كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
75 - رجلٌ من قريش وعد النبيّ بأن يجمع أمواله ثمّ يأتي ويُسلِم ، ثمّ جاء إلى النبيّ وأسلم ، وكانت له أمانة عند رجل يهودي فلمّا جاءه ليأخذها منه أنكرها اليهودي لأنّهُ أسلم ، فنزلت هذه الآية في ذمّ اليهود (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ ) من المال ، أي بمالٍ كثير (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ) عند المطالبة (وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ) عند المطالَبة (إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ) يعني إلا مادُمتَ مُتسلّطاً عليه بالقوّة والسيطرة ، وهم اليهود ، والسبب في (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ) أخذ أموال (الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ) يعني ليس علينا عِقاب في أخذ أموالهم واغتصابها لأنّهم مشركون وليسوا أهل كتاب ، فإذا سألهم أحدٌ عن سبب ذلك قالوا إنّ الله أحلّ لنا أخذ أموال المشركين وهذا مكتوب في توراتنا . فكذّبهم الله تعالى فقال (وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ ) بأنّ الله أباح لهم الخيانة في الأمانة (وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) أنّ خائن الأمانة آثِم ومكتوبٌ هذا في توراتهم .
76 - (بَلَى ) عليهم سبيل بالعذاب لِمَن خانَ الأمانة ، ثمّ (مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ ) مع النبيّ وأسلمَ (وَاتَّقَى) الشِّرك ، أي وتجنّب الشِّرك والأصنام فهو مُسلم وليس مُشركاً فكيف يُبيحون أمواله (فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) أي الّذينَ يتّقون الشِرك ويبتعدون عن الأصنام ولا يعبدونها فلماذا يخونون أمانته وهو غير مشرك ؟
77 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أعمالاً اُخرى سيّئة يعملونها فقال (إِنَّ الّذينَ يَشْتَرُونَ ) أي يستبدلون (بِعَهْدِ اللّهِ ) فينقضونهُ (وَأَيْمَانِهِمْ) بالله كاذبين (ثَمَنًا قَلِيلاً ) أي عِوَضاً يسيراً ، فينقضون العهد لأجل المال ويحلفون يميناً كذباً لأجل المال (أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ) أي لا نصيب لهم في الجنّة يوم القيامة (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ ) بالتهنئة لأنّهم لا يدخلون الجنة (وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ ) نظرة رحمة (يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ) من الذنوب ، يعني ولا يغفر ذنوبهم (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أي مؤلم
78 - (وَإِنَّ مِنْهُمْ ) أي من أهل الكتاب (لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ ) يعني يبدّلون معناهُ ويغيّرون تفسيره بالترجمة من اللغة العبرية إلى العربية (لِتَحْسَبُوهُ) أيّها المسلمون (مِنَ الْكِتَابِ ) أي من التوراة (وَمَا هُوَ ) في الحقيقة (مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ ) هؤلاء اليهود (هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ ) أنزله علينا في التوراة . فكذّبهم الله تعالى فقال (وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ ) بل من أنفسهم يُغيّرون معانيه بالترجمة كيف يشاؤون (وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ ) بترجمتهم (وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) أنّهم كاذبون .
79 - قالت نصارى نجران إنّ المسيح أمرنا أن نتّخذه ربّاً فاتّخذناه ، فنزلت هذه الآية (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ ) أي الفهم في الحُكم (وَالنُّبُوَّةَ ثمّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ) فأنتم تكذبون على المسيح وإنّه لم يقل ذلك (وَلَـكِن) قال لهم (كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ ) أي كونوا دعاةً إلى الربّ ، أي اُدعوا الناس إلى عبادتهِ (بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ ) للناس ، يعني تعلّمون الناس الإنجيل ، والمخاطَب بذلك تلاميذ المسيح (وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ) مجموعة التوراة ، يعني بسبب انّكم تَدرسون وتُعلّمون فينبغي أن تكونوا ربّانيّين تدعون الناس إلى عبادة الربّ .
80 - (وَلاَ) كان المسيح (يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنبيّيْنَ أَرْبَابًا ) من دون الله (أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ ) كما تدّعون وكما أنتم عليه الآن (بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ) أي بعد أن دعاكم إلى عبادة الله والاستسلام لأوامره ، فهذا غير صحيح فإنّ المسيح لم يأمركم بعبادته بل أمركم بعبادة الله وحده .
لقد اختلفت النصارى في المسيح فقال بعضهم هو رسول من الله وتُسمّى هذه الفرقة "شهود يهوه" ، وقال بعضهم هو إبن الله ، وقال آخرون هو الله ، وقال غيرهم ثلاثة أقانيم أبٌ وابنٌ وروحُ القُدُس والثلاثة هم واحد ، كما أنّ الإنسان مقسّم من جذع ورأس وأطراف ولكن هو واحد .
وقد كنّى المسيح نفسه "إبن الإنسان" ، فإذا تصفّحتَ الإنجيل تجد تكرار "إبن الإنسان" في عدّة صفحات وهي كناية المسيح ، وإنّما كنّى نفسه بابن الإنسان لئلاّ يقولوا أنّه إبن الله ، لأنّه كان يعلم بذلك .
وقد جاء في التوراة ما يُفنّد أقوالهم ويوضح أخطاءهم وذلك في الإصحاح الثالث والعشرين من سفر العدد قال الله تعالى (ليس الله إنساناً فيكذب ولا إبنَ إنسانٍ فيندم ) فلمّا كان مفهوماً وثابتاً عند المسيحية [ أو عند المسيحيين] بأنّ كناية المسيح هي إبن الإنسان ، أفلا يلتفتون إلى هذه العِبارة وينتبهون إلى أغلاطهم مع أنّهم يؤمنون بالتوراة ويعترفون بِها ، فهل يريدون كلمة توضّح لهم أكثرمن هذه الجُملة ، وهي قول الله تعالى (ليس الله إنساناً فيكذب ولا إبن إنسانٍ فيندم ) ؟ فضلاً عن أنّ السيد المسيح أكثر من قوله "وهؤلاء علموا أنّك أرسلتني ، ليؤمن العالم أنّك أنت أرسلتني " - إنجيل يوحنّا 17 : 21 ؛ وقوله الأكثر دلالة على كونه رسولاً "إنّه ليس عبد أعظم من سيّده ولا رسول اعظم مِمّن أرسله" - إنجيل يوحنّا 17 ؛ وما في سفر جامعة أكثر وضوحاً في التوحيد "واحداً ليس له ثانٍ لا إبن ولا أخ" 4: 8
81 - (وَإِذْ) تقديره واذكر يا محمّد لهم إذ (أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النبيّيْنَ ) الماضين (لَمَا آتَيْتُكُم ) يا بني إسرائيل (مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ) يعني أخذ العهد على الأنبياء أن يعلّموكم الكتاب والحكمة وأن يفهموكم بأن سيأتي في آخر الزمان رسول فيجب عليكم أن تؤمنوا به وتنصروه (ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ ) كما وعدناكم به وهو محمّد بن عبد الله (مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ ) من أمر التوحيد والنهي عن الإشراك ومصدّق أيضاً بما جاء في الألواح الّتي نزل بها موسى من عند الله (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ) أي يجب عليكم يا بني إسرائيل أن تؤمنوا بمحمّد وتنصروهُ كما قطعتم الميثاق مع أنبيائكم على نصرته (قَالَ) الله تعالى للنبيّين (أَأَقْرَرْتُمْ) بالميثاق (وَأَخَذْتُمْ ) من قومكم (عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي ) أي عهدي ، والشاهد على ذلك قول النابغة الذبياني :
أيا ابنَ الحواضِنِ والحاضِناتِ أتَنْقُضُ إصرَكَ حالاً فحالاً
(قَالُواْ ) أي الأنبياء (أَقْرَرْنَا) بذلك (قَالَ) الله تعالى (فَاشْهَدُواْ ) على قومكم (وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ) عليهم .
وإليك بعض بعض ما جاء في التوراة من قيام نبيّ ، فقد جاء في الاصحاح الثامن عشر من سفر التثنية قال موسى لقومه :
"يقيم لك الربّ إلاهك نبيّاً من وسطك من إخوتك مثلي له تسمعون ، حسب كلّ ما طلبتَ من الربّ إلاهكَ في حوريب يوم الاجتماع قائلاً لا أعود أسمع صوت الربّ إلاهي ولا أرى هذه النار العظيمة أيضاً لئلاّ أموت ، قال لي الربّ : قد أحسنوا فيما تكلّموا ، أقيم لهم نبيّاً من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلّمهم بكلّ ما أوصيه به ، ويكون إنّ الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلّم به باسمي أنا أطالبهُ ."
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |