كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة آل عمران من الآية( 75) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

75 - رجلٌ من قريش وعد النبيّ بأن يجمع أمواله ثمّ يأتي ويُسلِم ، ثمّ جاء إلى النبيّ وأسلم ، وكانت له أمانة عند رجل يهودي فلمّا جاءه ليأخذها منه أنكرها اليهودي لأنّهُ أسلم ، فنزلت هذه الآية في ذمّ اليهود (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ ) من المال ، أي بمالٍ كثير (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ) عند المطالبة (وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ) عند المطالَبة (إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ) يعني إلا مادُمتَ مُتسلّطاً عليه بالقوّة والسيطرة ، وهم اليهود ، والسبب في (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ) أخذ أموال (الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ) يعني ليس علينا عِقاب في أخذ أموالهم واغتصابها لأنّهم مشركون وليسوا أهل كتاب ، فإذا سألهم أحدٌ عن سبب ذلك قالوا إنّ الله أحلّ لنا أخذ أموال المشركين وهذا مكتوب في توراتنا . فكذّبهم الله تعالى فقال (وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ ) بأنّ الله أباح لهم الخيانة في الأمانة (وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) أنّ خائن الأمانة آثِم ومكتوبٌ هذا في توراتهم .

76 - (بَلَى ) عليهم سبيل بالعذاب لِمَن خانَ الأمانة ، ثمّ (مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ ) مع النبيّ وأسلمَ (وَاتَّقَى) الشِّرك ، أي وتجنّب الشِّرك والأصنام فهو مُسلم وليس مُشركاً فكيف يُبيحون أمواله (فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) أي الّذينَ يتّقون الشِرك ويبتعدون عن الأصنام ولا يعبدونها فلماذا يخونون أمانته وهو غير مشرك ؟

77 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أعمالاً اُخرى سيّئة يعملونها فقال (إِنَّ الّذينَ يَشْتَرُونَ ) أي يستبدلون (بِعَهْدِ اللّهِ ) فينقضونهُ (وَأَيْمَانِهِمْ) بالله كاذبين (ثَمَنًا قَلِيلاً ) أي عِوَضاً يسيراً ، فينقضون العهد لأجل المال ويحلفون يميناً كذباً لأجل المال (أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ) أي لا نصيب لهم في الجنّة يوم القيامة (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ ) بالتهنئة لأنّهم لا يدخلون الجنة (وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ ) نظرة رحمة (يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ) من الذنوب ، يعني ولا يغفر ذنوبهم (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أي مؤلم

78 - (وَإِنَّ مِنْهُمْ ) أي من أهل الكتاب (لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ ) يعني يبدّلون معناهُ ويغيّرون تفسيره بالترجمة من اللغة العبرية إلى العربية (لِتَحْسَبُوهُ) أيّها المسلمون (مِنَ الْكِتَابِ ) أي من التوراة (وَمَا هُوَ ) في الحقيقة (مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ ) هؤلاء اليهود (هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ ) أنزله علينا في التوراة . فكذّبهم الله تعالى فقال (وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ ) بل من أنفسهم يُغيّرون معانيه بالترجمة كيف يشاؤون (وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ ) بترجمتهم (وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) أنّهم كاذبون .

79 - قالت نصارى نجران إنّ المسيح أمرنا أن نتّخذه ربّاً فاتّخذناه ، فنزلت هذه الآية (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ ) أي الفهم في الحُكم (وَالنُّبُوَّةَ ثمّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ) فأنتم تكذبون على المسيح وإنّه لم يقل ذلك (وَلَـكِن) قال لهم (كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ ) أي كونوا دعاةً إلى الربّ ، أي اُدعوا الناس إلى عبادتهِ (بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ ) للناس ، يعني تعلّمون الناس الإنجيل ، والمخاطَب بذلك تلاميذ المسيح (وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ) مجموعة التوراة ، يعني بسبب انّكم تَدرسون وتُعلّمون فينبغي أن تكونوا ربّانيّين تدعون الناس إلى عبادة الربّ .

80 - (وَلاَ) كان المسيح (يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنبيّيْنَ أَرْبَابًا ) من دون الله (أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ ) كما تدّعون وكما أنتم عليه الآن (بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ) أي بعد أن دعاكم إلى عبادة الله والاستسلام لأوامره ، فهذا غير صحيح فإنّ المسيح لم يأمركم بعبادته بل أمركم بعبادة الله وحده . لقد اختلفت النصارى في المسيح فقال بعضهم هو رسول من الله وتُسمّى هذه الفرقة "شهود يهوه" ، وقال بعضهم هو إبن الله ، وقال آخرون هو الله ، وقال غيرهم ثلاثة أقانيم أبٌ وابنٌ وروحُ القُدُس والثلاثة هم واحد ، كما أنّ الإنسان مقسّم من جذع ورأس وأطراف ولكن هو واحد . وقد كنّى المسيح نفسه "إبن الإنسان" ، فإذا تصفّحتَ الإنجيل تجد تكرار "إبن الإنسان" في عدّة صفحات وهي كناية المسيح ، وإنّما كنّى نفسه بابن الإنسان لئلاّ يقولوا أنّه إبن الله ، لأنّه كان يعلم بذلك .

وقد جاء في التوراة ما يُفنّد أقوالهم ويوضح أخطاءهم وذلك في الإصحاح الثالث والعشرين من سفر العدد قال الله تعالى (ليس الله إنساناً فيكذب ولا إبنَ إنسانٍ فيندم ) فلمّا كان مفهوماً وثابتاً عند المسيحية [ أو عند المسيحيين] بأنّ كناية المسيح هي إبن الإنسان ، أفلا يلتفتون إلى هذه العِبارة وينتبهون إلى أغلاطهم مع أنّهم يؤمنون بالتوراة ويعترفون بِها ، فهل يريدون كلمة توضّح لهم أكثرمن هذه الجُملة ، وهي قول الله تعالى (ليس الله إنساناً فيكذب ولا إبن إنسانٍ فيندم ) ؟ فضلاً عن أنّ السيد المسيح أكثر من قوله "وهؤلاء علموا أنّك أرسلتني ، ليؤمن العالم أنّك أنت أرسلتني " - إنجيل يوحنّا 17 : 21 ؛ وقوله الأكثر دلالة على كونه رسولاً  "إنّه ليس عبد أعظم من سيّده ولا رسول اعظم مِمّن أرسله" - إنجيل يوحنّا 17 ؛ وما في سفر جامعة أكثر وضوحاً في التوحيد "واحداً ليس له ثانٍ لا إبن ولا أخ" 4: 8

81 - (وَإِذْ) تقديره واذكر يا محمّد لهم إذ (أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النبيّيْنَ ) الماضين (لَمَا آتَيْتُكُم ) يا بني إسرائيل (مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ) يعني أخذ العهد على الأنبياء أن يعلّموكم الكتاب والحكمة وأن يفهموكم بأن سيأتي في آخر الزمان رسول فيجب عليكم أن تؤمنوا به وتنصروه (ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ ) كما وعدناكم به وهو محمّد بن عبد الله (مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ ) من أمر التوحيد والنهي عن الإشراك ومصدّق أيضاً بما جاء في الألواح الّتي نزل بها موسى من عند الله (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ) أي يجب عليكم يا بني إسرائيل أن تؤمنوا بمحمّد وتنصروهُ كما قطعتم الميثاق مع أنبيائكم على نصرته (قَالَ) الله تعالى للنبيّين (أَأَقْرَرْتُمْ) بالميثاق (وَأَخَذْتُمْ ) من قومكم (عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي ) أي عهدي ، والشاهد على ذلك قول النابغة الذبياني :

                                    أيا ابنَ الحواضِنِ والحاضِناتِ      أتَنْقُضُ إصرَكَ حالاً فحالاً

(قَالُواْ ) أي الأنبياء (أَقْرَرْنَا) بذلك (قَالَ) الله تعالى (فَاشْهَدُواْ ) على قومكم (وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ) عليهم . وإليك بعض بعض ما جاء في التوراة من قيام نبيّ ، فقد جاء في الاصحاح الثامن عشر من سفر التثنية قال موسى لقومه :

"يقيم لك الربّ إلاهك نبيّاً من وسطك من إخوتك مثلي له تسمعون ، حسب كلّ ما طلبتَ من الربّ إلاهكَ في حوريب يوم الاجتماع قائلاً لا أعود أسمع صوت الربّ إلاهي ولا أرى هذه النار العظيمة أيضاً لئلاّ أموت ، قال لي الربّ : قد أحسنوا فيما تكلّموا ، أقيم لهم نبيّاً من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلّمهم بكلّ ما أوصيه به ، ويكون إنّ الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلّم به باسمي أنا أطالبهُ ."

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم