كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
110 - (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ ) واصبر على أذى قومك في سبيلي ولا تجزع . ثمّ أخذَ سُبحانهُ يُعدّد بعض ما أنعم عليهِ سابقاً ولاحقاً فقال (إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) يعني نصرتك بجبرائيل (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ) وأنتَ طِفلٌ صغير .
قلتُ فيما سبق أنّ عيسى كان في السماء وكان روحاً ، أي من فصيلة الملائكة ولَمّا خلق الله تعالى جنيناً في رحم مريم أمرهُ أن ينزل إلى الأرض فيدخل في جسم ذلك الجنين فدخل فكان المسيح ، ولَمّا ولدتهُ اُمُّهُ كان عالماً بالكلام وغيره من علومٍ شتّى وإن كان في نظر الناس طفلاً رضيعاً (وَكَهْلاً) أي وتكلّم الناس أيضاً وأنت كهل ، وكان كلامه معهم بأمور دينية .
ثمّ ذكّره بنِعَم سابقة ونِعَم لاحقة فقال تعالى (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ ) أي الكتُب السماويّة السالفة وهي صُحُف إبراهيم وألواح موسى وزبور داوُد (وَالْحِكْمَةَ) يعني وعلّمتك الموعِظة (وَالتَّوْرَاةَ) أي مجموعة التوراة (وَالإِنجِيلَ) أي وأعطيتك الإنجيل بأن كتبوهُ تلاميذك . ولَمّا انتهى سُبحانهُ من ذكر النّعم العلميّة أخذ في تعداد النّعم المادّية وهي سابقة ولاحقة أيضاً فقال (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ) أي بإذنٍ منّي لك (فَتَنفُخُ فِيهَا ) الروح أي في تلك الطينة فتدخل روحاً من أرواح الطيور فيها (فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ) أي بإرادتي وقدرتي (وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ ) وهو المولود أعمَى (وَالأَبْرَصَ) أي الذي في جلدهِ بَرَص ، وهي بُقع بيضاء تُخالف لون الجلد (بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى ) من القبور أحياء ، فقد أحيا أربعة أشخاص في اليوم الذي ماتوا فيهِ بأن أعاد الأرواح إلى أجسادها وذلك باختلاف المكان والزمان (بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ ) يعني عن أذاك وإهانتك فلم يؤذوك كما آذت الاُمَم أنبياءها ، وذلك بأن جعلت رهبةً منك في قلوبهم لئلاّ يؤذوك (إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) أي بالبراهين الواضحة والمعاجز الظاهرة (فَقَالَ الّذينَ كَفَرُواْ ) بك (مِنْهُمْ) أي من بني إسرائيل (إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ) يعني ما هذه المعجزات إلاّ سحرٌ مُبين .
111 - (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي ) عيسى بن مريم (قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ ) يا عيسى (بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ) أي مُستسلمون لأمرك مُنقادون لدينك .
112 - (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ ) عيسى (اتَّقُواْ اللّهَ ) في اقتراح الآيات (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) بكمال قدرتهِ وصحّة نبوّتي .
113 - (قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا ) تبرّكاً بهِ (وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا ) بزيادة اليقين بقدرتهِ (وَنَعْلَمَ) أي ونزداد عِلماً (أَن قَدْ صَدَقْتَنَا ) في النبوّةِ عياناً (وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ) بما رأينا لمن بعدنا .
114 - (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً ) يوم نزولها (لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا ) يعني يستمرّ العيد لحاضرنا ولمن يأتي بعدنا إلى آخر الدهر (وَآيَةً مِّنكَ ) أي وعلامة منك على صدقي (وَارْزُقْنَا) غيرها من نباتات الأرض وأثمار الأشجار (وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) .
115 - (قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ ) نزولها (مِنكُمْ) أيّها الحواريّون (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ ) في الآخرةِ (عَذَابًا) شديداً (لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا ) غيره (مِّنَ الْعَالَمِينَ ) ، فلمّا سمعوا بهذا الشرط وهو العذاب الشديد لمن يكفر بعد نزولها تركوا طلبتهم هذه فقالوا لا نريد المائدة مع العذاب الشديد لمن يكفر .
116 - (وَإِذْ قَالَ اللّهُ ) لعيسى بعد وفاتهِ وصعودهِ إلى السماء (يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ ) واعبدونا (مِن دُونِ اللّهِ قَالَ ) عيسى مُجيباً (سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي ) أي لا يجوز لي (أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ) يعني ليس من حقّي أن أقول هذا ، فلم أقلْ أنا إبن الله ولا قلت لهم أنا الله فاعبدوني بل قلتُ لهم أنا عبد الله ورسولهُ أرسلني إليكم ، وقلتُ لهم أنا إبن الإنسان وقد أكثرتُ من قولي هذا في الإنجيل بأنّي إبن الإنسان لئلاّ ينسبوني إبن الله ، فأخذ الناس بقول المجنون الّذي دخله الشيطان وتركوا قولي (إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ) فإنّك (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي ) من أسرار (وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ) من إضمار (إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) .
117 - (مَا قُلْتُ لَهُمْ ) أي للحواريّين وللنصارى (إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ ) أنا (عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) أشاهدهم وأراقبهم وأعلّمهم التوحيد (مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ) حيّاً (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ) أي فلمّا أمتّني ورفعتَ نفسي إلى السماء (كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) تراقبهم وتراقب أعمالهم وأقوالهم ولا عِلمَ لي بما جرى بعدي وبما غيّروا وبدّلوا من دينهم (وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) تشاهد الأشياء وتراقبها لا تَخفَى عليك خافية .
118 - (إِن تُعَذِّبْهُمْ ) بسبب كفرهم (فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ) ولك أن تتصرّف فيهم كيفَ تشاء (وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ ) يعني تغفر لمن قال برسالتي ولم يقل بأنّي إبن الله (فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ ) في مُلكك الغالب على خلقك (الْحَكِيمُ) في مخلوقاتك ، والمعنى : إنْ عذّبتَ فعدلٌ منك وإن غفرتَ ففضلٌ منك . وإنّما سأله الله تعالى وخاطبه بهذا ليُظهِرَ للناس براءتهُ فيعلموا أنّ المسيح لم يقل لهم إنّي إبن الله ، بل قال لهم أنا إبن الإنسان ، وأكثرَ من قولهِ هذا في الإنجيل ، ولكنّهم بدّلوا وغيّروا بأهوائهم وغالوا في المسيح حتّى قالوا هو إبن الله ، وقالت فِرقة منهم هو الله . كما غالت بعض فِرق الإسلام في المشايخ والأئمّة فجعلوهم خلفاء الله في الأرض ووكلاءهُ ونوّابهُ فأخذوا يعبدونهم كما عبدت النصارى المسيح واُمّه ، وكما عبدت قريش الملائكة وقالت هي بنات الله تشفع لنا عند الله .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |