كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة آل عمران من الآية( 30) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

30 - ثمّ رغّبَ سُبحانهُ في عمل الخير وحذّر عن عمل الشرّ فقال تعالى (يَوْمَ) يموت الإنسان (تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا ) في الآخرة ، أي تجد جزاء أعمالها حاضراً كما وعدهم الله تعالى به في الكتب السماويّة وكما نطقت بهِ رُسُلُهُ . ومثلها في سورة الكهف قوله تعالى {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ، (وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ ) يعني وكذلك تجد عقاب أعمالها السيّئة (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ) أي وبين العقاب والعذاب الّذي أصابها في الآخرة (أَمَدًا بَعِيدًا ) أي مسافات بعيدة ، والأمَد مُشتقّ من الإمداد ، وهو المكان المقرّر لوصول الخيل إليه عند المسابقة ، والشاهد على ذلك قول النابغة الذبياني :

                              إلاّ لِمثْلِكَ أوْ مَنْ أنتَ سَابِقُهُ      سبقَ الجوادِ إذا اسْتَولَى على الأمَدِ

يعني إذا وصل المكان الذي ينتهي إليهِ عند المسابقة . وقال الفرزدق :

                     أرَى الزّعلَ ابنَ عروةَ حينَ يجرِي      إذا جارَى إلى أمَدِ الرهانِ

(وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ) إذ حذّرهم عواقب أعمال السوء .

31 - قالت النصارى إنّنا نحبُّ عيسى لأنّ الله يُحبّهُ ، وقال المشركون من العرب إنّنا نحبُّ الملائكة لأنّ الله يُحبّها ، فنزلت هذه الآية ردّاً عليهم (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ ) كما تزعمون (فَاتَّبِعُونِي) بما أقول لكم من ترك الأصنام والأنداد واجعلوا عبادتكم خالصةً لله وحده ولا تشركوا بها أحداً من المخلوقين فحينئذٍ (يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ ) للتائبين (رَّحِيمٌ) بالنادمين الموحِدين .

32 - (قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ ) بما أنزله في القرآن (وَالرَّسُولَ) بما يقوله لكم إن كنتم تحبّون الله كما تزعمون (فإِن تَوَلَّوْاْ ) عنك ولم يسمعوا لقولك (فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) بنعمتهِ ولذلك لا يهديهم ولا يحبّهم .

33 - قالت اليهود نحن شعب الله المختار إختارنا الله لعبادته فكيف نؤمن بك يا محمّد ونتبع دِيناً غير دِيننا؟ فنزلت هذه الآية (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى ) أي اختار ، ومن ذلك قول عنترة :

                           كريمٌ في النّوائبِ أرتَجيهِ      كما هوَ لِلمعامِعِ يَصْطَفِينِي

( آدَمَ وَنُوحًا ) من قبلكم ولستم أوّل من اختاره الله واصطفاه لعبادته (وَآلَ إِبْرَاهِيمَ ) يعني واصطفَى ذرّية إبراهيم وأتباعهم ، وإنّ محمّداً من ذرّية إبراهيم فيجب عليكم أن تتّبعوه وتؤمنوا به ، والمسلمون أيضاً اختارهم الله لعبادته فهم أولاد إبراهيم لأنّهم صدّقوا محمّداً وكذّبتم وآمنوا به وكفرتم وأطاعوه وعصيتم موسى نبيّكم وعبدوا الله وحده وأشركتم . قال الله تعالى في سورة الحـج {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ } ، فالمسلمون هم أبناء إبراهيم ، وفي ذلك قال جرير :

                           أبُونَا خَلِيلُ الله وَالله رَبُّنَا      رَضِينا بِما أعْطَى الإلاهُ وقَدّرَا

وقوله (وَآلَ عِمْرَانَ ) أي واختار آل عمران أيضاً من بعدكم ، وهم مريم بنت عمران وابنها المسيح ومن تبعه في زمانه وسار على نهجهِ (عَلَى الْعَالَمِينَ ) أي على سائر الناس ، والمعنى : إنّ الله اصطفى جميع هؤلاء على سائر الناس في زمانهم ، فآل عمران هم النصارى اصطفاهم الله في زمن عيسى ، وآل إبراهيم هم المسلمون اصطفاهم على سائر الناس في زمن محمّد . أمّا أنتم أيّها اليهود فقد أشركتم وعصيتم وخالفتم وعبدتم العجلَ في زمن موسى نبيّكم ، وعبدتم البعل وعشتاروث والشِّعرى اليمانيّة من بعده ، وقتلتم الأنبياء والوعّاظ فرفضكم الله واختار غيركم .

34 - (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) أي أولاداً وأعقاباً بعضها من بعض في التناسل (وَاللّهُ سَمِيعٌ ) لأقوالكم أيّها اليهود (عَلِيمٌ) بأفعالكم .

وإليك ما جاء في مجموعة التوراة في ذمّ اليهود وعبادتهم للأصنام وغضب الله عليهم ورفضهم ، فقد جاء في الاصحاح الثاني من سِفرِ قضاة قال:
"وفعل بنو إسرائيل الشرّ في عين الربّ وعبدوا البعليم وتركوا الربّ إلهَ آبائهم الّذي أخرجَهم من أرض مصر وساروا وراء آلهةٍ اُخرى من آلهة الشعوب الّذينَ حولَهم وسجدوا لَها وأغاظوا الربّ ، تركوا الربّ وعبدوا البعل وعشتاروث ... فحمي غضب الربّ على إسرائيل فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم وباعهم بيد أعدائهم حولهم ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم" .

35 - (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ ) واسمها حنّة بنت فاقوذا جدّة عيسى وزوجها عمران بن ماثان (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي ) الذي حبلتُ بهِ بأن أجعلهُ (مُحَرَّرًا) أي معتوقاً خالصاً لطاعتك لا أستعمله في منافعي (فَتَقَبَّلْ مِنِّي ) نذري (إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ ) لِما أقوله (الْعَلِيمُ) بِما نويتُ .

36 - (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا ) أي وضعت حملها رأتها اُنثى (قَالَتْ) حنّة (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى ) فكيف أجعلها تقوم في الكنيست مع الرجال (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ) وهذا إخبار منه تعالى بأنّه أعلم بوضعها لأنّه هو الذي خلقها وصوّرها (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ) في المقارنة (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) لئلاّ يغويها .

37 - (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ ) أي فتقبّل نذرها وهيّأ لها الأسباب كما ينبغي وإن كانت اُنثى (وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ) أي جعل نشأها نشئاً حسناً لا مرض يرميها ولا عِلّة تبليها ، فلمّا كبرت وصار عمرها إثني عشر عاماً أتت بِها اُمّها إلى أحبار اليهود في بيت المقدس فقالت : "دونكم هذه النذيرة" ، فتنافسوا فيها فقال زكريّا : "أنا أحقّ بِها لأنّ خالتها زوجتي" ، فقالوا: "لا نقبل حتّى نقترع" ، فانطلقوا إلى نهر الأردن وهم تسعة وعشرون رجلاً فألقَوا أقلامهم في الماء على أنّ من ثبت قلمه في مكانه ولم يسرِ مع الماء فهو أولَى بِها ، فثبتَ قلم زكريّا فأخذها عنده وبنَى لَها غرفة في الكنيست بسلّم لا يصعد إليها غيره وبنَى لَها في الغرفة محراباً تتعبّد فيه ، وكان يأتيها بطعامها وشرابِها وجميع لوازمِها (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ) أي صار كفيلاً بنفقتها (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ) من الفاكهة ، كان بعض الأحبار والوعّاظ الّذينَ في الكنيست يرمون لَها من الفواكه فتأخذها (قَالَ) زكريّا (يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا ) يعني من أين لك هذه الفواكه (قَالَتْ) مريم (هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ ) يُحنّن قلوب ذوي النفوس الطاهرة فيأتون لي بِهذه الفاكهة (إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ) أي بغير تقتير . إعلم أنّ النصارى لا يعرفون قصّة ولادة مريم ولا إسم أبيها مع أنّها اُمّ نبيّهم وقد جاء بِها القرآن مفصّلاً وهذهِ من معجزات القرآن .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم