق على ذلك وقال بحكم التوراة لي حصّتان لأنّي بكرُ أبي ، ورجعوا من حيث أتَوا ، فنزلت فيهم هذه الآية :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ ) أي اُعطوا حصّة من الكتُب السماويّة وهي التوراة (يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ ) يعني إلى القرآن (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ) في ميراث أبيهم (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ ) بعد المحاكمة عن الحُكم ولم يُوافقوا بحُكمهِ ، وهو الولد البِكر وأخوالُهُ (وَهُم مُّعْرِضُونَ ) عن القرآن بما فيه من حُكم الميراث .

24 - (ذَلِكَ) شأنهم في الإعراض (بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ ) يوم القيامة (إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) وهي سبعة أيام التي عبدوا فيها العجل في زمن موسى (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ) أي غرّهم افتراء علمائهم عليهم بأن قالوا لهم أنتم شعب الله المختار ، وأنتم أبناء الله وأحبّاؤه ، وجميع الشعوب عبيد لكم ، فغرّتهم هذه الكلمات فكفروا وتكبّروا على أنبياء الله وجحدوا آياته فخسروا ، كما تكبّر إبليس على الملائكة فخسرَ منزلته في السماء وطُرِدَ من الجنّة وخسرَ آخرتَه .

------------------------------------

130 :وأولو العِلم هم الأنبياء والرُسُل ومن تبعهم على شريعتهم .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم